responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : الطرق الحكمية المؤلف : ابن القيم    الجزء : 1  صفحة : 168
وَلَوْ فُتِحَ هَذَا الْبَابُ - وَلَا سِيَّمَا لِقُضَاةِ الزَّمَانِ - لَوَجَدَ كُلُّ قَاضٍ لَهُ عَدُوٌّ السَّبِيلَ إلَى قَتْلِ عَدُوِّهِ، وَرَجْمِهِ وَتَفْسِيقِهِ، وَالتَّفْرِيقِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ امْرَأَتِهِ، وَلَا سِيَّمَا إذَا كَانَتْ الْعَدَاوَةُ خَفِيَّةً، لَا يُمْكِنُ لِعَدُوِّهِ إثْبَاتُهَا، وَحَتَّى لَوْ كَانَ الْحَقُّ هُوَ حُكْمُ الْحَاكِمِ بِعِلْمِهِ لَوَجَبَ مَنْعُ قُضَاةِ الزَّمَانِ مِنْ ذَلِكَ، وَهَذَا إذَا قِيلَ فِي شُرَيْحٍ وَكَعْبِ بْنِ سَوَّارٍ، وَإِيَاسِ بْنِ مُعَاوِيَةَ، وَالْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ، وَعِمْرَانَ الطَّلْحِيُّ، وَحَفْصِ بْنِ غِيَاثٍ وَأَضْرَابِهِمْ. كَانَ فِيهِ مَا فِيهِ.
وَقَدْ ثَبَتَ عَنْ أَبِي بَكْرٍ، وَعُمَرَ، وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ، وَابْنِ عَبَّاسٍ، وَمُعَاوِيَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - الْمَنْعُ مِنْ ذَلِكَ، وَلَا يُعْرَفُ لَهُمْ فِي الصَّحَابَةِ مُخَالِفٌ.
فَذَكَرَ الْبَيْهَقِيّ وَغَيْرُهُ عَنْ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ أَنَّهُ قَالَ: " لَوْ وَجَدْتُ رَجُلًا عَلَى حَدٍّ مِنْ حُدُودِ اللَّهِ لَمْ أَحُدَّهُ حَتَّى يَكُونَ مَعِي غَيْرِي ".
وَعَنْ عُمَرَ أَنَّهُ قَالَ لِعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ: أَرَأَيْتَ لَوْ رَأَيْتُ رَجُلًا يَقْتُلُ أَوْ يَسْرِقُ أَوْ يَزْنِي؟ قَالَ: أَرَى شَهَادَتَكَ شَهَادَةَ رَجُلٍ مِنْ الْمُسْلِمِينَ، قَالَ: أَصَبْتَ، وَعَنْ عَلِيٍّ نَحْوَهُ.
وَهَذَا مِنْ كَمَالِ فِقْهِ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -، فَإِنَّهُمْ أَفْقَهُ الْأُمَّةِ وَأَعْلَمُهُمْ بِمَقَاصِدِ الشَّرْعِ وَحُكْمِهِ، فَإِنَّ التُّهْمَةَ مُؤَثِّرَةٌ فِي بَابِ الشَّهَادَاتِ وَالْأَقْضِيَةِ، وَطَلَاقِ الْمَرِيضِ وَغَيْرِ ذَلِكَ، فَلَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ السَّيِّدِ لِعَبْدِهِ، وَلَا الْعَبْدِ لِسَيِّدِهِ، وَلَا شَهَادَةُ الْوَالِدِ لِوَلَدِهِ، وَبِالْعَكْسِ وَلَا شَهَادَةُ الْعَدُوِّ عَلَى عَدُوِّهِ، وَلَا يُقْبَلُ حُكْمُ الْحَاكِمِ لِنَفْسِهِ، وَلَا يَنْفُذُ حُكْمُهُ عَلَى عَدُوِّهِ، وَلَا يَصِحُّ إقْرَارُ الْمَرِيضِ مَرَضَ الْمَوْتِ لِوَارِثِهِ وَلَا لِأَجْنَبِيٍّ، عِنْدَ مَالِكٍ، إذَا قَامَتْ شَوَاهِدُ التُّهْمَةِ، وَلَا تُمْنَعُ الْمَرْأَةُ الْمِيرَاثَ بِطَلَاقِهِ لَهَا لِأَجْلِ التُّهْمَةِ، وَلَا يُقْبَلُ قَوْلُ الْمَرْأَةِ عَلَى ضَرَّتِهَا أَنَّهَا أَرْضَعَتْهَا - أَضْعَافُ ذَلِكَ مِمَّا يُرَدُّ وَلَا يُقْبَلُ لِلتُّهْمَةِ.
وَلِذَلِكَ مَنَعْنَا فِي مَسْأَلَةِ الظَّفْرِ أَنْ يَأْخُذَ الْمَظْلُومُ مِنْ مَالِ ظَالِمِهِ نَظِيرَ مَا خَانَهُ فِيهِ لِأَجْلِ التُّهْمَةِ، وَإِنْ كَانَ إنَّمَا يَسْتَوْفِي حَقَّهُ.
وَلَقَدْ كَانَ سَيِّدُ الْحُكَّامِ - صَلَوَاتُ اللَّهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِ - يَعْلَمُ مِنْ الْمُنَافِقِينَ مَا يُبِيحُ دِمَاءَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ، وَيَتَحَقَّقُ ذَلِكَ، وَلَا يَحْكُمُ فِيهِمْ بِعِلْمِهِ، مَعَ بَرَاءَتِهِ عِنْدَ اللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَعِبَادِهِ الْمُؤْمِنِينَ مِنْ كُلِّ تُهْمَةٍ، لِئَلَّا يَقُولَ النَّاسُ: إنَّ مُحَمَّدًا يَقْتُلُ أَصْحَابَهُ، وَلَمَّا «رَآهُ بَعْضُ أَصْحَابِهِ مَعَ زَوْجَتِهِ صَفِيَّةَ بِنْتِ حُيَيٍّ قَالَ: رُوَيْدَكُمَا، إنَّهَا صَفِيَّةُ بِنْتُ حُيَيٍّ» لِئَلَّا تَقَعَ فِي نُفُوسِهِمَا تُهْمَةٌ لَهُ.

اسم الکتاب : الطرق الحكمية المؤلف : ابن القيم    الجزء : 1  صفحة : 168
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست