اسم الکتاب : شرح العقيدة الأصفهانية المؤلف : ابن تيمية الجزء : 1 صفحة : 176
وغيره، وإنه يخص بالنبوة من يشاء من عباده لا أنه بمجرد استعداده يفيض عليه العلوم من غير تخصيص إلهي.
وهنا صار الناس ثلاث أصناف: صنف يقولون: ليست النبوة إلا مجرد إنباء الله تعالى للعبد وهو تعلق كلامه كما يقولون: إن الأحكام الشرعية ليست إلا مجرد خطاب الله تعالى المتعلق بأفعال المكلفين من غير أن يكون للفعل في نفسه صفة اقتضت تخصيصه بالحكم.
وكذلك يقول هؤلاء: ليس للنبي في نفسه صفة اقتضت تخصيصه بالنبوة وهذا يقوله طوائف من متكلمة أهل الإثبات القدريين أصحاب جهم وأبي الحسن وغيرهما الذين يخالفون المعتزلة والفلاسفة فيما يقولونه في فعل الرب وحكمه إذ المتفلسفة يقولون بالطبع والعلة الموجبة، والمعتزلة يقولون بالاختيار المتضمن لشريعة عقلية ألزموه بها في التعديل والتجوير ونحو ذلك، والمنتسبون إلى السنة والجماعة من الكلابية والأشعرية والكرامية وسائر المنتسبين إلى السنة والجماعة يردون عليهم الأصول التي فارقوا بها أهل السنة والجماعة بالتكذيب من القدر والصفات وتخليد أهل الكبائر كما يردون على المتفلسفة ما فارقوا به المسلمين لكن لهؤلاء في مسائل الحكمة والمصالح وتعليل الأفعال والأحكام وهل للأفعال صفات يدرك بها حسنها وقبحها؟ نزاع ليس هذا موضع تفصيله، إنما نذكره مجملا، ومعلوم أن الإنباء والإرسال من باب كلام الله تعالى، وكذلك الأمر والنهي هو من باب كلام الله تعالى، والأمر متعلق بالفعل، والإرسال والإنباء متعلق بالرسول والنبيّ وللناس في هذا وهذا ثلاثة أقوال:
أحدها: أنه ليس ذلك إلا مجرد كلام الله تعالى المتعلق بذلك، أو تعلق الخطاب بذلك وهو من الصفات النسبية الإضافية عندهم، قالوا: لأنه ليس لمتعلق القول من القول صفة ثبوتية وهذا قول هؤلاء.
والقول الثاني: أن ذلك يعود إلى صفة قائمة بالنبيّ وبالفعل.
والقول الثالث: أن ذلك يتضمن الأمرين فالحكم الشرعي يتضمن خطاب الشارع وصفة قائمة بالفعل، والنبوة تتضمن خطاب الرب لتضمن صفة قائمة بالنبيّ أيضا، وهذا معنى قول السلف والأئمة وجمهور المسلمين والفلاسفة والمعتزلة أيضا يثبتون فيه أيضا حسن الفعل وقبحه إلى صفة فيه توجب الحمد والذم، وخطاب الشارع كاشف لها لا مثبت لها والمتفلسفة عندهم يعود ذلك إلى صفة في الفعل توجب كمال النفس أو نقصها، ولذلك يقولون: إن النبوة هي كمال للنفس الناطقة تستعد به لأن تفيض عليها المعارف من العقل الفعال من غير أن يكون هناك
اسم الکتاب : شرح العقيدة الأصفهانية المؤلف : ابن تيمية الجزء : 1 صفحة : 176