اسم الکتاب : شرح العقيدة الأصفهانية المؤلف : ابن تيمية الجزء : 1 صفحة : 175
ولا معلومة الصحة، ولا يجوز الاحتجاج بها في أصول الدين، وإن كانت صحيحة فالمعنى أن المحدث كان فيمن كان قبلنا، وكانوا يحتاجون إليه وكان ينسخ ما يلقيه الشيطان إليه كذلك وأمة محمد صلى الله عليه وسلم لا تحتاج إلى غير محمد صلى الله عليه وسلم.
ولهذا كانت الأمم قبلنا لا يكفيهم نبي واحد بل يحيلهم هذا النبيّ في بعض الأمور على النبيّ الآخر، وكانوا يحتاجون إلى عدد من الأنبياء، ويحتاجون إلى المحدث، وأمة محمد أغناهم الله بمحمد صلى الله عليه وسلم وعن غيره من الأنبياء والرسل فكيف لا يغنيهم عن المحدث، ولهذا قال صلى الله عليه وسلم: «إنه قد كان في الأمم قبلكم محدثون، فإن يكن في أمتي أحد فعمر» [1] فعلق ذلك ب «إن» ولا يجزم به، لأنه علم استغناء أمته عن محدث كما استغنت عن غيره من الأنبياء، سواء كان فيها محدث أو لا، أو كان ذلك لكمالها برسولها الذي هو أكمل الرسل وأجملهم، وهؤلاء كبعض في أمته عن الأمم قبلهم.
وقد وقع في كلام أبي حامد وغيره نحو من هذا في مواضع أخر حتى ذكر فيما يتأول وما لا يتأول أن ذلك لا يعلم إلا بتوفيق إلهي يشاهد به الحقائق على ما هي عليه ثم ينظر في السمع والألفاظ الواردة فيه فما وافق مشهوده أقره وما خالفه تأوله، وذكر في موضع آخر أن الواحد من الأولياء قد يسمع كلام الله سبحانه كما سمعه موسى بن عمران وأمثال هذه الأمور، ولهذا تبين له في آخر عمره إن طريق الصوفية لا تحصل مقصوده فطلب الهدى من طريق الآثار النبوية وأخذ يشتغل بالبخاري ومسلم، ومات في أثناء ذلك على أحسن أحواله وكان كارها ما وقع في كتبه من نحو هذه الأمور ممّا أنكره الناس عليه، حتى قال المازري وغيره ما معناه:
إن كلامه يؤثر في الإيمان بالنبوة فينقص قدرها أو نحو هذا، وكذلك ما ذكره من أن النبوة انفتاح قوة أخرى فوق العقل.
ولا ريب أن هذا ممّا يكون للنبيّ، وليست النبوة قوة تدرك بها الأمور وإنما يشبه هذا أصول الفلاسفة الذين يزعمون أن الفيض دائم من العقل الفعال وإنما يحصل في القلوب بسبب استعداد الأشخاص، فأي عبد كان استعداده أتم كان الفيض عليه أتم من غير أن يكون من الملأ الأعلى سبب يخص شخصا دون شخص بالخطاب والتكليم.
وليس هذا مذهب المسلمين بل ولا اليهود ولا النصارى بل هؤلاء كلهم إلا من ألحد منهم متفقون على أن الله سبحانه خصص موسى بالتكليم دون هارون [1] تقدم تخريجه.
اسم الکتاب : شرح العقيدة الأصفهانية المؤلف : ابن تيمية الجزء : 1 صفحة : 175