responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : شرح العقيدة الأصفهانية المؤلف : ابن تيمية    الجزء : 1  صفحة : 170
في توقفك، فإن قلت فلم أعرف شفقة النبيّ ومعرفته بهذا الطب فأقول وبم عرفت شفقة أبيك فإن ذلك أمر ليس محسوسا بل عرفتها بقرائن أحواله وشواهد أعماله في موارده ومصادره علما ضروريّا لا يتمارى فيه.
ومن نظر في أقوال رسول الله صلى الله عليه وسلم وما ورد من الأخبار في اهتمامه بإرشاد الخلق وتلطفه في حق الناس بأنواع اللين واللطف إلى تحسين الأخلاق وإصلاح ذات البين، وبالجملة إلى ما يصلح به دينهم ودنياهم حصل له علم ضروري بأن شفقته على أمته أعظم من شفقة الوالد على ولده، وإذا نظر إلى عجائب ما ظهر عليه من الأفعال وإلى عجائب الغيب التي أخبر عنها في القرآن على لسانه وفي الأخبار وإلى ما ذكره في آخر الزمان وظهر ذلك كما ذكره علما ضروريّا أنه بلغ الطور الذي وراء العقل وانفتحت له العين التي ينكشف منها الغيب والخواص والأمور التي لا يدركها العقل وهذا هو منهاج يحصل العلم الضروري بصدق النبيّ صلى الله عليه وسلم، وتأمل في القرآن وطالع الأخبار إلى أن تعرف ذلك بالعيان، وهذا القدر يكفي في تنبيه المتفلسفة ذكرناه لشدة الحاجة إليه في هذا الزمان.
قلت: فهذه الطريق التي ذكرها أبو حامد الغزالي تفضي أيضا إلى العلم بالنبوة والتصديق بها بأكثر من القدر الذي تقر به المتفلسفة وما ذكره من المشاهدات والكشوفات التي تحصل للصوفية وأنهم يشهدون تحقيق ما أخبر به الرسول صلى الله عليه وسلم ونفع ما أمر به فهذا أيضا حق في كثير ممّا أخبر به وأمر به ثم إذا علم ذلك صار حجة على صدقه فيما لم يعلمه كمن سلك طريقا من العلم بفن من الفنون إذا رأى كلام متكلم في ذلك العلم ورآه يحقق ما عنده ويأتي بزيادات لا يستطيعها فإنه يعلم بما رآه من مزيد تحقيقه لما شاركه في أصل معرفته أنه أعلم منه بما وراء ذلك كمن نظر في الطب إذا رأى كلام بقراط [1] ومن نظر في النحو إذا رأى كلام الخليل [2] وسيبويه [3]، ومن نظر في العلوم الدينية إذا رأى كلام أئمة

[1] تقدمت ترجمته.
[2] هو الإمام صاحب العربية ومنشئ علم العروض أبو عبد الرحمن بن أحمد الفراهيدي البصري أحد الأعلام، ولد سنة مائة، وكان رأسا في لسان العرب، دينا ورعا، مانعا متواضعا، كبير الشأن، مفرط الذكاء، يقال إنه دعا الله أن يرزقه علما لا يسبق إليه ففتح له بالعروض، وله كتاب العين في اللغة. مات سنة بضع وستين ومائة.
انظر ترجمته في السير (7/ 429) والبداية والنهاية (10/ 161 - 162) ووفيات الأعيان (2/ 244 - 248) وشذرات الذهب (1/ 275 - 277).
[3] هو إمام النحو حجة العرب أبو بشر عمرو بن عثمان بن قنبر الفارسي ثم البصري، طلب الفقه والحديث مرة ثم أقبل على العربية فبرع وساد أهل العصر، وألف منها كتابه الكبير الذي لا-
اسم الکتاب : شرح العقيدة الأصفهانية المؤلف : ابن تيمية    الجزء : 1  صفحة : 170
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست