اسم الکتاب : شرح العقيدة الأصفهانية المؤلف : ابن تيمية الجزء : 1 صفحة : 165
الأحكام النجومية ما لا يقع إلا في كل ألف سنة مرة فكيف ينال ذلك بالتجربة، وكذلك خواص الأدوية فتبين بهذا البرهان أن في الإمكان وجود طريق لإدراك هذه الأمور التي لا يدركها العقل وهو المراد بالنبوة، لا أن النبوة عينها فقط بل إدراك هذا الجنس الخارج عن مدركات العقل إحدى خواص النبوة وله خواص كثيرة سواها، وما ذكرناه فقطرة من بحرها، إنما ذكرناها لأن معك أنموذجا منها وهي مدركاتك في النوم ومعك علوم من جنسها في الطب والنجوم.
فأما معجزات الأنبياء فلا سبيل إليها للعقلاء ببضاعة العقل أصلا، وأما ما عداها من خواص النبوة فإنما يدركه بالذوق [1] من سلك طريق التصوف لأن هذا إنما فهمته بأنموذج رزقته وهو النوم، ولولاه ما صدقت به فإن كان للنبيّ خاصة ليس لك منها أنموذج فلا تفهمها أصلا فكيف تصدق بها، وإنما التصديق بعد التفهيم، وذلك الأنموذج يحصل في أول طريق التصوف فيحصل به نوع من الذوق بالقدر الحاصل ونوع من التصديق بما لم يحصل بالقياس إليه فهذه الخاصة الواحدة تكفيك للإيمان بأصل النبوة، فإن وقع لك الشك في شخص معين أنه نبي أم لا فلا يحصل اليقين إلا بمعرفة أحواله إما بالمشاهدة أو بالتواتر والتسامع فإنك إذا عرفت الطب والفقه يمكنك أن تعرف الفقهاء والأطباء بمشاهدة أحوالهم وسماع أقوالهم إن لم تشاهدهم.
فمعرفة كون الشافعي فقيها وكون جالينوس طبيبا معروف بالحقيقة لا بالتقليد بأن تتعلم شيئا من الطب والفقه، وتطالع كتبهما وتصانيفهما فيحصل لك علم ضروري بحالهما، وكذلك إذا فهمت معنى النبوة فأكثر النظر في القرآن والأخبار يحصل لك العلم الضروري لكونه صلى الله عليه وسلم في أعلى درجات النبوة وأعضد ذلك بتجربة ما قاله في العبادات وتأثيرها في تصفية القلوب، وكيف صدق في كذا وكذا، فإذا جربت ذلك في ألف وألفين وآلاف حصل لك علم ضروري لا تتمارى فيه، فمن هذا القبيل طلب اليقين بالنبوة لا من قلب العصا ثعبانا وشق القمر، فإن ذلك إذا نظرت إليه وحده ولم تنضم إليه القرائن الكثيرة الخارجة عن حد الحصر ربما ظننت أنه سحر وأنه تخييل، وأنه من الله تعالى إضلال، فإنه يضل من يشاء ويهدي من يشاء.
ويرد عليك أسئلة المعجزات فإذا كان مستند إيمانك كلاما منظوما في وجه [1] الذوق هي قوة منبثة في العصب المفروش على جرم اللسان تدرك بها الطعوم بمخالفة الرطوبة اللعابية في الفم بالمطعوم ووصولها إلى العصب. وفي مفهوم الصوفية هو نور عرفاني يقذفه الحق بتجليه في قلوب أوليائه يفرقون به بين الحق والباطل من غير أن ينقلوا ذلك من كتاب أو غيره.
انظر التعريفات للجرجاني (ص 143).
اسم الکتاب : شرح العقيدة الأصفهانية المؤلف : ابن تيمية الجزء : 1 صفحة : 165