responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : فتاوى السبكي المؤلف : السبكي، تقي الدين    الجزء : 1  صفحة : 15
إثْبَاتَ الْقِيَامِ لِزَيْدٍ، قِيلَ بِالْمَنْطُوقِ وَقِيلَ بِالْمَفْهُومِ، وَهُوَ الصَّحِيحُ، لَكِنَّهُ أَقْوَى، الْمَفَاهِيمِ لِأَنَّ " إلَّا " مَوْضُوعَةٌ لِلِاسْتِثْنَاءِ وَهُوَ الْإِخْرَاجُ.
فَدَلَالَتُهَا عَلَى الْإِخْرَاجِ بِالْمَنْطُوقِ لَا بِالْمَفْهُومِ، وَلَكِنَّ الْإِخْرَاجَ مِنْ عَدَمِ الْقِيَامِ لَيْسَ هُوَ عَيْنَ الْقِيَامِ، بَلْ قَدْ يَسْتَلْزِمُهُ، فَلِذَلِكَ رَجَّحْنَا أَنَّهُ بِالْمَفْهُومِ، وَالْتَبَسَ عَلَى بَعْضِ النَّاسِ لِذَلِكَ فَقَالَ إنَّهُ بِالْمَنْطُوقِ.
(وَالثَّانِي) : الْحَصْرُ بِإِنَّمَا؛ وَهُوَ قَرِيبٌ مِنْ الْأَوَّلِ فِيمَا نَحْنُ فِيهِ، وَإِنْ كَانَ جَانِبُ الْإِثْبَاتِ فِيهِ أَظْهَرُ؛ فَكَأَنَّهُ يُفِيدُ إثْبَاتَ قِيَامِ زَيْدٍ إذَا قُلْت إنَّمَا قَامَ زَيْدٌ بِالْمَنْطُوقِ وَنَفْيِهِ بِالْمَفْهُومِ.
(الْقِسْمُ الثَّالِثُ) : الْحَصْرُ الَّذِي يُفِيدُهُ التَّقْدِيمُ، وَلَيْسَ هُوَ عَلَى تَقْدِيرِ تَسْلِيمِهِ مِثْلَ الْحَصْرَيْنِ الْأَوَّلَيْنِ بَلْ هُوَ فِي قُوَّةِ جُمْلَتَيْنِ إحْدَاهُمَا مَا صَدَرَ بِهِ الْحُكْمُ نَفْيًا كَانَ أَوْ إثْبَاتًا؛ وَهُوَ الْمَنْطُوقُ، وَالْأُخْرَى مَا فُهِمَ مِنْ التَّقْدِيمِ؛ وَالْحَصْرُ يَقْتَضِي نَفْيَ الْمَنْطُوقِ فَقَطْ دُونَ مَا دَلَّ عَلَيْهِ مِنْ الْمَفْهُومِ، لِأَنَّ الْمَفْهُومَ لَا مَفْهُومَ لَهُ، فَإِذَا قُلْت أَنَا لَا أُكْرِمُ إلَّا إيَّاكَ أَفَادَ التَّعْرِيضَ بِأَنَّ غَيْرَك يُكْرِمُ غَيْرَهُ وَلَا يَلْزَمُك أَنَّك لَا تُكْرِمُهُ، وَقَدْ قَالَ تَعَالَى {الزَّانِي لا يَنْكِحُ إِلا زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً} [النور: 3] أَفَادَ أَنَّ الْعَفِيفَ قَدْ يَنْكِحُ غَيْرَ الزَّانِيَةِ وَهُوَ سَاكِتٌ عَنْ نِكَاحِهِ الزَّانِيَةَ، فَقَالَ تَعَالَى بَعْدَهُ {وَالزَّانِيَةُ لا يَنْكِحُهَا إِلا زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ} [النور: 3] بَيَانًا لِمَا سَكَتَ عَنْهُ فِي الْأَوَّلِ فَلَوْ قَالَ " بِالْآخِرَةِ يُوقِنُونَ " أَفَادَ بِمَنْطُوقِهِ إيقَانَهُمْ بِهَا وَبِمَفْهُومِهِ عِنْدَ مَنْ يَزْعُمُ أَنَّهُمْ لَا يُوقِنُونَ بِغَيْرِهَا وَلَيْسَ ذَلِكَ مَقْصُودًا بِالذَّاتِ وَالْمَقْصُودُ بِالذَّاتِ قُوَّةُ إيقَانِهِمْ بِالْآخِرَةِ حَتَّى صَارَ غَيْرُهَا عِنْدَهُمْ كَالْمَدْحُوضِ، فَهُوَ حَصْرٌ مَجَازِيٌّ، وَهُوَ دُونَ قَوْلِنَا " يُوقِنُونَ بِالْآخِرَةِ لَا بِغَيْرِهَا " فَاضْبُطْ هَذَا وَإِيَّاكَ أَنْ تَجْعَلَ تَقْدِيرَهُ وَلَا يُوقِنُونَ إلَّا بِالْآخِرَةِ إذَا عَرَفْت هَذَا فَتَقْدِيمُهُمْ أَنَّ غَيْرَهُمْ لَيْسَ كَذَلِكَ وَلَوْ جَعَلْنَا التَّقْدِيرَ لَا يُوقِنُونَ إلَّا بِالْآخِرَةِ كَانَ الْمَقْصُودُ الْمُهِمُّ النَّفْيَ فَيَتَسَلَّطُ الْمَفْهُومُ عَلَيْهِ فَيَكُونُ الْمَعْنَى: إفَادَةُ أَنَّ غَيْرَهُمْ يُوقِنُ بِغَيْرِهَا كَمَا زَعَمَ هَذَا الْقَائِلُ، وَيُطْرَحُ إفْهَامُ أَنَّهُ لَا يُوقِنُ بِالْآخِرَةِ، وَلَا شَكَّ أَنَّ هَذَا لَيْسَ بِمُرَادٍ، بَلْ الْمُرَادُ إفْهَامُ أَنَّ غَيْرَهُ لَا يُوقِنُ بِالْآخِرَةِ، فَلِذَلِكَ حَافَظْنَا عَلَى أَنَّ الْغَرَضَ الْأَعْظَمَ إثْبَاتُ الْإِيقَانِ بِالْآخِرَةِ لِيَتَسَلَّطَ الْمَفْهُومُ عَلَيْهِ، وَأَنَّ الْمَفْهُومَ لَا يَتَسَلَّطُ عَلَى الْحَصْرِ لِأَنَّ الْحَصْرَ لَمْ يَدُلَّ عَلَيْهِ بِجُمْلَةٍ وَاحِدَةٍ، مِثْلَ " مَا وَإِلَّا " وَمِثْلَ " إنَّمَا " وَإِنَّمَا دَلَّ عَلَيْهِ بِمَفْهُومٍ يُسْتَفَادُ مِنْ مَنْطُوقٍ؛ وَلَيْسَ أَحَدُهُمَا مُتَقَيِّدًا بِالْآخَرِ حَتَّى يَقُولَ إنَّ الْمَفْهُومَ أَفَادَ نَفْيَ الْإِيقَانِ الْمَحْصُورِ، بَلْ أَفَادَ نَفْيَ الْإِيقَانِ مُطْلَقًا عَنْ غَيْرِهِ.
وَهَذَا كُلُّهُ إنَّمَا احْتَجْنَا إلَيْهِ عَلَى تَقْدِيرِ تَسْلِيمِ مَا ادَّعَاهُ هَذَا الْقَائِلُ مِنْ الْحَصْرِ، وَقَدْ سَبَقَ إلَى فَهْمِ كَثِيرِ مِنْ النَّاسِ، وَنَحْنُ قَدْ مَنَعْنَا ذَلِكَ أَوَّلًا وَبَيَّنَّا أَنَّهُ لَا حَصْرَ فِي ذَلِكَ؛ وَإِنَّمَا هُوَ اخْتِصَاصٌ، وَفَرَّقْنَا بَيْنَ

اسم الکتاب : فتاوى السبكي المؤلف : السبكي، تقي الدين    الجزء : 1  صفحة : 15
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست