responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : فتاوى السبكي المؤلف : السبكي، تقي الدين    الجزء : 1  صفحة : 14
مِنْ الْأَكْوَانِ لَمْ يُخْبَرْ عَنْهُ بِشَيْءٍ بَلْ هُوَ مُعْرِضٌ عَنْهَا. وَإِذَا تَأَمَّلْت مَوَاقِعَ ذَلِكَ فِي الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَأَشْعَارِ الْعَرَبِ تَجِدُهُ كَذَلِكَ. أَلَا تَرَى قَوْلَ الشَّاعِرِ:
أَكُلَّ امْرِئٍ تَحْسِبِينَ امْرَأً ... وَنَارٍ تُوقَدُ بِاللَّيْلِ نَارًا
لَوْ قَدَّرْت فِيهِ الْحَصْرَ بِمَا وَإِلَّا هَلْ يَصِحُّ الْمَعْنَى الَّذِي أَرَادَهُ؟ وَقَدْ قَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ فِي تَفْسِيرِ {وَبِالآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ} [البقرة: 4] وَفِي تَقْدِيمِ الْآخِرَةِ وَبِنَاءِ يُوقِنُونَ عَلَى هُمْ تَعْرِيضٌ بِأَهْلِ الْكِتَابِ وَبِمَا كَانُوا عَلَيْهِ مِنْ إثْبَاتِ أَمْرِ الْآخِرَةِ عَلَى خِلَافِ حَقِيقَتِهِ وَأَنَّ قَوْلَهُمْ لَيْسَ بِصَادِرٍ عَنْ إيقَانٍ وَأَنَّ الْيَقِينَ مَا عَلَيْهِ مَنْ آمَنَ بِمَا أُنْزِلَ إلَيْك وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِك.
وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ الزَّمَخْشَرِيُّ فِي غَايَةِ الْحُسْنِ. وَقَدْ اعْتَرَضَ بَعْضُ النَّاسِ عَلَيْهِ فَقَالَ تَقْدِيمُ الْآخِرَةِ أَفَادَ أَنَّ إيقَانَهُمْ مَقْصُورٌ عَلَى أَنَّهُ إيقَانٌ بِالْآخِرَةِ لَا بِغَيْرِهَا. وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ الْقَائِلُ بَنَاهُ عَلَى مَا فَهِمَهُ مِنْ أَنَّ تَقْدِيمَ الْمَعْمُولِ يُفِيدُ الْحَصْرَ وَلَيْسَ كَذَلِكَ لِمَا بَيَّنَّا ثُمَّ قَالَ هَذَا الْقَائِلُ. وَتَقْدِيمُ " هُمْ " أَفَادَ أَنَّ هَذَا الْقَصْرَ مُخْتَصٌّ بِهِمْ فَيَكُونُ إيقَانُ غَيْرِهِمْ بِالْآخِرَةِ إيمَانًا بِغَيْرِهَا حَيْثُ قَالُوا {لَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ} [البقرة: 111] وَ {لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ} [البقرة: 80] وَهَذَا مِنْ هَذَا الْقَائِلِ اسْتِمْرَارٌ عَلَى مَا فِي ذِهْنِهِ مِنْ الْحَصْرِ، أَيْ أَنَّ الْمُسْلِمِينَ لَا يُوقِنُونَ إلَّا بِالْآخِرَةِ وَأَهْلُ الْكِتَابِ يُوقِنُونَ بِهَا وَبِغَيْرِهَا.
وَهَذَا فَهْمٌ عَجِيبٌ ثُمَّ قَالَ هَذَا الْقَائِلُ وَأَمَّا قَوْلُهُ وَأَنَّ الْيَقِينَ إلَخْ مُشْكِلٌ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ تَعْرِيضٌ بِأَنَّ الْيَقِينَ مَا عَلَيْهِ مَنْ آمَنَ، بَلْ تَصْرِيحٌ قُلْت مُرَادُ الزَّمَخْشَرِيِّ أَنَّ التَّصْرِيحَ بِأَنَّ مَنْ آمَنَ يُوقِنُونَ تَعْرِيضٌ بِأَنَّ أَهْلَ الْكِتَابِ لَا يُوقِنُونَ فَكَيْفَ يُرَدُّ عَلَيْهِ هَذَا، ثُمَّ قَالَ هَذَا الْقَائِلُ فَالْوَجْهُ أَنْ يُقَالَ وَإِنَّ الْيَقِينَ عَطْفٌ عَلَى قَوْلِهِ تَعْرِيضٌ لَا عَلَى مَعْمُولَاتِهِ مِنْ {يَا أَهْلَ الْكِتَابِ} [آل عمران: 64] وَكَأَنَّهُ قَالَ وَفِي تَقْدِيمِ الْآخِرَةِ وَبِنَاءِ يُوقِنُونَ عَلَى " هُمْ " أَنَّ الْيَقِينَ قُلْت مُرَادُ الزَّمَخْشَرِيِّ أَنَّهُ تَعْرِيضٌ بِنَفْيِ الْيَقِينِ عَنْ أَهْلِ الْكِتَابِ فَكَأَنَّهُ قَالَ دُونَ غَيْرِ مَنْ آمَنَ فَلَا يُرَدُّ عَلَيْهِ وَلَا يَحْتَاجُ إلَى تَقْدِيرِ الْعَطْفِ عَلَى مَا ذَكَرَهُ هَذَا الْقَائِلُ، وَهُوَ إمَّا أَنْ يُقَدَّرَ دُونَ غَيْرِهِمْ أَوْ لَا فَإِنْ قُدِّرَ فَهُوَ تَعْرِيضٌ لَا تَصْرِيحٌ، وَإِنْ لَمْ يُقَدَّرْ فَلَا يَحْتَاجُ إلَى بِنَاءِ " يُوقِنُونَ " عَلَى " هُمْ " فَحَمْلُ كَلَامِ الزَّمَخْشَرِيِّ عَلَى مَا زَعَمَ هَذَا الْقَائِلُ لَا يَصِحُّ بِوَجْهٍ مِنْ الْوُجُوهِ، وَهَذَا الْقَائِلُ فَاضِلٌ وَإِنَّمَا أَلْجَأَهُ إلَى ذَلِكَ فَهْمُهُ الْحَصْرَ وَهُوَ مَمْنُوعٌ وَعَلَى تَقْدِيرِ تَسْلِيمِهِ فَالْحَصْرُ عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ:
(أَحَدُهَا) : بِمَا وَإِلَّا كَقَوْلِك مَا قَامَ إلَّا زَيْدٌ صَرِيحٌ فِي نَفْيِ الْقِيَامِ عَنْ غَيْرِ زَيْدٍ، وَيَقْتَضِي

اسم الکتاب : فتاوى السبكي المؤلف : السبكي، تقي الدين    الجزء : 1  صفحة : 14
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست