responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : الحاوي للفتاوي المؤلف : السيوطي، جلال الدين    الجزء : 1  صفحة : 304
يَقُولُهُ هَذَا الْمُعْتَرِضُ؟ وَهَلِ الْأَوْلَى لَهُ الرُّجُوعُ إِلَى مَا كَانَ عَلَيْهِ مِنَ التَّعْبِيرِ لِكُلِّ سَائِلٍ إِذِ الْحَاجَةُ وَالضَّرُورَةُ إِلَيْهِ أَمْ لَا؟ وَإِذَا كَانَ لَمْ يَأْخُذْ عَلَيْهِ جَعَالَةً فَهَلْ يُثَابُ عَلَيْهِ أَمْ لَا؟ .
الْجَوَابُ: الْقَوْلُ بِأَنَّ الرُّؤْيَا وَتَعْبِيرَهَا تَخَيُّلَاتٌ لَا أَصْلَ لَهَا يَكَادُ يَخْرِقُ الْإِجْمَاعَ، فَإِنَّ الْكِتَابَ وَالسُّنَّةَ طَافِحَانِ بِاعْتِبَارِ الرُّؤْيَا وَتَأْوِيلِهَا، وَقَدْ وَرَدَ فِي الْحَدِيثِ: " «أَنَّ رُؤْيَا الْعَبْدِ كَلَامٌ يُكَلِّمُهُ رَبُّهُ فِي الْمَنَامِ» "، وَفِي أَثَرٍ آخَرَ: " «أَنَّ اللَّهَ وَكَلَ بِالرُّؤْيَا مَلَكًا يُرِيهَا لِلنَّائِمِ» "، وَالْأَحَادِيثُ فِي ذَلِكَ وَنَحْوِهِ كَثِيرَةٌ عَنْ حَدِّ الْحَصْرِ، وَإِنَّمَا قَصُرَ عِلْمُ النَّاسِ عَنْ كَثِيرٍ مِنَ الْمُغَيَّبَاتِ؛ لِعَدَمِ وُقُوفِهِمْ عَلَى السُّنَّةِ، وَاشْتِغَالِهِمْ بِهَا وَهِيَ لَا تُؤْخَذُ إِلَّا مِنْ جِهَةِ الْوَحْيِ، فَعَدَلُوا عَنْ مَعْدِنِهَا، وَرَجَعُوا إِلَى أَقْوَالِ الْحُكَمَاءِ وَالْفَلَاسِفَةِ الْجُهَّالِ الضُّلَّالِ الَّذِينَ حَدَسُوا بِأَفْكَارِهِمْ وَخَمَّنُوا فَلَمْ يَقِفُوا عَلَى حَقِيقَةِ الْحَالِ، كَقَوْلِهِمْ هَذَا فِي الرُّؤْيَا، وَكَقَوْلِهِمْ: فِي الطَّاعُونِ، وَالزَّلْزَلَةِ، وَالرَّعْدِ، وَالْبَرْقِ، وَالصَّوَاعِقِ، وَالْقَوْسِ، وَالْمَجَرَّةِ، وَالْمَطَرِ، وَالسَّحَابِ، وَسَائِرِ مَا فَوْقَ الْمَلَكُوتِ وَمَا تَحْتَ الْأَرَضِينَ، كُلُّ ذَلِكَ خَاضَ فِيهِ الْفَلَاسِفَةُ قَبَّحَهُمُ اللَّهُ بِالظُّنُونِ الْفَاسِدَةِ، فَأَتَوْا فِيهَا بِأَشْيَاءَ أَكْذَبَهُمْ فِيهَا صَاحِبُ الشَّرِيعَةِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، الْمُوحَى إِلَيْهِ بِعُلُومِ الْأَوَّلِينَ وَالْآخِرِينَ.
وَقَوْلُ الْمُنْكِرِ: فَلَا يَجُوزُ الْعَمَلُ بِهِ، كَلَامٌ عَجِيبٌ، فَإِنَّ الرُّؤْيَا لَيْسَتْ عِلْمَ عَمَلٍ، بَلْ إِمَّا تَبْشِيرٌ بِخَيْرٍ، أَوْ تَحْذِيرٌ مِنْ شَرٍّ، فَأَيُّ عَمَلٍ هُنَا؟ نَعَمِ التَّثَبُّتُ مَطْلُوبٌ، وَعَدَمُ الْمُسَارَعَةِ وَالْمُبَادَرَةِ، وَقَدْ تَكُونُ الرُّؤْيَا صُورَتُهَا وَاحِدَةٌ، وَيَخْتَلِفُ تَأْوِيلُهَا بِحَسَبِ الرَّائِي وَحَالِهِ وَصِفَتِهِ، وَمَا اتَّفَقَ فِي أَيَّامِ الرُّؤْيَا، وَقَدْ تَكُونُ الرُّؤْيَا مِنْ أَنْوَاعِ الْكَشْفِ الَّذِي يَحْصُلُ لِأَرْبَابِ الْأَحْوَالِ فِي كَثِيرٍ مِنْ أَوْقَاتِهِمْ، وَهَذِهِ لَا يَلِيقُ بِكُلِّ مُعَبِّرٍ، تَأْوِيلُهَا إِنَّمَا يُؤَوِّلُهَا صَاحِبُ حَالٍ لَهُ مَعْرِفَةٌ بِأَحْوَالِ الْقَوْمِ.
وَفِي جَوَازِ أَخْذِ الْجَعَالَةِ عَلَى تَأْوِيلِ الرُّؤْيَا وَقْفَةٌ، وَيَقْرُبُ الْجَوَازُ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنَ الْفُرُوضِ وَالْعِبَادَاتِ الَّتِي يَمْتَنِعُ أَخْذُ الْأُجْرَةِ عَلَيْهَا، وَوَجْهُ التَّوَقُّفِ كَوْنُهُ كَلَامًا يُقَالُ، فَيُشْبِهُ الِاسْتِئْجَارَ عَلَى كَلِمَةٍ لَا تُتْعِبُ، وَلَكِنَّ الْفَرْقَ أَوْضَحُ، وَفِي الثَّوَابِ عَلَيْهِ إِذَا لَمْ يَأْخُذْ أُجْرَةً وَقْفَةٌ أَيْضًا، وَالْأَقْرَبُ أَنَّهُ لَا ثَوَابَ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنَ الْعُلُومِ الْمَفْرُوضَةِ وَلَا الْمَنْدُوبَةِ، بَلْ مِنَ الْمُبَاحَاتِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

اسم الکتاب : الحاوي للفتاوي المؤلف : السيوطي، جلال الدين    الجزء : 1  صفحة : 304
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست