اسم الکتاب : التشريع الجنائي الإسلامي مقارنا بالقانون الوضعي المؤلف : عبد القادر عودة الجزء : 1 صفحة : 387
بمجرد ذلك حتى عرفهم به مفصلاً على ألسنة رسله، وقطع معازير الناس بأن أقام على صدق رسله من الأدلة والبراهين ما لا يبقى معه لهم عليه حجة؛ ليهلك من هلك من بينة، ويحيى من حيى عن بينة، وصرف لهم طرق الوعد والوعيد والترغيب والترهيب، وضرب لهم الأمثال، وأزال عنهم كل إشكال، ومكنهم من القيام بما أمرهم به ترك ما نهاهم عنه غاية التمكين وأعانهم عليه بكل سبب، وسلطهم على قهر طباعهم، وأرشدهم إلى التفكر والتدبر وإيثار ما تقضي به عقولهم، وأكمل لهم دينهم وأتم عليهم نعمته بما أوصله إليهم على ألسنة رسله من أسباب العقوبة والمثوبة والبشارة والنذارة والرغبة والرهبة، وحقق لهم ذلك فجعل بعضه في دار الدنيا ليكون علماً وأمارة لتحقق ما أخره عنهم في دار الجزاء والمثوبة ويكون العاجل مذكراً بالآجل.
وكان من بعض حكمته أن حرم على الناس ما يضر بعقولهم وأبدانهم وأموالهم وما ويضر بأفرادهم وجماعتهم ونظامهم، وشرع لهم من العقوبات عليه ما يقطع أطماعهم ويرد عدوانهم ويمنع تظلمهم، فإن سمعوا وأطاعوا لم يضرهم ذلك شيئاً، وإن عصوا فقد حقت عليهم العقوبة بعصيانهم وعدوانهم، ولا عذر لهم بعد أن عملوا بما حرم عليهم وما ينتظرهم من عقاب، وبعد أن أتوا ما أتوا وهم مختارين مدركين [1] .
أما من لم يكن مدركاً أو مختاراً فلا عقاب عليه؛ لأن المكلف بإتيان فعل أو تركه يجب أن يفهم الخطاب الموجه إليه؛ أي الأمر والنهي، وهو لا يستطيع أن يفهم ذلك إلا إذا كان عاقلاً، كما أنه لا يمكن القول بأن المكلف عصى أمر الشارع إذا كان قد أُكره على الفعل المحرم [2] .
وسنعرض على القارئ فيما يلي نموذجاً مما يقوله الفقهاء في تعليل عدم العقاب في هاتين الحالتين، وهذا [1] أعلام الموقعين ج2 ص214- 216. [2] المستصفي للغزالي ج1 ص83، 84، 90، فواتح الرحموت ج1 ص143 وما بعدها وص 166، أصول الفقه للخضري ص109 وما بعدها.
اسم الکتاب : التشريع الجنائي الإسلامي مقارنا بالقانون الوضعي المؤلف : عبد القادر عودة الجزء : 1 صفحة : 387