اسم الکتاب : التشريع الجنائي الإسلامي مقارنا بالقانون الوضعي المؤلف : عبد القادر عودة الجزء : 1 صفحة : 388
القول لأبي الحسن الآمدي صاحب كتاب "الإحكام في أصول الأحكام" قال [1] :
"اتفق العقلاء على أن شرط المكلف [2] أن يكون عاقلاً فاهماً للتكليف، لأن التكليف خطاب، وخطاب من لا عقل له ولا فهم محال، كالجماد والبهيمة".
"ومن وجد له أصل الفهم لأصل الخطاب دون تفاصيله من كونه أمراً أو نهياً، ومقتضياً للثواب والعقاب، ومن كون الآمر به هو الله تعالى، وأنه واجب الطاعة، وكون المأمور به على صفة كذا وكذا، كالمجنون والصبي الذي لا يميز - فهو بالنظر إلى فهم التفاصيل كالجماد والبهيمة إلى فهم أصل الخطاب، ويتعذر تكليفه أيضاً إلا على رأي من يجيز التكليف بما لا يطاق؛ لأن المقصود من التكليف كما يتوقف على فهم أصل الخطاب فهو متوقف على فهم تفاصيله".
"وأما الصبي المميز وإن كان يفهم ما لا يفهمه غير المميز، غير أنه أيضاً غير فاهم على الكمال ما يعرفه كامل العقل من وجود الله تعالى، وكونه متكلماً مخاطباً مكلفاً بالعبادة، ومن وجود الرسول الصادق والمبلغ عن الله تعالى، وغير ذلك مما يتوقف عليه مقصود التكليف، فنسبته إلى غير المميز كنسبة غير المميز إلى البهيمة فيما يتعلق بفوات شرط التكليف".
وإن كان مقارباً لحالة البلوغ بحيث لم يبقى بينه وبين البلوغ سوى لحظة واحدة، فإنه وإن كان فهمه كفهمه الموجب لتكليفه بعد لحظة، غير أنه لما كان العقل والفهم فيه خفياً، وظهوره فيه على التدريج، ولم يكن له ضابط يعرف به، جعل له الشارع ضابطاً وهو البلوغ وحط عنه التكليف قبله تخفيفاً عليه، ودليله قوله عليه السلام: "رفع القلم عن ثلاثة: عن الصبي حتى يبلغ، وعن النائم حتى يستيقظ، وعن المجنون حتى يفيق".
"وعلى هذا فالغافل عما كلف به والسكران المتخبط لا يكون خطابه وتكليفه في حالة غفلته وسكره أيضاً، إذ هو في تلك الحالة أسوأ حالاً من الصبي المميز [1] الإحكام في أصول الأحكام للآمدي ج1 ص215 وما بعدها. [2] المكلف هو الشخص الذي يوجه إليه الأمر والنهي.
اسم الکتاب : التشريع الجنائي الإسلامي مقارنا بالقانون الوضعي المؤلف : عبد القادر عودة الجزء : 1 صفحة : 388