…ومما يدلُّ دلالةً مؤكدةً على أن سرد الصيام لا يعني صوم الدهر، وإنما يعني الإِكثارَ من الصيام وتتابعَه فحسب، هو ما جاء في الحديث المروي من طريق أُسامة بن زيد رضي الله عنه عند أحمد (22096) بلفظ {كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصوم الأيام يسردُ، حتى يُقال لا يفطر، ويفطر الأيام حتى لا يكاد أن يصوم ... } المار في الفصل [صيام التطوع] في بحث [صوم شعبان] فقد جاء فيه (يسردُ حتى يُقال لا يفطر، ويفطر الأيام ... ) فقد جمع هذا اللفظ بين السردَ والإِفطار، ولو كان السرد يعني الصوم الدائمَ لما جاز هذا الجمعُ. وبارك الله في الترمذي، فقد أدرك أن سرد الصوم يعني التتابع ولا يعني صوم الدهر، ولذا وجدناه عقد باباً سماه [باب ما جاء في سرد الصوم] وأورد تحته الحديث التالي: عن عبد الله بن شقيق قال {سألت عائشة عن صيام النبي صلى الله عليه وسلم؟ قالت: كان يصوم حتى نقول قد صام ويفطر حتى نقول قد أفطر وما صام رسول الله صلى الله عليه وسلم شهراً كاملاً إلا رمضان} كما أورد بعده حديثين ليس فيهما ذكرٌ لصوم الدهر، مما يدل على أنه فهم من سرد الصوم الإكثارَ منه فحسب. وحيث أن الأحاديث يفسِّر بعضُها بعضاً، فإن أحاديثنا السابقة كلها تصلح لتفسير حديث حمزة بأنه يدل على التتابع، لكون صوم الدهر فيها منهيَّاً عنه.