…وأما حديث عائشة عن حمزة بن عمرو فليس دالاً أيضاً على ما ذهبوا إليه، بل هو دالٌّ على عكس ما ذهبوا إليه، فحمزة يقول: إني رجل أسرد الصوم، فيجيبه الرسول صلى الله عليه وسلم: صم إن شئت وأفطر إن شئت. وهذا السياق بقليل من إنعام نظر يدل على أن السرد هنا لم يكن صوم الدهر، إذ لو كان حمزة يصوم الدهر كله لما سأل الرسولَ صلى الله عليه وسلم هذا السؤال (أفأصوم في السفر؟) لأنه في هذه الحالة ليس بحاجة إلى هذا السؤال، ثم لو أنَّ حمزةَ كان يصوم الدهر وعلم الرسول صلى الله عليه وسلم ذلك وأقرَّه عليه لما أجابه بقوله (صم إن شئت وأفطر إن شئت) وإنما كان يجيبه بقوله مثلاً: لا بد لك من الصوم في السفر، أو أن السفر لا يقطع صيامك، أو أن السفر لا ينافي صوم الدهر، أمَّا وأنه قال له: صم إن شئت وأفطر إن شئت، فإنه يدل على أن السؤال لم يكن عن صوم الدهر، وإنما هو عن الإكثار من الصوم وتتابعه لا أكثر.