…أما الأثر 7 القائل إن عمر وابنه كانا يسردان الصوم، فلا يصح أن يُفهم منه صومُ الدهر، وإنما يفسر بالإكثار من الصوم وتتابعه وتواصله، وهو جائز ولا حُرْمَةَ فيه، وتتابع الصوم وتواصله لا يعني صوم أيام السنة كلها، وإنَّ من لغة العرب استعمالَ تعابير ظاهرُها الديمومة، لتدلَّ على الأعمِّ الأغلب فقط، وهذا موجود بكثرة في القرآن الكريم والسنة الشريفة، وهو من الكثرة والشيوع بحيث لا يحتاج إلى سوق الأمثلة عليه
…ومع كل هذه النصوص التي لا ناسخ لها ولا معارِض يذهب جمهور العلماء إلى القول بجواز صوم الدهر، مستدلين بحديث عائشة رضي الله عنها أن حمزة بن عمرو الأسلمي سأل النبي صلى الله عليه وسلم فقال {يا رسول الله إني رجل أسرد الصوم أفأصوم في السفر؟ قال: صم إن شئت، وأفطر إن شئت} رواه مسلم (2626) والبخاري. وقد مرَّ هذا الحديث في بحث [حكم الصيام في السفر] في الفصل [الصيام في السفر] وبالآثار عن الصحابة أنهم كانوا يسردون الصوم، وقد رواها البيهقي في الجزء الرابع في الصفحة (301) والخطأ الذي وقعوا فيه أنهم فسَّروا سرد الصوم بصوم الدهر ولم يفسِّروه بالمواصلة والتتابع، ولو كانوا فسَّروه بالمواصلة والتتابع لما وقعوا في هذا الخطأ.
…أما آثار الصحابة فهي ليست أدلة أصلاً حتى تعارِض، أو تخصِّص الأحاديث النبوية الدالة على التحريم، وحتى لو فسَّرناها بصوم الدهر فإنها تُرَدُّ ولا يُلتَفتُ إليها، وهي لا تعدو كونها اجتهاداتِ صحابةٍ نحن غير ملزمين بها، لا سيما إن تعارضت مع النصوص من الكتاب والسنة.