…إن الناظر فيها لا يجد عناء في استنباط حكم تحريم صيام الدهر، فالحديث الأول بلفظه يحتمل الدعاء من الرسول صلى الله عليه وسلم على من صام الدهر، كما يحتمل النفي فهو محتمل، فإذا قرنَّاه بالحديث الثالث والحديث الخامس رجَّحنا أنه أي الحديث الأول يفيد النفي، كما أن الثالث والخامس يفيدان النفي أيضاً، ومعنى النفي أن الرسول صلى الله عليه وسلم وصف من يصوم الدهر بأنه لم يصم، وهذا يعني أن الصوم هذا غير واقع وغير مقبول، وحيث أنه عبادة والعبادات توقيفية لا دخل للعقل فيها، فإنا نحكم على أية عبادة منفيَّةٍ شرعاً، أي لا وجود لها في الشرع وغير مقبولة، بأنها حرام وتشريعٌ خارجٌ عن شرع الله، فهذه الأحاديث الثلاثة تكفي للدلالة على حرمة صوم الدهر. فإذا أضفنا إليها الحديث الثاني (لا صوم فوق صوم داود) تأكد لدينا بشكل لا يحتمل الخطأ أن صوم الدهر قد نفاه الشرع ولم يُقِرَّه، فإذا أضفنا إلى ما سبق الروايةَ (فصم صيام نبي الله داود ولا تزد عليه) ، فإِنَّا نكون قد أضفنا إلى النفي المكرر النهي عن هذا الصيام، فتعاضد النفي مع النهي، ليشكل كل منهما قرينةً للآخر دالةً على الجزم، فيكون صيام الدهر حراماً بلا شك. وبذلك يتضح لنا معنى الحديث الرابع، وهو أن من صام الدهر، الذي نفاه الشرع ونهى عنه، فإنه يكون قد خرج عن طاعة الله ودخل في معصيته، فليس له عندئذٍ من جزاءٍ إلا جهنم.
…إن هذه النصوص لتدلُّ دلالة لا لبس فيها ولا غموض على أن صيام الدهر غير مشروع، وغير مقبول، وغير صحيح، وأنه بالتالي حرام لا يجوز. وما كان لعمر بن الخطاب رضي الله عنه أن يضرب الناس ويعاقبهم على فعلٍ لو لم يكن محرَّماً كما جاء في الأثر 6.