وحتى تلمسوا مدى الاضطراب في الاستدلال عندهم أسوق لكم فقرة جاءت في ذيل سنن الدارقطني لأبي الطيب آبادي (ولفظ الترمذي من طريق شعبة «لقد رأيت أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يُوقَظون للصلاة حتى إني لأسمع لأحدهم غطيطاً ثم يقومون فيصلون ولا يتوضأون» . قال ابن المبارك: هذا عندنا وهم جلوس. قال البيهقي: على هذا حمله عبد الرحمن ابن مهدي والشافعي. وقال ابن القطان: هذا الحديث سياقه في مسلم يحتمل أن ينزل على نوم الجالس، وعلى ذلك نزَّله أكثر الناس، لكن فيه زيادة تمنع من ذلك رواها يحيى بن القطان عن شعبة عن قتادة عن أنس قال «كان أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ينتظرون الصلاة فيضعون جنوبهم، فمنهم من ينام ثم يقوم إلى الصلاة» . وقال ابن دقيق العيد: يُحمل على النوم الخفيف، لكن يعارضه رواية الترمذي التي ذكر فيها الغطيط) . فالاضطراب جدُّ واضح، فهم كلما ربطوا ناحية انفرطت أُخرى، فالحديث كما قلنا لا يسعفهم. أما حديث عليٍّ «العين وكاء السَّهِ فمن نام فلْيتوضأ» فقد أخذوا منه أن النوم ليس حدثاً في نفسه وإنما هو حالة يخرج فيها الريح، وقالوا بناء على ذلك إن النائم الجالس لا يُخرج ريحاً فلا ينتقض وضوؤه بالنوم جالساً، أي أنهم استنبطوا من الحديث علةً لنقض النوم للوضوء هي خروج الريح. فنقول:
أولاً: إن حديث أنس يرد عليهم فهمهم للحديث، لأنهم كانوا ينامون مضطجعين ولم يكونوا يتوضأون.
ثانياً: إن حديث العين وكاءُ السَّهِ لا يصلح للاستدلال به على تعليل نقض النوم بخروج الريح، فإن ألفاظه لا تفيد العِلِّيَّة.