ثالثاً: إن الشرع جعل النوم ناقضاً تماماً كما جعل خروج الريح ناقضاً، فجعلهما الشرع ناقضَيْن، ولم يجعل أحدهما علَّة للآخر، لأن من شأن ذلك أن يكون الناقض واحداً ويُلغَى الآخر، وهذا الإلغاء نسخ ولا يملكه أحد من المسلمين سوى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ولم يُرو عنه عليه الصلاة والسلام أنه ألغى أو أبطل أو نسخ النوم كناقض، فالقول إن النوم معلَّل بخروج الريح فإذا انتفى الخروج بالنوم جالساً زال حكم النوم، هذا القول غير صحيح لما أسلفنا، ما دامت في الشرع نصوص كثيرة تفيد حكم النقض للنوم ولم تُنسخ، بل إن آخر حديثهم يرد على فهمهم لأوَّله، فالحديث يقول «العين وِكاءُ السَّهِ فمن نام فلْيتوضأ» فإن آخر الحديث يقول «فمن نام» ، فلم يقيِّد ولم يخصِّص ولم يفصِّل، والنوم جالساً داخل لا شك في النص، والأشبه أن يقال إن خروج الريح من النائم هو مصاحب محتمل للنوم، فلا يصلح أن يكون علَّة.
هذه آراء العلماء والأئمة وهذه أدلتهم، وقد فشلوا في التوفيق والجمع بين الأدلة كلها إلا بتأويل متعسّف، وقد تبين لكم أنه لا يُجمع بين الأحاديث كلها إلا بالقول الذي قلناه، وهو أن النوم في الصلاة الفعلية، وفي الصلاة حكماً لا ينقض، وما سواه ينقض، فهو جمعٌ صحيح وجميلٌ فيه القناعة والطمأنينة، وهو الجمع الوحيد الذي فيه إعمالٌ للأدلة كلها.