أرجلكم لأنها بالجر تكون معطوفة على رؤوسكم التي طُلب مسحها. وهذا القول منه يعتبر معتدلاً، ولكن رُوي عن عكرمة والشعبي وقتادة غير ذلك، فقد رُوي عن عكرمة أنه قال: ليس في الرِّجلين غسل، إنما نزل فيهما المسح. ورُوي عن الشعبي أنه قال: نزل جبريل بالمسح. وقال قتادة: افترض الله مسحتين وغسلتين. فهؤلاء لم يأخذوا بالقراءة الصحيحة بنصب أرجلكم، وتمسكوا بالقراءة الصحيحة الأخرى بجر أرجلكم وقد أخطأوا في ذلك.
وقد تأثّر بقولهم هذا ابن حزم والطحاوي، فقالا بأن المفروض في الأرجل كان المسح في بدء الإسلام ثم نُسخ. وهذه دعوى ينقصها البرهان. وقد رُوي أن علياً وأنساً وابن عباس كانوا يقولون بالمسح، ثم ثبت رجوعهم عنه إلى القول بالغسل، ولم يبق صحابي واحد يقول بالمسح. وللرد على الطبري وقتادة وعكرمة والشعبي أقول إن الأحاديث كلها أفادت غسل الأرجل، ولم يُرو حديث واحد صحيح واضح الدلالة على أن المسلمين كانوا يمسحون أرجلهم في الوضوء، والمعلوم أن السُّنَّة تبين القرآن: تفصِّل مُجمَله، وتقيِّد مطلَقه، وتخصِّص عمومه، ولا تتعارض معه. وجميع الأحاديث تقول بالغسل، فوجب القول إن الآية تُوجب هي الأخرى الغسل، وإنه لا إشكال في الجمع بين القرآن والسُّنَّة هنا بقراءة أرجلَكم بالنصب، وهي قراءة صحيحة قطعية. فهذه القراءة والأحاديث تفيد غسل الأرجل، فلا تعارض.