أما القراءة بالجر فهي التي أشكلت على عدد من الفقهاء، وكان ينبغي الأخذ بالقاعدة التي تقرِّر أن السُّنَّة لا يمكن أن تتعارض مع القرآن، لأن الرسول عليه الصلاة والسلام لا يأتي بأمر من عنده، وما دام قد ثبت أنه أمر بالغسل فإن ذلك دليل أكيد على أن القرآن قد أتى هو الآخر بالغسل، فوجب تفسير الآية بحسب ذلك، وأنَّ قراءة الجر لا تخرج عن هذا الفهم، ذلك أن جرَّ أرجلكم لا يعني عطفها على رؤوسكم، وبالتالي لا يعني وجوب إلحاقها بالرؤوس في المسح، وإنما جاء الجر للمجاورة لا أكثر، فهي تظل معطوفة على وجوهكم وأيديكم التي طلب فيها الغسل، وبذلك تكون الآية بالقراءتين تفيد الغسل تماماً كما تفيد الأحاديث، وبذلك أيضاً يزول التعارض وتنتفي الشبهة.
أما أخذ بعضهم بقراءة الجر وترك قراءة النصب على اعتبار تعارضهما فإنه لا يجوز، لأن القراءتين صحيحتان، وكل قراءة منهما قرآن لا ينبغي هجرة وتركه، ثُم إن هؤلاء كان ينبغي عليهم عدم القول بتعارض القرآن مع السنة، فما دامت السنة تقول بالغسل، فإن الواجب عليهم أن لا يقولوا إن القرآن يخالفها ويأمر بالمسح، بل يجب أخذ الآية بقراءة الجر وحملها على أنها للمجاورة ليظل عطفها على ما سبق من المغسول دون الممسوح. وفي هذا الخطأ وقع القائلون بأن الآية أفادت غسلاً ومسحاً أخذاً بظاهر القراءتين، وخطأ هؤلاء أنهم اعتبروا الآية الواحدة تطلب شيئين مختلفين في موضوع واحد، فكأنهم اعتبروا الآية بقراءتيها متعارضة، ولو حكَّموا القاعدة بأن السُّنَّة والقرآن لا يتعارضان، وأن القرآن لا يعارض نفسه لأمكنهم فهم الآية بالقراءتين وبالسُّنَّة فهماً واحداً، وأنها كلها تفيد غسل الأرجل.