ولنقف وِقفةً متأنيَّة عند الآية الكريمة {يا أيُّها الذينَ آمنُوا إذا قمْتُمْ إلى الصَّلاةِ فاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وأَيْدِيَكُمْ إلى المَرَافِقِ وامْسَحُوا برُؤُوسِكُمْ وأَرْجُلَكُمْ إلى الكَعْبَيْنِ} الآية 6 من سورة المائدة. قوله إذا قمتم: أي إذا أردتم القيام إلى الصلاة، كقوله تعالى {فإذا قَرَأْتَ القُرآنَ فاسْتَعِذْ باللهِ} أي إذا أردت قراءة القرآن. وقد فهم بعضهم من هذه الآية فرض النية للوضوء، فقد قالوا: إن قوله إذا قمتم معناه إذا نويتم القيام، ولكنَّ هذا الفهم ضعيف، ويكفي في النية حديث عمر «إنما الأعمال بالنية» والآية تقول {وأَيْدِيَكُمْ إلى المَرَافِقِ} بالجمع للمرفق، وتقول {وأَرْجُلَكُمْ إلى الكَعْبَيْنِ} بالتثنية للكعب. والذي يترجح لديَّ أن سبب ذلك هو ما قاله ابن عطية صاحب التفسير الجليل [المُحرَّر الوجيز] في تفسيره (ويظهر ذلك من الآية من قوله في الأيدي {إلى المَرَافِقِ} أي في كل يد مرفق، ولو كان كذلك في الأرجل لقيل إلى الكعوب، فلما كان في كل رجل كعبان خُصَّا بالذكر) . وقد قرأ نافع والحسن البصري والأعمش {أَرْجُلَكُمْ} بالنصب وقرأها بالجر حمزة وابن كثير وأبوعمرو. أما قراءتها بالنصب فبعطف أرجلكم على أيديكم، وحيث أن الأيدي طُلب غسلها فكذلك الأرجل تُغسل، وعلى هذا التفسير وأن الأرجل تُغسل جمهرةُ المسلمين قديماً وحديثاً والأئمة الأربعة. قال النووي (اختلف الناس على مذاهب، فذهب جميع الفقهاء من أهل الفتوى في الأعصار والأمصار إلى أن الواجب غسل القدمين مع الكعبين، ولا يُجْزِيء مسحُها، ولا يجب المسح مع الغسل ولم يثبت خلاف هذا عن أحد يعتدُّ به في الإجماع) وقال ابن حجر (لم يثبت عن أحد من الصحابة خلاف ذلك إلا عن علي وابن عباس وأنس، وقد ثبت عنهم الرجوع عن ذلك) وخالف في ذلك الطبري قائلاً إن الأرجل فيها الغُسل أخذاً بقراءة نصب أرجلكم، وفيها المسح أخذاً بقراءة جرِّ