نعود للأقوال السابقة للأئمة. أما قول من قال إن الباء تفيد التبعيض فهو قول ساقطٌ، لأنه لا أصل له في لغة العرب، وأما قول القرطبي إن الباء للتعدية فهو قول لا يفيد معنى، وهو يدخل في بحث الإعراب فلا قيمة له هنا، وأما قول ابن قُدامة إن الباء للإلصاق فله وجه، ولكنه استنبط حكماً منه لا يفيده هو وجوب مسح جميع الرأس، لأن (امسحوا رؤوسَكم) لا يفيد لغةً مسحَ جميع الرأس، فلم يبق إلا قول الشافعي، وهذا القول هو ما سنناقشه، والمناقشة إنما هي لقوله (فدلَّت السُّنَّة على أن بعضه يُجْزِئ) .
إن الآية أفادت لوجود الباء فيها معنى مستفاداً هو أن المسح يكون بيد مبتلَّة، ولم تفد أكثر من ذلك، فيبقى إتيان الدليل على أن البلل يجب أن يكون من الماء، وإتيان الدليل على أن مسح بعض الرأس يُجْزِئ، أو إتيان الدليل على أن مسح كل الرأس هو المُجْزِئ، هذا هو صعيد البحث والمناقشة.