أما أنَّ البلل يجب أن يكون من الماء دون سواه من المائعات فقد قام الدليل عليه من القرآن والسنة، أما من القرآن فقوله تعالى {فلَمْ تجِدُوا مَاءً فتيَمَّمُوا} وقد سبق وجه الاستدلال به على المطلوب، وأما من السُّنَّة فكثير من الأحاديث نكتفي منها بحديث واحد. روى عمران بن حصين قال «كنا في سفر مع النبي - صلى الله عليه وسلم - ... فصلى بالناس، فلما انفتل من صلاته إذا هو برجل معتزل لم يصلِّ مع القوم، قال: ما منعك يا فلان أن تصلي مع القوم؟ قال: أصابتني جنابة ولا ماء، قال: عليك بالصعيد فإنه يكفيك ... » رواه البخاري وأحمد. فهذا الانتقال من الماء إلى التراب دليل على أنه لا يزيل الجنابة إلا الماء، وأنه إن عدم الماء تيمم بالتراب، وهذا دليل واضح على أن غير الماء لا يُجْزِئ في الطهارات التعبُّدية كالوضوء والغسل من الجنابة، والغسل من الحيض والنفاس. وهذه المسألة خالف فيها أبو حنيفة ومَن قال بقوله، وقد سبقت مناقشة رأيه وإظهار خطئه. فلم يبق إلا الإتيان بالدليل على أن مسح جميع الرأس هو المطلب، أو بالدليل على إجزاء مسح الجزء منه. إنَّ مَن قالوا بإجزاء مسح الجزء إنما استدلوا على دعواهم بتفسير الباء في الآية بأنها للتبعيض، وهذا الاستدلال بيَّنَّا فساده. ثم أتوا بأدلة أُخرى نذكرها ثم نناقشها:
1- عن أنس قال «رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يتوضأ وعليه عمامة قِطْرِيَّة، فأدخل يده من تحت العمامة فمسح مُقَدَّم رأسه ولم ينقض العمامة» رواه أبو داود وابن ماجة.