والواجب القول إن الباء لم تدخل على الآية عبثاً، وإنما لمعنى مستفادٍ ما كان ليكون بدونها، فقوله {وامْسَحُوا برُؤُوسِكُمْ} لا بد من أن يكون له معنى غير المعنى المستفاد من قول وامسحوا رؤوسَكم، لأن الزيادة في التعبير القرآني لا تكون عبثاً، وهذه الزيادة تمنع مسح الرأس باليد دون بلل، وهو معنى المسح اللغوي، وأنها تفيد مسح الرأس باليد المبتلة بالماء، فالباء أفادت البلل، أي الماء العالق باليد حين المسح، ولو كانت الآية بدون الباء لكفى في الوضوء إمرارُ اليد الجافة على الرأس، لأن هذا هو معنى المسح، فلما أراد سبحانه إمرار اليد المبتلَّة بالماء على الرأس أتى بالباء، والله تعالى أعلم.
وإلى هذا المعنى أشار ابن حجر في فتح الباري (وقيل دخلت الباء لتفيد معنى آخر، وهو أن الغسل لغة يقتضي مغسولاً به، والمسح لغة لا يقتضي ممسوحاً به، فلو قال: وامسحوا رؤوسَكم لأجزأ المسح باليد بغير ماء، فكأنه قال وامسحوا بروؤسِكم الماء، فهو على القلب، والتقدير امسحوا رؤوسكم بالماء) . هذا هو الحق، وهو من دقيق الفهم، يشهد له ما روى عبد الله بن زيد من حديثٍ رواه البخاري عن صفة وضوء النبي - صلى الله عليه وسلم -، وجاء فيه «ثم أخذ بيده ماء فمسح رأسه فأدبر به وأقبل ... » فهذا النص في غاية الوضوح، فقد جاء بلفظ «أخذ بيده ماء فمسح رأسه» أي مسح رأسه بالماء، فإذا حذفت لفظة الماء من الجملة انتقلت الباء منها إلى رأسه فصارت الجملة هكذا (مسح برأسه) للتدليل على وجود محذوف، وهذا بالضبط ما يُقدَّر في الآية {وامسَحُوا برُؤُوسِكُمْ} فتقديرها هو (وامسحوا بالماء رؤوسكم) ثم بعد حذف الماء انتقلت الباء إلى رؤوسكم، فصارت الآية {وامْسَحُوا برُوُؤسِكُمْ} وتكون الباء أفادت وجود محذوف هو الماء الذي يُمسح به.