وبالبساطة أقول إن ملخص ما جاء على أَلْسِنة الفريقين إنما هو: هل يُعمل بالحديث العام «إن الماء طَهور لا يُنجِّسه شيء» لأن حديث التخصيص لم يصح، أم أن حديث التخصيص صحيح يصلح لتخصيص الحديث العام؟ والأحاديث التسعة التي أوردوها كان بالإمكان الاقتصار منها على هذين الحديثين فقط. وبالعمل بالحديث المُخصِّص وهو حديث القُلَّتين نخرج بالرأي القائل إن هناك ماءً نجساً وإنه موجود، وبالتالي يُصنَّف في باب أقسام المياه، ولكنه فقط ما كان دون القُلَّتين وأُصيب بنجاسة يسيرة، وما سوى ذلك من الماء، إن أصابته نجاسة كثيرة فغيرت اسمه وصفاته صار نجساً، ولكنه صار كسائر النجاسات الأخرى غير الماء، أي ما دام ليس ماء لا في الاسم ولا في الصفات فلا يُصنَّف في باب أقسام المياه، اللهم إلا إن كان للأحناف رأي أقوى في هذه المسألة فلْننظر في أدلتهم ودلالاتها.
6- انفرد أبو حنيفة وأصحابه بالرأي الآتي (الماء الكثير ينجس بالنجاسة إلا أن يبلغ حداً يغلب على الظن أن النجاسة لا تصل إليه) واختلفوا في حدِّه، فقال أبو حنيفة: هو ما إذا حُرِك أحدُ طرفيه لم يتحرك الآخر. وقال أبو يوسف: هو ما بلغ عشرة أذرع في عشرة أذرع، وما دون ذلك ينجس وإن بلغ ألف قلَّة، لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال «لا يبولن أحدُكم في الماء الدائم ثم يتوضأ فيه» فنهى عن الوضوء في الماء الراكد بعد البول فيه ولم يفرق بين قليله وكثيره، ولأنه ماء حلَّت فيه نجاسة لا يُؤمن انتشارها إليه فينجس بها كاليسير. أي أن ما دون ما حدَّدوه ينجس بأدنى نجاسة، وما فوق ما حددوه لا ينجس إلا بالتَّغيُّر. والجواب عليه من وجوه: