قال الكاساني: “ وهذا قول عامة العلماء” [1]. وروى محمد بن الحسن عن أبي حنيفة أنه قال: “ الرمل في الطواف، ثلاثة أشواط، من الحجر الأسود، إلى الحجر الأسود، ويمشي أربعة أشواط. وكذلك قال أهل المدينة. وقالوا: وذلك الذي لم يزل عليه أهل العلم ببلدنا” [2].
القول الثاني: إن الرمل إنما هو من الحجر الأسود، إلى الركن اليماني. فيمشي ما بين الركنين.
وهذا القول مروي عن: طاوس، ومجاهد، وسعيد بن جبير، وعطاء، والحسن، والقاسم بن محمد، وسالم بن عبد الله [3]. [1] بدائع الصنائع 2/147. [2] كتاب الحجة 2/278. وانظر: الموطأ، كتاب الحج، باب الرمل في الطواف 1/364. [3] انظر: المغني 5/218، المبسوط 4/11، بدائع الصنائع 2/147، فتح القدير 2/454.
تنبيه: سبق في الفرع الثاني، من المطلب الرابع: “مشروعية الرمل” بيان أن المروي عن هؤلاء التابعين: عدم مشروعية الرمل. وقد صرّح بذلك ابن عبد البر، فقال: “قول مالك، والشافعي، وأبي حنيفة وأصحابهم، والثوري، وأحمد بن حنبل، وإسحاق بن راهويه: أن الرمل سنة..، وقال آخرون: ليس الرمل بسنة، ومن شاء فعله، ومن شاء لم يفعله. وروي ذلك عن جماعة من التابعين منهم: عطاء، وطاوس، ومجاهد، والحسن، وسالم، والقاسم، وسعيد بن جبير. وهو الأشهر عن ابن عباس” الاستذكار 12/127.
ونسبَتْ هذه المصادر لهم القول بالرمل من الحجر إلى الركن. وظاهر هذا أنهم يقولون بمشروعية الرمل، إلا أنهم يخالفون الجمهور في موضعه. وقد صرّح بذلك ابن الهمام في فتح القدير 2/454 فقال: “ذهب الحسن البصري، وسعيد بن جبير، وعطاء إلى أنه لا رمل بين الركنين. وذهب ابن عباس رضي الله عنهم فيما نُقل عنه إلى أنه: لا رمل أصلاً.
والتحقيق في هذا: أن المروي عن هؤلاء التابعين موافق لما ذهب إليه ابن عباس رضي الله عنهم، فإن الأدلة التي استدل بها هؤلاء على الرمل من الحجر إلى الركن، هي نفس أدلة ابن عباس رضي الله عنهم على عدم مشروعية الرمل، فكلهم استدل بأحاديث طوافه صلى الله عليه وسلم في عمرة القضية، إذ اقتصر في رمله من الحجر إلى الركن. فالصواب ما حكاه ابن عبد البر. والله أعلم.