responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : المحلى بالآثار المؤلف : ابن حزم    الجزء : 12  صفحة : 131
قِيلَ لَهُمْ: صَدَقْتُمْ، وَلَا يَحِلُّ لِمُسْلِمٍ أَنْ يَظُنَّ أَنَّ النَّبِيَّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - خَالَفَ أَمْرَ رَبِّهِ، فَأَمَرَهُ تَعَالَى إنْ تَوَلَّوْا بِقَتْلِهِمْ، حَيْثُ وَجَدَهُمْ، فَلَمْ يَفْعَلْ، وَهَذَا كُفْرٌ مِمَّنْ ظَنَّهُ بِلَا شَكٍّ.
فَإِنْ قَالُوا: لَمْ يَتَوَلَّوْا بَلْ تَابُوا وَرَجَعُوا وَجَاهَدُوا؟ قِيلَ لَهُمْ: فَقَدْ سَقَطَ حُكْمُ النِّفَاقِ عَنْهُمْ - بِلَا شَكٍّ - وَحَصَلَ لَهُمْ حُكْمُ الْإِعْلَامِ بِظَاهِرِ الْآيَةِ - بِلَا شَكٍّ - فَقَدْ بَطَلَ تَعَلُّقُهُمْ بِهَذِهِ الْآيَةِ جُمْلَةً فِي أَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - كَانَ يَعْرِفُ الْمُنَافِقِينَ. وَلَكِنْ فِي قَوْله تَعَالَى {إِلا الَّذِينَ يَصِلُونَ إِلَى قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ أَوْ جَاءُوكُمْ حَصِرَتْ صُدُورُهُمْ} [النساء: 90] إلَى قَوْله تَعَالَى: {فَمَا جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ عَلَيْهِمْ سَبِيلا} [النساء: 90] بَيَانٌ جَلِيٌّ بِأَنَّ هَؤُلَاءِ لَمْ يَكُونُوا قَطُّ مِنْ الْأَوْسِ وَلَا مِنْ الْخَزْرَجِ، لِأَنَّهُمْ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ قَوْمٌ مُحَارِبُونَ لِلنَّبِيِّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - وَلَا نُسِبُوا قَطُّ إلَى قَوْمٍ مُعَاهِدِينَ النَّبِيَّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - بِمِيثَاقٍ مَعْقُودٍ، هَذَا مَعَ قَوْله تَعَالَى {فَإِنِ اعْتَزَلُوكُمْ فَلَمْ يُقَاتِلُوكُمْ} [النساء: 90] إلَى قَوْله تَعَالَى {سَبِيلا} [آل عمران: 97] فَإِنَّ هَذَا بَيَانٌ جَلِيٌّ عَلَى أَنَّهُمْ مِنْ غَيْرِ الْأَنْصَارِ، وَمِنْ غَيْرِ الْمُنَافِقِينَ، لَكِنْ مِنْ الْكُفَّارِ الْمُجَاهِرِينَ بِالْكُفْرِ.
إلَّا أَنْ يَقُولَ قَائِلٌ: إنَّ قَوْله تَعَالَى {إِلا الَّذِينَ يَصِلُونَ إِلَى قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ} [النساء: 90] اسْتِثْنَاءٌ مُنْقَطِعٌ مِمَّا قَبْلَهُ فِي قَوْلِ {آخَرِينَ} [النساء: 91] وَعَلَى كُلِّ حَالٍ فَقَدْ سَقَطَ حُكْمُ النِّفَاقِ عَلَى أُولَئِكَ إنْ كَانَ هَكَذَا.
فَإِنْ قِيلَ: فَإِنْ كَانَ الْأَمْرُ كَمَا قُلْتُمْ أَنَّ فِي قَوْله تَعَالَى {وَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ كَمَا كَفَرُوا فَتَكُونُونَ سَوَاءً} [النساء: 89] أَنَّهُ فِي قَوْمٍ مِنْ الْكُفَّارِ غَيْرِ أُولَئِكَ، فَحَسْبُنَا أَنَّهُ تَعَالَى قَدْ سَمَّى أُولَئِكَ الرَّاجِعِينَ " مُنَافِقِينَ " فَصَارُوا مَعْرُوفِينَ؟ قِيلَ لَهُ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ: وَقَدْ قُلْنَا إنَّ النِّفَاقَ قِسْمَانِ: قِسْمٌ لِمَنْ يُظْهِرُ الْكُفْرَ وَيُبْطِنُ الْإِيمَانَ، وَقِسْمٌ لِمَنْ يُظْهِرُ غَيْرَ مَا يُضْمِرُ فِيمَا سِوَى الدِّينِ وَلَا يَكُونُ بِذَلِكَ كَافِرًا، وَقَدْ قِيلَ لِابْنِ عُمَرَ: إنَّا نَدْخُلُ عَلَى الْإِمَامِ فَيَقْضِي بِالْقَضَاءِ فَنَرَاهُ جَوْرًا فَنَمْسِكُ؟ فَقَالَ: إنَّا مَعْشَرَ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَعُدُّ هَذَا نِفَاقًا، فَلَا نَدْرِي مَا تَعُدُّونَهُ أَنْتُمْ؟ وَقَدْ ذَكَرْنَا قَبْلُ قَوْلَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «ثَلَاثٌ مَنْ كُنَّ فِيهِ كَانَ مُنَافِقًا خَالِصًا وَإِنْ صَلَّى وَإِنْ صَامَ وَقَالَ إنِّي مُسْلِمٌ» .

اسم الکتاب : المحلى بالآثار المؤلف : ابن حزم    الجزء : 12  صفحة : 131
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست