responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : المحلى بالآثار المؤلف : ابن حزم    الجزء : 12  صفحة : 130
إلَى قَوْله تَعَالَى: {فَمَا جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ عَلَيْهِمْ سَبِيلا} [النساء: 90] فَقَدْ كَانَ يُمْكِنُ أَنْ يُظَنَّ أَنَّهُ تَعَالَى عَنَى بِذَلِكَ أُولَئِكَ الْمُنَافِقِينَ، وَهُوَ كَانَ الْأَظْهَرَ لَوْلَا قَوْله تَعَالَى {فَلا تَتَّخِذُوا مِنْهُمْ أَوْلِيَاءَ حَتَّى يُهَاجِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ} [النساء: 89] فَهَذَا يُوَضِّحُ غَايَةَ الْإِيضَاحِ أَنَّهُ ابْتِدَاءُ حُكْمٍ فِي قَوْمٍ آخَرِينَ غَيْرِ أُولَئِكَ الْمُنَافِقِينَ، لِأَنَّ أُولَئِكَ كَانُوا مِنْ سُكَّانِ الْمَدِينَةِ بِلَا شَكٍّ، وَلَيْسَ عَلَى سُكَّانِ الْمَدِينَةِ هِجْرَةٌ، بَلْ الْهِجْرَةُ كَانَتْ إلَى دَارِهِمْ.
فَإِذَا كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ فَحُكْمُ الْآيَةِ كُلِّهَا أَنَّهَا فِي قَوْمٍ كُفَّارٍ لَمْ يُؤْمِنُوا بَعْدُ، وَادَّعُوا أَنَّهُمْ آمَنُوا وَلَمْ يُهَاجِرُوا، وَكَانَ الْحُكْمُ حِينَئِذٍ: أَنَّ مَنْ آمَنَ وَلَمْ يُهَاجِرْ لَمْ يَنْتَفِعْ بِإِيمَانِهِ، وَكَانَ كَافِرًا كَسَائِرِ الْكُفَّارِ وَلَا فَرْقَ، حَتَّى يُهَاجِرَ، إلَّا مَنْ أُبِيحَ لَهُ سُكْنَى بَلَدِهِ، كَمَنْ بِأَرْضِ الْحَبَشَةِ، وَالْبَحْرَيْنِ، وَسَائِرِ مَنْ أُبِيحَ لَهُ سُكْنَى أَرْضِهِ، إلَّا الْمُسْتَضْعَفِينَ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَالَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يُهَاجِرُوا مَا لَكُمْ مِنْ وَلايَتِهِمْ مِنْ شَيْءٍ حَتَّى يُهَاجِرُوا} [الأنفال: 72] .
وَقَدْ قَالَ تَعَالَى {وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ} [التوبة: 71] فَقَدْ قَطَعَ اللَّهُ تَعَالَى الْوِلَايَةَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ، فَلَيْسُوا مُؤْمِنِينَ.
وَقَالَ تَعَالَى {إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ قَالُوا فِيمَ كُنْتُمْ} [النساء: 97] إلَى قَوْلِهِ {إِلا الْمُسْتَضْعَفِينَ} [النساء: 98] الْآيَةَ.
فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: مَعْنَى {حَتَّى يُهَاجِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ} [النساء: 89] أَيْ حَتَّى يُجَاهِدُوا مَعَكُمْ، بِخِلَافِ فِعْلِهِمْ حِينَ انْصَرَفُوا عَنْ أُحُدٍ وَأَرَادُوا أَنْ يَجْعَلُوا الْآيَةَ كُلَّهَا فِي الْمُنَافِقِينَ الْمُنْصَرِفِينَ عَنْ أُحُدٍ؟ قِيلَ لَهُ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ -: هَذَا مُمْكِنٌ، وَلَكِنْ قَدْ قَالَ تَعَالَى {فَخُذُوهُمْ وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ} [النساء: 89] فَأَخْبِرُونَا هَلْ فَعَلَ ذَلِكَ النَّبِيُّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فَقَتَلَ الرَّاجِعِينَ عَنْ أُحُدٍ حَيْثُ وَجَدَهُمْ؟ وَهَلْ أَخَذَهُمْ أَمْ لَا؟ فَإِنْ قَالُوا: قَدْ فَعَلَ ذَلِكَ، كَذَبُوا كَذِبًا لَا يَخْفَى عَلَى أَحَدٍ، وَمَا عِنْدَ مُسْلِمٍ شَكٌّ فِي أَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لَمْ يَقْتُلْ مِنْهُمْ أَحَدًا وَلَا نَبَذَ الْعَهْدَ إلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ.
وَإِنْ قَالُوا: لَمْ يَفْعَلْ ذَلِكَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - وَلَا الْمُؤْمِنُونَ؟

اسم الکتاب : المحلى بالآثار المؤلف : ابن حزم    الجزء : 12  صفحة : 130
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست