responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : المحلى بالآثار المؤلف : ابن حزم    الجزء : 12  صفحة : 129
خَالِصًا وَمَنْ كَانَتْ فِيهِ خَلَّةٌ مِنْهُنَّ كَانَتْ فِيهِ خَلَّةٌ مِنْ نِفَاقٍ حَتَّى يَدَعَهَا: إذَا حَدَّثَ كَذَبَ، إذَا وَعَدَ أَخْلَفَ، إذَا عَاهَدَ غَدَرَ، وَإِذَا خَاصَمَ فَجَرَ» .
فَقَدْ صَحَّ أَنَّ هَاهُنَا نِفَاقًا لَا يَكُونُ صَاحِبُهُ كَافِرًا، وَنِفَاقًا يَكُونُ صَاحِبُهُ كَافِرًا، فَيُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ أَرَادُوا التَّحَاكُمَ إلَى الطَّاغُوتِ لَا إلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مُظْهِرِينَ لِطَاعَةِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عُصَاةً بِطَلَبِ الرُّجُوعِ فِي الْحُكْمِ إلَى غَيْرِهِ مُعْتَقِدِينَ لِصِحَّةِ ذَلِكَ، لَكِنْ رَغْبَةً فِي اتِّبَاعِ الْهَوَى، فَلَمْ يَكُونُوا بِذَلِكَ كُفَّارًا بَلْ عُصَاةً، فَنَحْنُ نَجِدُ هَذَا عِيَانًا عِنْدَنَا، فَقَدْ نَدْعُو نَحْنُ عِنْدَ الْحَاكِمِ إلَى الْقُرْآنِ وَإِلَى سُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الثَّابِتِ عَنْهُمْ بِإِقْرَارِهِمْ فَيَأْبَوْنَ ذَلِكَ وَيَرْضَوْنَ بِرَأْيِ أَبِي حَنِيفَةَ، وَمَالِكٍ، وَالشَّافِعِيِّ، هَذَا أَمْرٌ لَا يُنْكِرُهُ أَحَدٌ، فَلَا يَكُونُونَ بِذَلِكَ كُفَّارًا، فَقَدْ يَكُونُ أُولَئِكَ هَكَذَا حَتَّى إذَا بَيَّنَ اللَّهُ تَعَالَى أَنَّهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوا رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ، وَجَبَ أَنَّ مَنْ وَقَفَ عَلَى هَذَا قَدِيمًا وَحَدِيثًا، وَإِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ فَأَبَى وَعَنَدَ فَهُوَ كَافِرٌ؟ وَلَيْسَ فِي الْآيَةِ: أَنَّ أُولَئِكَ عَنَدُوا بَعْدَ نُزُولِ هَذِهِ الْآيَةِ، فَإِذْ لَا بَيَانَ فِيهَا فَلَا حُجَّةَ فِيهَا لِمَنْ يَقُولُ: إنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَرَفَهُمْ أَنَّهُمْ مُنَافِقُونَ وَأَقَرَّهُمْ.
وَقَالَ تَعَالَى {وَيَقُولُونَ طَاعَةٌ فَإِذَا بَرَزُوا مِنْ عِنْدِكَ بَيَّتَ طَائِفَةٌ} [النساء: 81] إلَى قَوْله تَعَالَى: {وَكِيلا} [النساء: 81] فَهَذَا لَيْسَ فِيهِ نَصٌّ عَلَى أَنَّهُمْ كَانُوا يُظْهِرُونَ الْإِيمَانَ، بَلْ لَعَلَّهُمْ كَانُوا كُفَّارًا مُعْلِنِينَ، وَكَانُوا يَلْتَزِمُونَ الطَّاعَةَ بِالْمُسَالَمَةِ، فَإِذْ لَا نَصَّ فِيهَا فَلَا حُجَّةَ فِيهَا لِمَنْ ادَّعَى أَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - كَانَ يَعْرِفُهُمْ وَيَدْرِي أَنَّ عَقْدَهُمْ النِّفَاقَ.
وَقَالَ تَعَالَى {فَمَا لَكُمْ فِي الْمُنَافِقِينَ فِئَتَيْنِ} [النساء: 88] إلَى قَوْلِهِ: {وَأُولَئِكُمْ جَعَلْنَا لَكُمْ عَلَيْهِمْ سُلْطَانًا مُبِينًا} [النساء: 91] .

وَقَدْ رُوِّينَا عَنْ طَرِيقِ الْبُخَارِيِّ نا أَبُو الْوَلِيدِ - هُوَ الطَّيَالِسِيُّ - نا شُعْبَةُ عَنْ عَدِيِّ بْنِ ثَابِتٍ قَالَ: سَمِعْت عَبْدَ اللَّهِ بْنَ يَزِيدَ يُحَدِّثُ عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ قَالَ: «لَمَّا خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلَى أُحُدٍ رَجَعَ نَاسٌ مِمَّنْ خَرَجَ مَعَهُ، وَكَانَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِرْقَتَيْنِ: فِرْقَةٌ تَقُولُ: نُقَاتِلُهُمْ، وَفِرْقَةٌ تَقُولُ: لَا نُقَاتِلُهُمْ، فَنَزَلَتْ {فَمَا لَكُمْ فِي الْمُنَافِقِينَ فِئَتَيْنِ} [النساء: 88] » فَهَذَا إسْنَادٌ صَحِيحٌ، وَقَدْ سَمَّى اللَّهُ تَعَالَى أُولَئِكَ: مُنَافِقِينَ.
وَأَمَّا قَوْله تَعَالَى فِي هَذِهِ الْآيَةِ مُتَّصِلًا بِذَلِكَ {وَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ كَمَا كَفَرُوا فَتَكُونُونَ سَوَاءً} [النساء: 89]

اسم الکتاب : المحلى بالآثار المؤلف : ابن حزم    الجزء : 12  صفحة : 129
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست