responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : المحلى بالآثار المؤلف : ابن حزم    الجزء : 12  صفحة : 132
فَإِذَا كَانَ الْأَمْرُ كَذَلِكَ، فَلَا يَجُوزُ أَنْ نَقْطَعَ عَلَيْهِمْ بِالْكُفْرِ الَّذِي هُوَ ضِدُّ الْإِسْلَامِ إلَّا بِنَصٍّ، وَلَكِنَّا نَقْطَعُ عَلَيْهِمْ بِمَا قَطَعَ اللَّهُ تَعَالَى بِهِ مِنْ اسْمِ النِّفَاقِ، وَالضَّلَالَةِ، وَالْإِرْكَاسِ، وَخِلَافِ الْهُدَى - وَلَا نَزِيدُ وَلَا نَتَعَدَّى مَا نَصَّ اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ بِآرَائِنَا - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.
وَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى {بَشِّرِ الْمُنَافِقِينَ بِأَنَّ لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا} [النساء: 138] إلَى قَوْلِهِ: {أَجْرًا عَظِيمًا} [النساء: 40] .
قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: أَمَّا هَؤُلَاءِ فَمُنَافِقُونَ النِّفَاقَ الَّذِي هُوَ الْكُفْرُ، فَلَا شَكَّ لِنَصِّهِ تَعَالَى عَلَى أَنَّهُمْ مُذَبْذَبُونَ، لَا إلَى الْمُؤْمِنِينَ، وَلَا إلَى الْمُجَاهِرِينَ بِالْكُفْرِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ، وَأَنَّهُمْ أَشَدُّ عَذَابًا مِنْ الْكُفَّارِ، بِكَوْنِهِمْ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنْ النَّارِ.
وَلَكِنْ لَيْسَ فِي شَيْءٍ مِنْ هَذِهِ الْآيَاتِ كُلِّهَا أَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - عَرَفَهُمْ، بِأَعْيَانِهِمْ، وَعَرَفَ نِفَاقَهُمْ، إذْ لَا دَلِيلَ عَلَى ذَلِكَ، فَلَا حُجَّةَ فِيهَا لِمَنْ ادَّعَى أَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - عَرَفَهُمْ، وَعَرَفَ نِفَاقَهُمْ.
ثُمَّ لَوْ كَانَ ذَلِكَ لَكَانَ قَوْله تَعَالَى {إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ} [النساء: 145] إلَى قَوْله تَعَالَى {أَجْرًا عَظِيمًا} [النساء: 40] مُوجِبًا لِقَبُولِ تَوْبَتِهِمْ إذَا تَابُوا - وَهُمْ قَدْ أَظْهَرُوا التَّوْبَةَ، وَالنَّدَمَ، وَالْإِقْرَارَ بِالْإِيمَانِ بِلَا شَكٍّ، فَبَطَلَ عَنْهُمْ بِهَذَا حُكْمُ النِّفَاقِ جُمْلَةً فِي الدُّنْيَا، وَبَقِيَ بَاطِنُ أَمْرِهِمْ إلَى اللَّهِ تَعَالَى.
وَهَذِهِ الْآيَةُ تَقْضِي عَلَى كُلِّ آيَةٍ فِيهَا نَصٌّ بِأَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - عَرَفَ مُنَافِقًا بِعَيْنِهِ، وَعَرَفَ نِفَاقَهُ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ} [المائدة: 51] إلَى قَوْله تَعَالَى {فَأَصْبَحُوا خَاسِرِينَ} [المائدة: 53] .
قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: فَأَخْبَرَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْ قَوْمٍ يُسَارِعُونَ فِي الَّذِينَ كَفَرُوا حَذَرًا أَنْ تُصِيبَهُمْ دَائِرَةٌ، وَأَخْبَرَ تَعَالَى عَنْ الَّذِينَ آمَنُوا أَنَّهُمْ يَقُولُونَ لِلْكَافِرِينَ {أَهَؤُلاءِ الَّذِينَ أَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ إِنَّهُمْ لَمَعَكُمْ} [المائدة: 53] يَعْنُونَ الَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِيهِمْ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فَأَصْبَحُوا خَاسِرِينَ} [المائدة: 53] فَهَذَا لَا يَكُونُ إلَّا خَبَرًا عَنْ قَوْمٍ أَظْهَرُوا الْمَيْلَ إلَى الْكُفَّارِ فَكَانُوا مِنْهُمْ كُفَّارًا خَائِبِي الْأَعْمَالِ وَلَا يَكُونُونَ فِي الْأَغْلَبِ إلَّا مَعْرُوفِينَ، لَكِنَّ قَوْله تَعَالَى {فَيُصْبِحُوا عَلَى مَا أَسَرُّوا فِي أَنْفُسِهِمْ نَادِمِينَ} [المائدة: 52]

اسم الکتاب : المحلى بالآثار المؤلف : ابن حزم    الجزء : 12  صفحة : 132
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست