responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : الفواكه الدواني على رسالة ابن أبي زيد القيرواني المؤلف : النفراوي، شهاب الدين    الجزء : 1  صفحة : 93
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــQالْقَوْلُ الدَّالُّ عَلَى الْإِيمَانِ وَهُوَ النُّطْقُ بِالشَّهَادَتَيْنِ أَوْ مَا يَقُومُ مَقَامَهُ. وَالْمُرَادُ بِالْعَمَلِ الطَّاعَاتُ، وَأَشَارَ بِهَذَا الْمُصَنِّفُ إلَى دَفْعِ مَا يُتَوَهَّمُ مِنْ أَنَّ الْأَعْمَالَ شَرْطٌ فِي صِحَّةِ الْإِيمَانِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ، بَلْ الْمُعْتَمَدُ أَنَّ عَمَلَ الْجَوَارِحِ شَرْطٌ فِي كَمَالِ الْإِيمَانِ عَلَى كَلَامِ أَهْلِ السُّنَّةِ. وَالْمُصَنِّفُ جَرَى عَلَيْهِ حَيْثُ قَالَ: وَلَا يَكْمُلُ قَوْلُ الْإِيمَانِ إلَّا بِالْعَمَلِ فَمَنْ صَدَّقَ بِقَلْبِهِ وَنَطَقَ بِلِسَانِهِ وَتَرَكَ الْأَعْمَالَ الْوَاجِبَةَ كَسَلًا كَانَ إيمَانُهُ صَحِيحًا إلَّا أَنَّهُ نَاقِصٌ. وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْأَعْمَالَ جُزْءٌ مِنْ الْإِيمَانِ الْكَامِلِ.
قَالَ الْقَسْطَلَّانِيُّ فِي شَرْحِ الْبُخَارِيِّ: وَالْإِيمَانُ عِنْدَ الْبُخَارِيِّ كَابْنِ عُيَيْنَةَ وَالثَّوْرِيِّ وَابْنِ جُرَيْجٍ وَمُجَاهِدٍ وَمَالِكِ بْنِ أَنَسٍ وَغَيْرِهِمْ مِنْ سَلَفِ الْأُمَّةِ وَخَلَفِهَا مِنْ الْمُتَكَلِّمِينَ وَالْمُحَدِّثِينَ قَوْلٌ بِاللِّسَانِ وَهُوَ النُّطْقُ بِالشَّهَادَتَيْنِ وَعَمَلٌ بِالْقَلْبِ وَالْجَوَارِحِ فَتَدْخُلُ الِاعْتِقَادَاتُ وَالْعِبَادَاتُ، وَمَا نُسِبَ لِأَكْثَرِ السَّلَفِ مِنْ أَنَّ الْإِيمَانَ اسْمٌ لِلتَّصْدِيقِ وَالْعَمَلِ فَهُوَ مُؤَوَّلٌ بِالْإِيمَانِ الْكَامِلِ كَمَا قَالَهُ ابْنُ التِّلْمِسَانِيِّ وَمَنْ وَافَقَهُ، وَيَدُلُّ عَلَى هَذَا التَّأْوِيلِ إدْخَالُ الْفَاسِقِ تَحْتَ الْإِيمَانِ، وَلَوْلَا التَّأْوِيلُ لَكَانَ فِي غَايَةِ الصُّعُوبَةِ لِبُطْلَانِ الْمَاهِيَّةِ الْمُرَكَّبَةِ بِبُطْلَانِ جُزْئِهَا، وَالْقَوْلُ بِأَنَّ الْأَعْمَالَ شَرْطٌ فِي صِحَّةِ الْإِيمَانِ قَوْلُ الْمُعْتَزِلَةِ وَهُوَ ضَعِيفٌ كَقَوْلِ الْكَرَّامِيَّةِ: إنَّ الْإِيمَانَ النُّطْقُ بِكَلِمَتَيْ الشَّهَادَتَيْنِ فَقَطْ، وَكَقَوْلِ قَوْمٍ: إنَّهُ الْعَمَلُ فَقَطْ.
(وَلَا) يَكْمُلُ (قَوْلٌ وَ) لَا (عَمَلٌ إلَّا بِالنِّيَّةِ) أَيْ عَمَلٌ يَفْتَقِرُ إلَى نِيَّةٍ فَهُوَ عَامٌّ أُرِيدَ بِهِ الْخُصُوصُ وَهَذَا إنْ أُرِيدَ بِالنِّيَّةِ حَقِيقَتُهَا، وَإِنْ أُرِيدَ بِهَا الْإِخْلَاصُ فَيَصِحُّ بَقَاؤُهُ عَلَى عُمُومِهِ فِي الْأَعْمَالِ الَّتِي يَدْخُلُهَا الرِّيَاءُ ثُمَّ إنْ فُسِّرَتْ النِّيَّةُ بِالْإِخْلَاصِ فَالْمُرَادُ بِلَا يَكْمُلُ لَا يَحْصُلُ ثَوَابُهُ، وَإِنْ أُرِيدَ بِهَا حَقِيقَتُهَا فَمَعْنَاهُ لَا يَصِحُّ، وَمِثَالُ الْأَقْوَالِ الَّتِي تَحْتَاجُ إلَى نِيَّةٍ كَالْأَذَانِ وَالِاسْتِغْفَارِ وَغَيْرِهِ مِمَّا يَجِبُ فِي الْعُمْرِ مَرَّةً كَالشَّهَادَتَيْنِ وَالْحَمْدِ وَالتَّسْبِيحِ فَإِنَّهَا تَفْتَقِرُ إلَى نِيَّةِ أَدَاءِ الْوَاجِبِ، هَذَا مُحَصَّلُ مَعْنَى كَلَامِ الْأُجْهُورِيِّ وَلِي وَقْفَةٌ فِي قَوْلِهِ ثُمَّ إنْ فُسِّرَتْ النِّيَّةُ بِالْإِخْلَاصِ فَالْمُرَادُ بِلَا يَكْمُلُ لَا يَحْصُلُ ثَوَابُهُ بِمَا قَالَهُ الْقَرَافِيُّ وَغَيْرُهُ مِنْ حِكَايَةِ الْإِجْمَاعِ بِبُطْلَانِ الْعِبَادَةِ بِالرِّيَاءِ إنْ شَمِلَهَا مِنْ أَوَّلِهَا إلَى آخِرِهَا، وَإِنْ شَمِلَ بَعْضَهَا وَتَوَقَّفَ آخِرُهَا عَلَى أَوَّلِهَا كَالصَّلَاةِ فَفِي صِحَّتِهَا تَرَدُّدٌ قَالَهُ اللَّقَانِيُّ فِي شَرْحِ عَقِيدَتِهِ، وَيَكْمُلُ صِحَّةُ كَلَامِ الشَّيْخِ الْأُجْهُورِيِّ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِعَدَمِ الْإِخْلَاصِ عَدَمُ مُلَاحَظَةِ كَوْنِ الْعَمَلِ لِلَّهِ تَعَالَى وَهَذَا لَا يَقْتَضِي الْفَسَادَ، وَإِنَّمَا يَفُوتُ الْكَمَالُ وَعَدَمُ الْإِخْلَاصِ الْمُقْتَضِي لِلْفَسَادِ هُوَ فِعْلُ الْعِبَادَةِ لِقَصْدِ غَيْرِ اللَّهِ تَعَالَى وَهَذَا هُوَ الرِّيَاءُ الَّذِي يُفْسِدُ الْعَمَلَ، وَاسْتَظْهَرَ الْفَاكِهَانِيُّ أَنَّ الْمُرَادَ بِالنِّيَّةِ هُنَا الْإِخْلَاصُ وَهُوَ أَنْ يَعْمَلَ الْعَمَلَ لِلَّهِ خَالِصًا بِأَنْ يُفْرِدَهُ بِالْعِبَادَةِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَمَا أُمِرُوا إِلا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ} [البينة: 5] فَإِذَا ابْتَدَأَ الْعَمَلَ لِغَيْرِ اللَّهِ فَسَدَ اتِّفَاقًا. وَإِنْ ابْتَدَأَ لِلَّهِ وَأَحَبَّ بِقَلْبِهِ أَنْ يُحْمَدَ عَلَيْهِ فَلَا يَضُرُّ ذَلِكَ، وَإِنْ ابْتَدَأَهُ وَاطُّلِعَ عَلَيْهِ فِي أَثْنَائِهِ وَأَحَبَّ بِقَلْبِهِ أَنْ يُحْمَدَ وَاسْتَمَرَّ عَلَى ذَلِكَ وَلَمْ يَدْفَعْهُ بِقَلْبِهِ فَمَا بَعْدَ ذَلِكَ يَبْطُلُ اتِّفَاقًا وَمَا قَبْلَهُ عَلَى الْمَشْهُورِ، وَقِيلَ يَصِحُّ وَإِنْ أَبَى ذَلِكَ بِقَلْبِهِ وَدَفَعَهُ فَلَا يَبْطُلُ اتِّفَاقًا.
(وَلَا) يَكْمُلُ (قَوْلٌ) وَهُوَ مَا يَصْدُرُ مِنْ اللِّسَانِ كَالْأَذَانِ وَالْحَمْدِ.
(وَ) لَا (عَمَلٌ وَ) لَا (نِيَّةٌ إلَّا بِمُوَافَقَةِ السُّنَّةِ) أَيْ طَرِيقَةِ الْمُصْطَفَى - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فَلَيْسَ الْمُرَادُ بِالسُّنَّةِ الْمُقَابِلَةِ لِلْكِتَابِ بَلْ الْمُرَادُ شَرِيعَتُهُ، وَهِيَ مَا دَلَّ عَلَيْهِ الْأَدِلَّةُ الشَّرْعِيَّةُ كَالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَالْإِجْمَاعِ وَالْقِيَاسِ، وَمِمَّا دَلَّتْ عَلَيْهِ شَرِيعَتُهُ الْإِخْلَاصُ فِي الْعَمَلِ، فَمَنْ عَمِلَ عَلَى شَرِيعَةٍ غَيْرِ شَرِيعَتِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يَنْتَفِعْ بِعَمَلِهِ، فَثَبَتَ بِهَذَا أَنَّ الْقَوْلَ وَالْعَمَلَ يَجِبُ عَلَى الْآتِي بِهِمَا عَرْضُهُمَا عَلَى شَرِيعَتِهِ، فَمَا وَافَقَهَا كَانَ صَحِيحًا وَمَا خَالَفَهَا لَا يُلْتَفَتُ إلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ إمَّا مَعْصِيَةٌ أَوْ قَرِيبٌ مِنْهَا، وَالْمُوَافِقُ لَهَا مَا دَلَّ عَلَيْهِ الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ وَإِجْمَاعُ السَّلَفِ أَوْ أُضِيفَ إلَى وَاحِدٍ مِنْهَا، وَمَا خَرَجَ عَنْ هَذِهِ الْمَذْكُورَاتِ فَهُوَ بِدْعَةٌ وَإِنْ اعْتَقَدَ قُرْبَتَهُ وَصَحَّتْ فِيهِ نِيَّتُهُ.
قَالَ ابْنُ عُمَرَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -: هَذَا الْفَصْلُ الَّذِي قَالَهُ أَبُو مُحَمَّدٍ يَشْتَمِلُ عَلَى خَمْسِ قَوَاعِدَ: الْأَوَّلُ أَنَّ مَنْ آمَنَ بِقَلْبِهِ وَنَطَقَ بِلِسَانِهِ وَعَمِلَ بِجَوَارِحِهِ بِنِيَّةٍ وَكَانَ عَمَلُهُ مُوَافِقًا لِلسُّنَّةِ فَهَذَا هُوَ الْمُؤْمِنُ الْكَامِلُ، فَإِنْ لَمْ يَنْطِقْ بِلِسَانِهِ وَلَا صَدَّقَ بِقَلْبِهِ فَهَذَا هُوَ الْكَافِرُ، وَمَنْ آمَنَ بِقَلْبِهِ وَنَطَقَ بِلِسَانِهِ وَلَمْ يَعْمَلْ بِجَوَارِحِهِ كَانَ فَاسِقًا.
وَمَنْ نَطَقَ بِلِسَانِهِ وَعَمِلَ بِجَوَارِحِهِ وَلَمْ يُخْلِصْ بِقَلْبِهِ كَانَ مُنَافِقًا، وَمَنْ آمَنَ بِقَلْبِهِ وَنَطَقَ بِلِسَانِهِ وَعَمِلَ بِجَوَارِحِهِ بِنِيَّةٍ غَيْرِ مُوَافَقَةٍ لِلسُّنَّةِ كَانَ مُبْتَدِعًا، وَمَنْ عَمِلَ بِغَيْرِ نِيَّةٍ شَرْعِيَّةٍ بِأَنْ قَصَدَ بِفِعْلِهِ النَّاسَ كَانَ مُرَائِيًا فَيَكُونُ عَمَلُهُ بَاطِلًا وَيُسَمَّى الشِّرْكُ الْأَصْغَرُ، وَإِنَّمَا بَطَلَ عَمَلُ الْمُرَائِي؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَمَرَ بِالْعِبَادَةِ مُتَلَبِّسَةً بِالْإِخْلَاصِ حَيْثُ قَالَ: {فَاعْبُدِ اللَّهَ مُخْلِصًا لَهُ الدِّينَ} [الزمر: 2] وَمَنْ عَمِلَ الْعِبَادَةَ لِغَيْرِهِ تَعَالَى لَمْ يَأْتِ بِشَرْطِهَا، وَلَيْسَ مِنْ الرِّيَاءِ مَحَبَّةُ رُؤْيَةِ النَّاسِ لَهُ حَيْثُ ابْتَدَأَ الْعَمَلَ لِلَّهِ تَعَالَى.
تَنْبِيهَانِ: الْأَوَّلُ: اشْتَمَلَ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ عَلَى أَرْبَعَةِ مَسَائِلَ: الْأُولَى: بَيَانُ كَمَالِ الْإِيمَانِ بِالْإِقْرَارِ وَالنُّطْقِ وَعَمَلِ

اسم الکتاب : الفواكه الدواني على رسالة ابن أبي زيد القيرواني المؤلف : النفراوي، شهاب الدين    الجزء : 1  صفحة : 93
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست