responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : الفواكه الدواني على رسالة ابن أبي زيد القيرواني المؤلف : النفراوي، شهاب الدين    الجزء : 1  صفحة : 94
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــQالْجَوَارِحِ. وَالثَّانِيَةُ: قَبُولُ الْإِيمَانِ الزِّيَادَةَ وَالنَّقْصَ. وَالثَّالِثَةُ: التَّصْرِيحُ بِأَنَّ عَمَلَ الْجَوَارِحِ شَرْطٌ لِكَمَالِ الْإِيمَانِ. وَالرَّابِعَةُ: بَيَانُ أَنَّ صِحَّةَ الْأَعْمَالِ وَالْأَقْوَالِ وَالنِّيَّاتِ بِمُوَافَقَةِ شَرْعِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.
الثَّانِي: رُبَّمَا أَشْعَرَ سُكُوتُهُ عَنْ الْإِسْلَامِ بِاتِّحَادِهِ مَعَ الْإِيمَانِ؛ لِأَنَّ الْإِسْلَامَ هُوَ الْخُضُوعُ وَالِانْقِيَادُ بِمَعْنَى قَبُولِ الْحَقِّ وَالْإِذْعَانِ لَهُ وَهُوَ حَقِيقَةُ التَّصْدِيقِ وَيَشْهَدُ لَهُ قَوْله تَعَالَى: {فَأَخْرَجْنَا مَنْ كَانَ فِيهَا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} [الذاريات: 35] {فَمَا وَجَدْنَا فِيهَا غَيْرَ بَيْتٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ} [الذاريات: 36] .
قَالَ التَّفْتَازَانِيُّ: وَبِالْجُمْلَةِ لَا يَصِحُّ فِي الشَّرْعِ أَنْ يُحْكَمَ عَلَى أَحَدٍ أَنَّهُ مُؤْمِنٌ وَلَيْسَ بِمُسْلِمٍ، أَوْ مُسْلِمٌ وَلَيْسَ بِمُؤْمِنٍ، وَلَا يَعْنِي بِوَحْدَتِهِمَا سِوَى هَذَا يَعْنِي أَنَّهُمَا غَيْرُ مُتَعَدِّدَيْنِ فِي الْخَارِجِ شَرْعًا وَإِنْ اخْتَلَفَ مَفْهُومُهُمَا، وَصَرَّحَ بَعْضُهُمْ بِذَلِكَ فَقَالَ: الْمُرَادُ بِوَحْدَتِهِمَا أَنَّ أَحَدَهُمَا لَا يَنْفَكُّ عَنْ الْآخَرِ، وَأَمَّا بِاعْتِبَارِ الْمَفْهُومِ فَهُمَا مُخْتَلِفَانِ، وَعَلَيْهِ يُحْمَلُ حَدِيثُ جِبْرِيلَ وَآيَةُ: {قَالَتِ الأَعْرَابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا} [الحجرات: 14] وَالْحَدِيثُ وَالْآيَةُ صَرِيحَانِ فِي مُغَايَرَةِ الْإِسْلَامِ لِلْإِيمَانِ، وَالْحَاصِلُ أَنَّ مَنْ قَالَ بِالتَّغَايُرِ أَرَادَ الْمَفْهُومَ. وَمَنْ قَالَ بِالِاتِّحَادِ نَظَرَ بِاللُّزُومِ الْخَارِجِيِّ الْمُوَافِقِ لِلشَّرْعِ فَافْهَمْ.

وَلَمَّا جَرَى خِلَافٌ فِي كُفْرِ صَاحِبِ الْكَبِيرَةِ وَكَانَ الصَّحِيحُ عَدَمَ كُفْرِهِ نَبَّهَ عَلَيْهِ بِقَوْلِهِ: (وَأَنَّهُ) أَيْ وَالْحَالُ وَالشَّأْنُ (لَا يُكَفَّرُ أَحَدٌ) مِمَّنْ حُكِمَ بِإِسْلَامِهِ (بِذَنْبٍ مِنْ أَهْلِ الْقِبْلَةِ) أَيْ الصَّلَاةِ، وَالْمَعْنَى: أَنَّ مَنْ تَقَرَّرَ بِالْإِيمَانِ الْجَازِمِ إيمَانُهُ وَتَحَقَّقَ بِالْإِتْيَانِ بِالشَّهَادَتَيْنِ إسْلَامُهُ إذَا ارْتَكَبَ ذَنْبًا لَيْسَ مِنْ الْمُكَفِّرَاتِ وَكَانَ غَيْرَ مُسْتَحِلٍّ لَهُ فَإِنَّهُ لَا يَكْفُرُ عِنْدَنَا بِارْتِكَابِهِ، وَلَا يَخْرُجُ بِهِ عِنْدَنَا عَنْ الْإِيمَانِ صَغِيرًا كَانَ الذَّنْبُ أَوْ كَبِيرًا، خِلَافًا لِلْخَوَارِجِ فِي التَّكْفِيرِ بِارْتِكَابِ الذُّنُوبِ وَلَوْ صَغَائِرَ، وَلِلْمُعْتَزِلَةِ فِي إخْرَاجِهِمْ الْعَبْدَ بِالْكَبِيرَةِ مِنْ الْإِيمَانِ وَإِنْ لَمْ تُدْخِلْهُ فِي الْكُفْرِ إلَّا بِاسْتِحْلَالٍ، وَهَذِهِ الْقَاعِدَةُ قَالَ بِهَا مَالِكٌ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ فِي أَصَحِّ الرِّوَايَتَيْنِ عَنْهُ وَمِثْلُ ذَلِكَ مَنْ ابْتَدَعَ بِإِنْكَارِهِ صِفَةَ الْبَارِي، وَكَمُنْكِرِ خَلْقِ اللَّهِ لِأَفْعَالِ الْعِبَادِ أَوْ رُؤْيَتِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَكَذَلِكَ سَائِرُ أَهْلِ الْبِدَعِ كَالْقَدَرِيَّةِ وَغَيْرِهِمْ، وَأَكْثَرُ قَوْلِ مَالِكٍ وَأَصْحَابِهِ عَدَمُ تَكْفِيرِهِمْ بَلْ يُؤَدَّبُونَ، أَمَّا مَنْ خَرَجَ بِبِدْعَتِهِ مِنْ أَهْلِ الْقِبْلَةِ كَمُنْكَرِي حُدُوثَ الْعَالَمِ وَالْبَعْثَ وَالْحَشْرَ لِلْأَجْسَامِ وَالْعِلْمَ لِلْجُزْئِيَّاتِ فَلَا نِزَاعَ فِي كُفْرِهِمْ لِإِنْكَارِهِمْ بَعْضَ مَا عُلِمَ بِمَجِيءِ الرَّسُولِ بِهِ ضَرُورَةً، وَوَقَعَ نِزَاعٌ فِي تَكْفِيرِ الْمُجَسِّمِ قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: الْأَقْرَبُ كُفْرُهُ، وَاخْتِيَارُ الْعِزِّ عَدَمُ كُفْرِهِ لِعُسْرِ فَهْمِ الْعَوَامّ بُرْهَانَ نَفْيِ الْجِسْمِيَّةِ.
قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ: فَإِنْ نَفَى شَخْصٌ صِفَةً مِنْ صِفَاتِ اللَّهِ الذَّاتِيَّةِ أَوْ جَحَدَهَا مُسْتَبْصِرًا فِي ذَلِكَ أَيْ حَالَ كَوْنِهِ عَلَى بَصِيرَةٍ مِنْ جَحْدِهَا وَنَفْيِهَا مُتَعَمِّدًا لِذَلِكَ كَقَوْلِهِ: لَيْسَ عَالِمًا وَلَا قَادِرًا وَلَا مُرِيدًا وَلَا مُتَكَلِّمًا وَشِبْهَ ذَلِكَ مِنْ صِفَاتِ الْكَمَالِ الْوَاجِبَةِ لَهُ عَزَّ وَجَلَّ، فَقَدْ نَصَّ أَئِمَّتُنَا عَلَى الْإِجْمَاعِ عَلَى كُفْرِ مَنْ نَفَى عَنْهُ الْوَصْفَ بِهَا. وَعَلَى هَذَا حُمِلَ قَوْلُ سَحْنُونٍ مَنْ قَالَ لَيْسَ لِلَّهِ كَلَامٌ فَهُوَ كَافِرٌ وَهَؤُلَاءِ يُكَفِّرُونَ الْمُتَأَوِّلِينَ، وَأَمَّا مَنْ جَهِلَ صِفَةً مِنْ هَذِهِ الصِّفَاتِ فَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي كُفْرِهِ، وَاَلَّذِي رَجَعَ إلَيْهِ الْأَشْعَرِيُّ أَنَّهُ لَا يَكْفُرُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَعْتَقِدْ مَقَالَتَهُ حَقًّا وَلَمْ يَتَّخِذْهَا دِينًا، وَأَمَّا مَنْ أَثْبَتَ الْوَصْفَ وَنَفَى الصِّفَةَ فَقَالَ: اللَّهُ عَالِمٌ وَلَا عِلْمَ لَهُ وَمُتَكَلِّمٌ وَلَا كَلَامَ لَهُ وَهَكَذَا فَاخْتُلِفَ فِيهِ عَلَى قَوْلَيْنِ: فَمَنْ أَخَذَ بِالْحَالِ لَمْ يُكَفِّرْهُ، وَمَنْ أَخَذَ بِالْمَآلِ كَفَّرَهُ وَالْمُعْتَمَدُ عَدَمُ كُفْرِهِ، كَمَنْ نَفَى الصِّفَاتَ الْمَعْنَوِيَّةَ فَإِنَّهُ لَا يَكْفُرُ أَيْضًا، بِخِلَافِ مَنْ اعْتَقَدَ أَنَّهُ غَيْرُ قَدِيمٍ فَإِنَّهُ يَكْفُرُ، كَمَا يَكْفُرُ مَنْ اعْتَرَفَ بِأُلُوهِيَّتِهِ وَوَحْدَانِيِّتِهِ وَلَكِنْ اعْتَقَدَ أَنَّهُ غَيْرُ حَيٍّ أَوْ ادَّعَى أَنَّ لَهُ وَلَدًا أَوْ صَاحِبَةً أَوْ أَنَّهُ مُتَوَلِّدٌ مِنْ شَيْءٍ أَوْ اعْتَقَدَ أَنَّ هُنَاكَ صَانِعًا لِلْعَالَمِ سِوَاهُ، وَكُلُّ ذَلِكَ كُفْرٌ بِإِجْمَاعِ الْمُسْلِمِينَ، وَأَمَّا مَنْ نَفَى صِفَةَ الْبَقَاءِ فَفِيهِ تَفْصِيلٌ، فَإِنْ أَرَادَ بِالنَّفْيِ صِفَةً زَائِدَةً عَلَى الذَّاتِ فَلَا يَكْفُرُ بِخِلَافِ مَنْ أَرَادَ بِنَفْيِهِ طَرَيَانَ الْعَدَمِ فَلَا شَكَّ فِي كُفْرِهِ، وَأَمَّا مَنْ قَالَ: إنَّ اللَّهَ يَجِبُ عَلَيْهِ كَذَا فَإِنْ أَرَادَ بِالْفَضْلِ وَالْإِحْسَانِ فَلَا يَكْفُرُ، وَإِنْ أَرَادَ الْوُجُوبَ الذَّاتِيَّ أَيْ بِالْقَهْرِ وَعَدَمِ الْإِرَادَةِ فَإِنَّهُ يَكْفُرُ لِنَفْيِهِ الْإِرَادَةَ، وَالِاخْتِيَارَ، وَأَمَّا مَسَائِلُ الْوَعْدِ وَالْوَعِيدِ وَالرُّؤْيَةِ وَخَلْقِ الْقُرْآنِ وَالْأَفْعَالِ وَبَقَاءِ الْأَعْرَاضِ وَشِبْهِهَا مِنْ الدَّقَائِقِ فَالْأَوْلَى عَدَمُ تَكْفِيرِ الْمُتَأَوِّلِينَ فِيهَا. إذْ لَيْسَ فِي الْجَهْلِ بِشَيْءٍ مِنْهَا جَهْلٌ بِاَللَّهِ تَعَالَى، وَدَلِيلُ أَهْلِ السُّنَّةِ عَلَى عَدَمِ الْكُفْرِ بِالذَّنْبِ الْآيَاتُ وَالْأَحَادِيثُ النَّاطِقَةُ بِإِطْلَاقِ لَفْظِ الْمُؤْمِنِ عَلَى الْعَاصِي كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ} [البقرة: 178] الْآيَةُ، وَ {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحًا} [التحريم: 8] وَبِالْإِجْمَاعِ عَلَى الصَّلَاةِ عَلَى مَنْ مَاتَ مِنْ أَهْلِ الْكَبَائِرِ مِنْ غَيْرِ تَوْبَةٍ وَبِمَشْرُوعِيَّةِ الْحُدُودِ لِصَاحِبِ الْمَعْصِيَةِ كَالسَّارِقِ وَالزَّانِي وَلَوْ كَفَرَ لَاسْتَحَقَّ الْقَتْلَ، وَمَا اسْتَدَلَّ بِهِ الْمُكَفِّرُ مِنْ نَحْوِ حَدِيثِ: «مَنْ تَرَكَ الصَّلَاةَ فَقَدْ كَفَرَ» فَمُؤَوَّلٌ عَلَى أَنَّ

اسم الکتاب : الفواكه الدواني على رسالة ابن أبي زيد القيرواني المؤلف : النفراوي، شهاب الدين    الجزء : 1  صفحة : 94
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست