responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : الفواكه الدواني على رسالة ابن أبي زيد القيرواني المؤلف : النفراوي، شهاب الدين    الجزء : 1  صفحة : 92
بِالْعَمَلِ، وَلَا قَوْلٌ وَعَمَلٌ إلَّا بِالنِّيَّةِ، وَلَا قَوْلٌ وَعَمَلٌ وَنِيَّةٌ إلَّا بِمُوَافَقَةِ السُّنَّةِ.

، وَأَنَّهُ لَا يَكْفُرُ أَحَدٌ بِذَنْبٍ مِنْ أَهْلِ الْقِبْلَةِ
ـــــــــــــــــــــــــــــQفَإِنَّمَا هُوَ شَرْطٌ لِإِجْرَاءِ أَحْكَامِ الدُّنْيَا عَلَى الْمَشْهُورِ مِنْ الْخِلَافِ، كَمَا أَنَّ الْمَشْهُورَ أَنَّ أَعْمَالَ الْجَوَارِحِ شَرْطٌ لِكَمَالِ الْإِيمَانِ عَلَى كَلَامِ السَّلَفِ وَجُمْهُورِ الْأَشَاعِرَةِ وَالْمَاتُرِيدِيَّة، وَقَدْ قَدَّمْنَا مَا فِيهِ شِفَاءُ الْعَلِيلِ. وَلَمَّا جَرَى خِلَافٌ فِي قَبُولِ الْإِيمَانِ الزِّيَادَةَ وَالنَّقْصَ وَكَانَ الرَّاجِحُ الْقَبُولَ قَالَ: (يَزِيدُ) أَيْ الْإِيمَانُ بِقَطْعِ النَّظَرِ عَنْ مَحَلِّهِ (بِزِيَادَةِ الْأَعْمَالِ وَيَنْقُصُ بِنَقْصِهَا) وَفَرَّعَ عَلَى ذَلِكَ قَوْلَهُ: (فَيَكُونُ فِيهَا) أَيْ الْأَعْمَالِ أَيْ بِسَبَبِهَا عَلَى حَدِّ: دَخَلَتْ امْرَأَةٌ النَّارَ فِي هِرَّةٍ أَيْ بِسَبَبِهَا (النَّقْصُ) فِي الْإِيمَانِ (وَبِهَا الزِّيَادَةُ) دَلَّ عَلَى ذَلِكَ الْعَقْلُ وَالنَّقْلُ، أَمَّا الْعَقْلُ فَلِأَنَّهُ لَوْ لَمْ تَتَفَاوَتْ حَقِيقَةُ الْإِيمَانِ لَكَانَ إيمَانُ الْفَسَقَةِ مُسَاوِيًا لِإِيمَانِ الْأَنْبِيَاءِ وَالصِّدِّيقِينَ وَاللَّازِمُ بَاطِلٌ فَمَلْزُومُهُ كَذَلِكَ، وَأَمَّا النَّقْلُ فَلِكَثْرَةِ النُّصُوصِ نَحْوُ {وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا} [الأنفال: 2] {وَمَا زَادَهُمْ إِلا إِيمَانًا} [الأحزاب: 22] وَقَوْلُ الرَّسُولِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لَوْ وُزِنَ إيمَانُ أَبِي بَكْرٍ بِإِيمَانِ هَذِهِ الْأُمَّةِ لَرَجَحَ عَلَيْهَا» وَكُلَّمَا يَقْبَلُ الزِّيَادَةَ يَقْبَلُ النَّقْصَ فَتَمَّ الدَّلِيلُ، وَهَذَا وَاضِحٌ عَلَى تَفْسِيرِ الْإِيمَانِ بِالتَّصْدِيقِ وَالْعَمَلِ، وَأَمَّا عَلَى تَفْسِيرِهِ بِنَفْسِ التَّصْدِيقِ فَكَذَلِكَ يَزِيدُ بِزِيَادَةِ النَّظَرِ فِي الدَّلِيلِ وَيَنْقُصُ بِعَدَمِهَا. وَعَلَى هَذَا الرَّاجِحِ جُمْهُورُ الْأَشَاعِرَةِ وَالْفُقَهَاءُ، وَالْمُحَدِّثُونَ وَالْمُعْتَزِلَةُ، وَنَقَلَهُ الشَّافِعِيُّ وَالْإِمَامُ مَالِكٌ وَالْإِمَامُ الْبُخَارِيُّ، وَمُقَابِلُهُ لِجَمَاعَةٍ أَعْظَمُهُمْ الْإِمَامُ أَبُو حَنِيفَةَ وَتَبِعَهُ أَصْحَابُهُ وَطَائِفَةٌ مِنْ الْمُتَكَلِّمِينَ أَنَّهُ لَا يَزِيدُ وَلَا يَنْقُصُ لِأَنَّهُ اسْمُ التَّصْدِيقِ الْبَالِغِ حَدَّ الْجَزْمِ وَهُوَ لَا يُتَصَوَّرُ فِيهِ زِيَادَةٌ وَلَا نُقْصَانٌ، وَأَجَابُوا عَمَّا تَمَسَّكَ بِهِ الْأَوَّلُونَ مِنْ الْآيَاتِ وَغَيْرِهَا بِأَنَّ الْمُرَادَ بِالزِّيَادَةِ بِحَسَبِ الدَّوَامِ وَكَثْرَةِ الزَّمَانِ، أَوْ أَنَّ الْمُرَادَ زِيَادَةُ الْأَحْكَامِ الَّتِي لَا تَتَجَدَّدُ؛ لِأَنَّ الشَّرْعَ كَانَ يَتَجَدَّدُ شَيْئًا فَشَيْئًا، فَالْمُرَادُ زِيَادَةُ مُتَعَلِّقَاتِهِ وَهُوَ مَا يَجِبُ الْإِيمَانُ بِهِ، وَأَشَارَ لِهَذِهِ الْمَسْأَلَةِ صَاحِبُ الْجَوْهَرَةِ بِقَوْلِهِ:
وَرُجِّحَتْ زِيَادَةُ الْإِيمَانِ ... بِمَا تَزِيدُ طَاعَةُ الْإِنْسَانِ
وَنَقْصُهُ بِنَقْصِهَا وَقِيلَ لَا ... وَقِيلَ لَا خَلْفٌ كَذَا قَدْ نُقِلَا
وَأَشَارَ بِقَوْلِهِ: وَقِيلَ لَا خَلْفٌ إلَى قَوْلِ الْفَخْرِ الرَّازِيِّ مَعَ جَمَاعَةٍ: إنَّ الْخِلَافَ لَفْظِيٌّ؛ لِأَنَّ مَنْ يَقُولَ بِقَوْلِ الزِّيَادَةِ وَالنُّقْصَانِ يُفَسِّرُهُ بِالتَّصْدِيقِ وَالْأَعْمَالِ، وَمَنْ يَقُولُ بِعَدَمِ قَبُولِهِ الزِّيَادَةِ وَالنُّقْصَانِ يُفَسِّرُهُ بِالتَّصْدِيقِ فَقَطْ، وَأَشَارَ بِقَوْلِهِ: كَذَا قَدْ نُقِلَا إلَى التَّبَرِّي مِنْ هَذَا الْقَوْلِ وَأَنَّ الْخِلَافَ حَقِيقِيٌّ؛ لِأَنَّ الْأَصَحَّ أَنَّ التَّصْدِيقَ الْقَلْبِيَّ يَزِيدُ وَيَنْقُصُ بِكَثْرَةِ النَّظَرِ وَوُضُوحِ الْأَدِلَّةِ وَعَدَمِ ذَلِكَ، وَلِهَذَا كَانَ إيمَانُ الصِّدِّيقِينَ أَقْوَى مِنْ إيمَانِ غَيْرِهِمْ بِحَيْثُ لَا تَعْتَرِيه الشُّبَهُ، وَيُؤَيِّدُهُ أَنَّ كُلَّ أَحَدٍ يَعْلَمُ أَنَّ مَا فِي قَلْبِهِ يَتَفَاضَلُ حَتَّى يَكُونَ فِي بَعْضِ الْأَحْيَانِ أَعْظَمَ يَقِينًا وَإِخْلَاصًا مِنْهُ فِي بَعْضِهَا، فَكَذَلِكَ التَّصْدِيقُ وَالْمَعْرِفَةُ بِحَسَبِ ظُهُورِ الْبَرَاهِينِ وَكَثْرَتِهَا، وَلَا يُقَالُ: إنْ قَبِلَ التَّصْدِيقُ النَّقْصَ وَالزِّيَادَةَ كَانَ شَكًّا.؛ لِأَنَّا نَقُولُ: مَرَاتِبُ الْيَقِينِ مُتَفَاوِتَةٌ إلَى عِلْمِ الْيَقِينِ وَعَيْنِ الْيَقِينِ وَحَقِّ الْيَقِينِ، فَالْأَوَّلُ هُوَ الْعِلْمُ الْمُسْتَفَادُ مِنْ الْخَبَرِ، وَالثَّانِي هُوَ الْمُسْتَفَادُ مِنْ الْمُشَاهَدِ، وَالثَّالِثُ هُوَ الْمُسْتَفَادُ مِنْ الْمُعَايَنَةِ وَالْمُبَاشَرَةِ مَعًا.
تَنْبِيهَاتٌ: الْأَوَّلُ: إنَّمَا قُلْنَا بِقَطْعِ النَّظَرِ عَنْ مَحَلِّهِ؛ لِأَنَّ مَحَلَّ الْخِلَافِ فِي إيمَانِ غَيْرِ الْأَنْبِيَاءِ وَالْمَلَائِكَةِ لِمَا قَالَهُ سَيِّدِي أَحْمَدُ زَرُّوقٌ مِنْ أَنَّ إيمَانَ أَهْلِ الِاخْتِصَاصِ كَالْأَنْبِيَاءِ وَالْمَلَائِكَةِ لَا يَجُوزُ عَلَيْهِ النَّقْصُ وَإِيمَانَ غَيْرِهِمْ يَزِيدُ وَيَنْقُصُ. وَالْحَاصِلُ أَنَّ إيمَانَ الْأَنْبِيَاءِ دَائِمًا فِي زِيَادَةٍ عَلَى تَوَالِي الزَّمَانِ، وَإِيمَانَ الْمَلَائِكَةِ لَا يَزِيدُ وَلَا يَنْقُصُ الثَّانِي: قَدْ قَدَّمْنَا مَا يَتَعَلَّقُ بِمُرَادَفَةِ الْإِيمَانِ لِلْإِسْلَامِ أَوْ مُخَالَفَتِهِمَا وَأَنَّهُمَا بَاقِيَانِ بَعْدَ مَوْتِ صَاحِبِهِمَا حُكْمًا كَبَقَائِهِمَا حَالَ النَّوْمِ وَالْغَفْلَةِ؛ لِأَنَّ الْوَصْفَ الثَّابِتَ الَّذِي لَمْ يَحْصُلْ مَا يُضَادُّهُ يُحْكَمُ بِبَقَائِهِ وَأَنَّهُمَا مَخْلُوقَانِ، وَمَنْ قَالَ الْإِيمَانُ قَدِيمٌ فَبِاعْتِبَارِ أَصْلِهِ وَهُوَ التَّوْفِيقُ فَإِنَّهُ فِعْلُ اللَّهِ قَدْ بَنَاهُ عَلَى مَذْهَبِ الْمَاتُرِيدِيَّةِ الْقَائِلِينَ بِقِدَمِ صِفَاتِ الْأَفْعَالِ وَمَذْهَبُ الْأَشْعَرِيِّ حُدُوثُهَا، فَيَكُونُ التَّوْفِيقُ مَخْلُوقًا أَيْضًا.
وَلَمَّا كَانَ يُتَوَهَّمُ مِنْ قَوْلِهِ: وَأَنَّ الْإِيمَانَ قَوْلٌ بِاللِّسَانِ وَإِخْلَاصٌ بِالْقَلْبِ وَعَمَلُ الْجَوَارِحِ تَوَقَّفَ صِحَّةُ الْإِيمَانِ عَلَى عَمَلِ الْجَوَارِحِ وَإِنْ قِيلَ بِهِ، نَبَّهَ هُنَا عَلَى أَنَّ الْعَمَلَ شَرْطُ كَمَالٍ فَقَطْ بِقَوْلِهِ: (وَلَا يَكْمُلُ قَوْلُ الْإِيمَانِ إلَّا بِالْعَمَلِ) مُرَادُهُ بِقَوْلِهِ الْإِيمَانِ

اسم الکتاب : الفواكه الدواني على رسالة ابن أبي زيد القيرواني المؤلف : النفراوي، شهاب الدين    الجزء : 1  صفحة : 92
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست