responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : الفواكه الدواني على رسالة ابن أبي زيد القيرواني المؤلف : النفراوي، شهاب الدين    الجزء : 1  صفحة : 91
أُمَّتُهُ، لَا يَظْمَأُ مَنْ شَرِبَ مِنْهُ وَيُذَادُ عَنْهُ مَنْ بَدَّلَ وَغَيَّرَ.

، وَأَنَّ الْإِيمَانَ: قَوْلٌ بِاللِّسَانِ، وَإِخْلَاصٌ بِالْقَلْبِ، وَعَمَلٌ بِالْجَوَارِحِ: يَزِيدُ بِزِيَادَةِ الْأَعْمَالِ، وَيَنْقُصُ بِنَقْصِهَا، فَيَكُونُ فِيهَا النَّقْصُ، وَبِهَا الزِّيَادَةُ، وَلَا يَكْمُلُ قَوْلُ الْإِيمَانِ إلَّا
ـــــــــــــــــــــــــــــQمِنْهُ الصِّرَاطُ، فَاَلَّذِي نُقِلَ عَنْ الْبُرْهَانِ الْحَلِيمِيِّ أَنَّ الصِّرَاطَ شَعْرَةٌ مِنْ شَعْرِ جَفْنِ مَالِكٍ خَازِنِ النَّارِ.
وَفِي كَلَامِ الشِّهَابِ مَا يَرُدُّ قَوْلَ الْبُرْهَانِ: وَأَنَّ الْحَقَّ تَفْوِيضُ مَعْرِفَةِ حَقِيقَتِهِ إلَى اللَّهِ تَعَالَى.
الثَّالِثُ: مَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ أَنَّ جَهَنَّمَ بَيْنَ الْخَلَائِقِ وَبَيْنَ الْجَنَّةِ يُعَيِّنُ أَنَّ الْجَنَّةَ مُجَاوِرَةٌ لِلنَّارِ، وَيُشْكِلُ عَلَى قَوْلِ الْقَائِلِ: إنَّ الْجَنَّةَ فَوْقَ السَّمَاءِ السَّابِعَةِ وَالنَّارَ تَحْتَ الْأَرْضِ السَّابِعَةِ الرَّابِعُ: قَدْ قَدَّمْنَا أَنَّ الْمُرُورَ عَلَيْهِ بَعْدَ الْحِسَابِ.
وَفِي بَعْضِ الْأَحَادِيثِ أَنَّ مَسِيرَتَهُ ثَلَاثَةُ آلَافِ سَنَةٍ، وَأَلْفٌ صُعُودٌ وَأَلْفٌ اسْتِوَاءٌ وَأَلْفٌ هُبُوطٌ، وَحِكْمَتُهُ ظُهُورُ عَظِيمِ فَضْلِهِ تَعَالَى عَلَى الْمُؤْمِنِينَ فِي النَّجَاةِ مِنْ النَّارِ، وَلِيَتَحَسَّرَ الْكَافِرُ بِفَوْزِ الْمُؤْمِنِ وَسُقُوطِهِ هُوَ فِي جَهَنَّمَ مَعَ اشْتِرَاكِ الْجَمِيعِ فِي أَصْلِ الْمُرُورِ.

وَلَمَّا كَانَ الْإِنْسَانُ يَغْلِبُ عَطَشُهُ عِنْدَ خُرُوجِهِ مِنْ قَبْرِهِ ذَكَرَ الْحَوْضَ فَقَالَ: (وَالْإِيمَانُ) أَيْ التَّصْدِيقُ (بِحَوْضِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) وَاجِبٌ وَيُبَدَّعُ مُنْكِرُهُ دَلَّ عَلَى حَقِّيَّتِهِ: {إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ} [الكوثر: 1] بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ الْحَوْضُ، وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «حَوْضِي مَسِيرَةُ شَهْرٍ زَوَايَاهُ سَوَاءٌ وَمَاؤُهُ أَبْيَضُ مِنْ اللَّبَنِ وَرِيحُهُ أَطْيَبُ مِنْ الْمِسْكِ وَكِيزَانُهُ عَدَدُ نُجُومِ السَّمَاءِ فَمَنْ شَرِبَ مِنْهُ شَرْبَةً لَا يَظْمَأُ بَعْدَهَا أَبَدًا، وَيَشْخَبُ فِيهِ مِيزَابَانِ مِنْ الْجَنَّةِ وَهُوَ فِي الْأَرْضِ الْمُبَدَّلَةِ وَهِيَ أَرْضٌ بَيْضَاءُ كَالْفِضَّةِ لَمْ يُسْفَكْ فِيهَا دَمٌ وَلَا ظَلَمَ عَلَى ظَهْرِهَا أَحَدٌ وَسَأَلَتْ عَائِشَةُ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا - النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: أَيْنَ يَكُونُ النَّاسُ يَوْمَ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ؟ فَقَالَ: عَلَى الصِّرَاطِ» وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (تَرِدُهُ أُمَّتُهُ) - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - (لَا يَظْمَأُ مَنْ شَرِبَ مِنْهُ) بَعْدَ ذَلِكَ أَبَدًا، وَظَاهِرُ كَلَامِ بَعْضِ الشُّيُوخِ أَنَّ وُرُودَهُ قَبْلَ الْوَزْنِ وَقَبْلَ الْحِسَابِ وَقَبْلَ الصِّرَاطِ وَهُوَ الْمُخْتَارُ.
قَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ: جَهْلُ التَّقَدُّمِ وَالتَّأَخُّرِ فِي الْمِيزَانِ وَالْحَوْضِ وَالصِّرَاطِ غَيْرُ قَادِحٍ فِي الْعَقِيدَةِ وَإِنَّمَا الْوَاجِبُ اعْتِقَادُ ثُبُوتِهَا.
(وَيُذَادُ) بِالذَّالِ الْمُعْجَمَةُ وَبَعْدَهَا مُهْمَلَةٌ يُبْعَدُ (عَنْهُ مَنْ بَدَّلَ وَغَيَّرَ) مُرَادِفٌ لِمَا قَبْلَهُ. إلَّا أَنَّ الَّذِي غَيَّرَ بِكُفْرٍ وَمَاتَ عَلَيْهِ يُطْرَدُ أَبَدًا وَأَمَّا مَنْ غَيَّرَ بِعِصْيَانٍ دُونَ كُفْرٍ فَهُوَ فِي الْمَشِيئَةِ.
تَنْبِيهَانِ: الْأَوَّلُ: مَفْهُومُ قَوْلِ أُمَّتِهِ يَقْتَضِي أَنَّ أُمَّةَ غَيْرِهِ لَا تَرِدُهُ وَإِنَّمَا تَرِدُ حَوْضَ أَنْبِيَائِهَا لِمَا فِي الْحَدِيثِ: «مِنْ أَنَّ لِكُلِّ نَبِيٍّ حَوْضًا وَأَنَّهُمْ يَتَبَاهَوْنَ أَيُّهُمْ أَكْثَرُ وَارِدَةً وَأَنَا أَرْجُو أَنْ أَكُونَ أَكْثَرَهُمْ وَارِدَةً» ، وَهَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ. فَإِنْ قِيلَ: إنْ كَانَ لِكُلِّ نَبِيٍّ حَوْضٌ فَلِأَيِّ شَيْءٍ خَصَّ وُجُوبَ الْإِيمَانِ بِحَوْضِ الْمُصْطَفَى - عَلَى الْجَمِيعِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -؟ قُلْت: لِاتِّفَاقِ الْأَحَادِيثِ عَلَى وُجُودِهِ دُونَ غَيْرِهِ، وَيَقْتَضِي مَفْهُومُ أُمَّتِهِ أَيْضًا أَنَّ الشُّرْبَ مِنْهُ مُخْتَصٌّ بِمُؤْمِنِي هَذِهِ الْأُمَّةِ فَغَيْرُ أُمَّتِهِ يُطْرَدُ عَنْهُ.
وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: وَمِنْ الْمَطْرُودِينَ عَنْ حَوْضِ الْمُصْطَفَى - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كُلُّ مَنْ أَحْدَثَ فِي الدِّينِ مَا لَيْسَ مِنْهُ كَالْخَوَارِجِ وَالرَّوَافِضِ وَسَائِرِ أَصْحَابِ الْأَهْوَاءِ، وَقَالَ غَيْرُهُ: وَكَذَا الظَّلَمَةُ الْمُسْرِفُونَ فِي الْجَوْرِ وَطَمْسِ الْحَقِّ وَالْمُعْلِنُونَ بِالْكَبَائِرِ. الثَّانِي: مَاءُ الْحَوْضِ مِنْ نَهْرٍ فِي الْجَنَّةِ كَمَا قَدَّمْنَا. وَحَصَلَ التَّوَقُّفُ هَلْ فِي الْمَوْقِفِ مَاءٌ أَمْ لَا؟ رَوَى ابْنُ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - قَالَ: «سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ مَكَانِ الْوُقُوفِ بَيْنَ يَدَيْ رَبِّ الْعَالَمِينَ هَلْ فِيهِ مَاءٌ؟ فَقَالَ: أَيْ وَاَلَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ إنَّ فِيهِ لَمَاءً وَإِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لَيَرِدُونَ حَوْضَ الْأَنْبِيَاءِ وَيَبْعَثُ اللَّهُ سَبْعِينَ أَلْفَ مَلَكٍ بِأَيْدِيهِمْ عَصًى مِنْ نَارٍ يَذُودُونَ الْكُفَّارَ عَنْ حِيَاضِ الْأَنْبِيَاءِ» .
وَفِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «وَإِنِّي لَأَصُدُّ النَّاسَ عَنْهُ كَمَا يَصُدُّ الرَّجُلُ إبِلَ النَّاسِ عَنْ حَوْضِهِ، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَتَعْرِفُنَا يَوْمَئِذٍ؟ قَالَ: نَعَمْ لَكُمْ سِيمَى أَيْ عَلَامَةٌ لَيْسَ لِأَحَدٍ مِنْ الْأُمَمِ تَرِدُونَ غُرًّا مُحَجَّلِينَ مِنْ آثَارِ الْوُضُوءِ» .

وَلَمَّا فَرَغَ مِنْ السَّمْعِيَّاتِ الَّتِي يَجِبُ الْجَزْمُ بِحَقِيقَتِهَا شَرَعَ فِي بَيَانِ حَقِيقَةِ الْإِيمَانِ فَقَالَ: (وَإِنَّ الْأَيْمَانَ) عَلَى طَرِيقَةِ السَّلَفِ الَّتِي جَرَى عَلَيْهَا الْمُصَنِّفُ (قَوْلٌ بِاللِّسَانِ وَإِخْلَاصٌ بِالْقَلْبِ) أَيْ تَصْدِيقٌ بِجَمِيعِ مَا جَاءَ بِهِ الرَّسُولُ، لِأَنَّ هَذَا هُوَ الْمُعْتَبَرُ فِي الْإِيمَانِ لَا الْإِخْلَاصُ الْمُقَابِلُ لِلرِّيَاءِ. (وَعَمَلٌ بِالْجَوَارِحِ) لَكِنَّ أَعْمَالَ الْجَوَارِحِ شَرْطٌ لِكَمَالِهِ كَمَا يَأْتِي فِي كَلَامِهِ، وَأَمَّا حَقِيقَةُ الْإِيمَانِ عِنْدَ جُمْهُورِ الْأَشَاعِرَةِ وَالْمَاتُرِيدِيَّة فَهُوَ التَّصْدِيقُ الْقَلْبِيُّ بِجَمِيعِ مَا جَاءَ بِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -، وَأَمَّا النُّطْقُ بِاللِّسَانِ

اسم الکتاب : الفواكه الدواني على رسالة ابن أبي زيد القيرواني المؤلف : النفراوي، شهاب الدين    الجزء : 1  صفحة : 91
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست