responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : الفواكه الدواني على رسالة ابن أبي زيد القيرواني المؤلف : النفراوي، شهاب الدين    الجزء : 1  صفحة : 83
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــQفِيهَا، وَالدَّلِيلُ عَلَى حَقِيقَةِ وُجُودِ الْجَنَّةِ الْآنَ مِنْ ثَمَّ إخْرَاجُهُمَا مِنْهُمَا بِالْأَكْلِ مِنْ الشَّجَرَةِ وَكَوْنُهُمَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِنْ وَرَقِ الْجَنَّةِ وَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا قِصَّةُ آدَمَ وَحَوَّاءَ وَإِسْكَانُهُمَا الْجَنَّةِ عَلَى مَا نَطَقَ بِهِ الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ وَانْعَقَدَ عَلَيْهِ إجْمَاعُ الْأُمَّةِ، وَحَمْلُ الْجَنَّةِ فِي قِصَّةِ آدَمَ عَلَى بُسْتَانٍ مِنْ بَسَاتِينِ الدُّنْيَا، وَآدَمُ عَلَى رَجُلٍ يُسَمَّى بِذَلِكَ كَانَ فِي حَدِيقَةٍ لَهُ عَلَى رَبْوَةٍ أَيْ مَحَلٍّ مُرْتَفِعٍ فَعَصَى فِيهَا فَأُهْبِطَ مِنْهَا إلَى بَطْنِ الْوَادِي تَلَاعُبٌ بِالدِّينِ، كَمَا سَيُشِيرُ إلَى رَدِّهِ بِقَوْلِهِ: وَهِيَ الَّتِي أُهْبِطَ مِنْهَا آدَم. . . إلَخْ وَثَانِيهِمَا خَيْرُ حَمْلِ الْآيَاتِ الصَّرِيحَةِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {عِنْدَهَا جَنَّةُ الْمَأْوَى} [النجم: 15] وَ: {وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ} [آل عمران: 133] ، وَمِنْ السُّنَّةِ: «عُرِضَتْ عَلَيَّ الْجَنَّةُ فَتَنَاوَلْت مِنْهَا عُنْقُودًا» وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْآيَاتِ وَالْأَحَادِيثِ فَإِنَّهَا صَرِيحَةٌ فِي أَنَّ الْمُرَادَ بِهَا دَارُ الثَّوَابِ، وَأَنَّ آدَمَ الْمُرَادُ بِهِ أَبُو الْبَشَرِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - وَهُوَ نَبِيُّ اللَّهِ وَخَلِيفَتُهُ.
تَنْبِيهَانِ: الْأَوَّلُ: عُلِمَ مِمَّا مَرَّ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ إنْكَارُ وُجُودِ الْجَنَّةِ الْآنَ، فَمَنْ أَنْكَرَ وُجُودَهَا الْآنَ وَفِي الْمُسْتَقْبَلِ فَهُوَ كَافِرٌ كَالْفَلَاسِفَةِ، وَأَمَّا مَنْ أَنْكَرَ وُجُودَهَا الْآنَ وَيَعْتَرِفُ بِوُجُودِهَا فِيمَا يُسْتَقْبَلُ كَأَبِي هَاشِمٍ وَعَبْدِ الْجَبَّارِ مِنْ الْمُعْتَزِلَةِ فَهُمْ مُبْتَدِعَةٌ، وَتَمَسُّكُهُمْ بِأَنَّهَا لَوْ كَانَتْ مَوْجُودَةً لَهَلَكَتْ لِعُمُومِ: {كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ} [القصص: 88] مَرْدُودٌ بِأَنَّهَا مِنْ الْمُسْتَثْنَيَاتِ الَّتِي لَا تَهْلِكُ كَالنَّارِ وَالْعَرْشِ وَالْكُرْسِيِّ وَالْقَلَمِ وَاللَّوْحِ.
الثَّانِي: وَقَعَ خِلَافٌ فِي مَحَلِّهَا كَالنَّارِ فَقَالَ بَعْضٌ: لَا يَعْلَمُ مَحَلَّهُمَا إلَّا مَنْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْمًا، وَلَعَلَّ هَذَا أَحْسَنُ الْأَقْوَالِ لِعَدَمِ وُرُودِ الدَّلِيلِ الْقَاطِعِ بِتَعْيِينِ مَحَلِّهِمَا، وَقَالَ بَعْضٌ: الْجَنَّةُ فَوْقَ السَّمَوَاتِ السَّبْعِ، وَالنَّارُ تَحْتَ الْأَرْضِ السَّابِعَةِ، وَقِيلَ: جَهَنَّمُ مُحِيطَةٌ بِالدُّنْيَا وَالْجَنَّةُ مِنْ وَرَائِهَا، فَلِذَلِكَ ضُرِبَ الصِّرَاطُ عَلَى جَهَنَّمَ طَرِيقًا إلَى الْجَنَّةِ.
وَفِي الْحَدِيثِ أَنَّ «هِرَقْلَ كَتَبَ إلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: تَدْعُونِي إلَى جَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَوَاتُ وَالْأَرْضُ فَأَيْنَ النَّارُ؟ فَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: سُبْحَانَ اللَّهِ أَيْنَ اللَّيْلُ إذَا جَاءَ النَّهَارُ» ، وَكَمَا مَنَّ اللَّهُ سُبْحَانَهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ بِخَلْقِ الْجَنَّةِ خَصَّهُمْ بِهَا (وَأَكْرَمَهُمْ فِيهَا بِالنَّظَرِ) بِأَبْصَارِهِمْ (إلَى وَجْهِهِ الْكَرِيمِ) الْمُرَادُ بِالْوَجْهِ الذَّاتُ عِنْدَ الْجُمْهُورِ، وَضَمِيرُ الْجَمْعِ لِأَوْلِيَائِهِ، وَالْمُفْرَدِ الْمُؤَنَّثِ لِلْجَنَّةِ، وَالْمُذَكَّرِ لِلَّهِ تَعَالَى.
قَالَ فِي الْجَوْهَرَةِ:
وَمِنْهُ أَنْ يُنْظَرَ بِالْأَبْصَارِ ... لَكِنْ بِلَا كَيْفٍ وَلَا انْحِصَارٍ
فَيَنْكَشِفُ لَهُمْ انْكِشَافًا تَامًّا مُنَزَّهًا عَنْ الْمُقَابَلَةِ وَالْمُوَاجَهَةِ؛ لِأَنَّ الرُّؤْيَةَ عِنْدَ أَهْلِ الْحَقِّ قُوَّةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ يَجْعَلُهَا اللَّهُ فِي خَلْقِهِ يَنْكَشِفُ لَهُمْ بِهَا الْمَرْئِيُّ وَلَا تَسْتَدْعِي جِرْمِيَّةً وَلَا جِهَةً وَلَا مُقَابَلَةً، وَإِنَّمَا تَسْتَدْعِي مُطْلَقَ مَحَلٍّ تَقُومُ بِهِ، وَإِنْ جَرَتْ الْعَادَةُ بِالْمُقَابَلَةِ وَالْمُوَاجَهَةِ فِي رُؤْيَةِ بَعْضِنَا فَإِنَّمَا ذَلِكَ عَلَى جِهَةِ الِاتِّفَاقِ لَا الشَّرْطِيَّةِ، أَلَا تَرَى أَنَّا نَعْلَمُهُ سُبْحَانَهُ لَا فِي جِهَةٍ وَلَا مَكَان؟ وَالْمُعَوَّلُ عَلَيْهِ فِي إثْبَاتِ الرُّؤْيَةِ عِنْدَ أَهْلِ السُّنَّةِ الدَّلِيلُ السَّمْعِيُّ كَالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَإِجْمَاعُ الْأُمَّةِ، أَمَّا الْكِتَابُ فَقَوْلُهُ تَعَالَى: {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ} [القيامة: 22] {إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ} [القيامة: 23] وَآيَةُ: {رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ} [الأعراف: 143] فَلَوْلَا أَنَّهَا جَائِزَةٌ مَا طَلَبَهَا مُوسَى - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -، وَأَيْضًا اللَّهُ تَعَالَى عَلَّقَ رُؤْيَةَ ذَاتِهِ عَلَى اسْتِقْرَارِ الْجَبَلِ وَهُوَ مُمْكِنٌ فَتَكُونُ رُؤْيَةُ ذَاتِهِ مُمْكِنَةً.
وَقَالَ مَالِكٌ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -: لَوْلَا أَنَّ الْمُؤْمِنِينَ يَرَوْنَ رَبَّهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ لَمَا عَيَّرَ سُبْحَانَهُ الْكُفَّارَ بِالْحَجْبِ عَنْ رُؤْيَتِهِ بِقَوْلِهِ: {كَلا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ} [المطففين: 15] .
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -: لَوْ لَمْ يُوقِنْ مُحَمَّدُ بْنُ إدْرِيسَ بِأَنَّهُ يَرَى رَبَّهُ فِي الْمَعَادِ لَمَا عَبَدَهُ فِي الدُّنْيَا، وَأَمَّا السُّنَّةُ فَحَدِيثُ: «إنَّكُمْ سَتَرَوْنَ رَبَّكُمْ كَمَا تَرَوْنَ الْقَمَرَ لَيْلَةَ الْبَدْرِ» ، وَأَمَّا الْإِجْمَاعُ فَهُوَ أَنَّ الصَّحَابَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - كَانُوا مُجْمِعِينَ عَلَى رُؤْيَتِهِ فِي الْآخِرَةِ، وَإِنَّمَا أَنْكَرَهَا الْمُعْتَزِلَةُ مُتَمَسِّكِينَ بِشُبْهَةِ الْمُقَابَلَةِ الَّتِي تَقْرِيرُهَا: لَوْ كَانَ مَرْئِيًّا لَكَانَ مُقَابِلًا لِلرَّائِي بِالضَّرُورَةِ فَيَكُونُ فِي جِهَةٍ وَحَيِّزٍ وَهُوَ مُحَالٌ، وَجَوَابُهَا الْمُقَابَلَةُ إنَّمَا هِيَ شَرْطٌ فِي رُؤْيَةِ الْمَخْلُوقِ، وَقِيَاسُ الْغَائِبِ عَلَى الشَّاهِدِ غَيْرُ صَحِيحٍ لِتَوَقُّفِهِ عَلَى مَعْرِفَةِ حَقِيقَةِ الْغَائِبِ وَصِفَتِهِ وَهِيَ غَيْرُ مُمْكِنَةٍ لَنَا، وَتَمَسَّكُوا أَيْضًا بِشُبْهَةٍ سَمْعِيَّةٍ وَهِيَ قَوْله تَعَالَى: {لا تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ} [الأنعام: 103] وَجَوَابُهَا أَنَّ الْإِدْرَاكَ أَخَصُّ مِنْ مُطْلَقِ الرُّؤْيَةِ، إذْ الْإِدْرَاكُ الْإِحَاطَةُ بِالْمُدْرَكِ وَهِيَ مَحَالَةٌ عَلَى اللَّهِ، وَلِذَا قَالَ تَعَالَى: {لا تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ} [الأنعام: 103] وَلَمْ يَقُلْ لَا تَرَاهُ، وَإِلَى الْجَوَابِ عَنْ الشُّبْهَةِ الْأُولَى أَشَارَ صَاحِبُ الْجَوْهَرَةِ بِقَوْلِهِ: بِلَا كَيْفٍ، وَعَنْ الثَّانِيَةِ بِقَوْلِهِ: وَلَا انْحِصَارٍ.
تَنْبِيهَاتٌ: الْأَوَّلُ: عُلِمَ مِنْ تَخْصِيصِ الْإِكْرَامِ بِالنَّظَرِ فِي الْجَنَّةِ قَصْرُ الرُّؤْيَا فِيهَا عَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَظَاهِرُهُ تَنَاوُلُ النِّسَاءَ؛ لِأَنَّهُنَّ شَقَائِقُ الرِّجَالِ، وَأَمَّا الْكُفَّارُ فَلَا يَرَوْنَهُ لِعَدَمِ دُخُولِهِمْ الْجَنَّةَ، وَأَمَّا فِي عَرَصَاتِ الْقِيَامَةِ فَقِيلَ عَامَّةٌ وَقِيلَ خَاصَّةٌ بِالْمُؤْمِنِينَ وَسَيَأْتِي

اسم الکتاب : الفواكه الدواني على رسالة ابن أبي زيد القيرواني المؤلف : النفراوي، شهاب الدين    الجزء : 1  صفحة : 83
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست