responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : الفواكه الدواني على رسالة ابن أبي زيد القيرواني المؤلف : النفراوي، شهاب الدين    الجزء : 1  صفحة : 82
خَلَقَ الْجَنَّةَ فَأَعَدَّهَا دَارَ خُلُودٍ لِأَوْلِيَائِهِ وَأَكْرَمَهُمْ فِيهَا بِالنَّظَرِ إلَى وَجْهِهِ الْكَرِيمِ وَهِيَ الَّتِي أَهْبَطَ مِنْهَا آدَمَ نَبِيَّهُ وَخَلِيفَتَهُ
ـــــــــــــــــــــــــــــQوَقَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «ادَّخَرْت شَفَاعَتِي لِأَهْلِ الْكَبَائِرِ مِنْ أُمَّتِي» ؛ وَلِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ عَلَى اللَّهِ غُفْرَانُ غَيْرِ الْكُفْرِ مِنْ الذُّنُوبِ مِنْ غَيْرِ تَوْبَةٍ وَلَا شَفَاعَةٍ فَبِالشَّفَاعَةِ أَوْلَى، وَلِذَا أَجْمَع أَهْلُ السُّنَّةِ عَلَى ثُبُوتِهَا لَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلِسَائِرِ الْمُرْسَلِينَ وَالْمَلَائِكَةِ وَالْعُلَمَاءِ وَالشُّهَدَاءِ، يَشْفَعُ كُلُّ وَاحِدٍ عَلَى قَدْرِ جَاهِهِ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى، فَفِي الصَّحِيحَيْنِ: «أَنَا أَوَّلُ شَافِعٍ وَأَوَّلُ مُشَفَّعٍ» . وَلَهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - شَفَاعَاتٌ أَعْظَمُهَا وَأَهَمُّهَا شَفَاعَتُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي أَهْلِ الْمَوْقِفِ بَعْدَ أَنْ يَتَكَلَّمَ الْأَنْبِيَاءُ - عَلَيْهِمْ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - حِينَ يُعَايِنُونَ مِنْ شَدَائِدِ الْمَوْقِفِ وَأَهْوَالِهِ وَطُولِ الْقِيَامِ فِيهِ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ، وَزِيَادَةِ الْقَلَقِ وَتَصَاعُدِ الْعَرَقِ مَا يُذِيبُ الْأَكْبَادَ وَيُنْسِي الْأَوْلَادَ مُدَّةَ ثَلَاثَةِ آلَافِ سَنَةٍ، فَيَتَرَادُّونَهَا مِنْ آدَمَ إلَى عِيسَى فِي خَمْسَةِ آلَافِ سَنَةٍ، إذْ بَيْنَ سُؤَالِ نَبِيٍّ وَآخَرَ أَلْفُ سَنَةٍ كَمَا قَالَهُ ابْنُ حَجَرٍ وَالْقُرْطُبِيُّ وَغَيْرُهُمَا، فَإِذَا انْتَهَوْا إلَيْهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: أَنَا لَهَا أَنَا لَهَا أُمَّتِي أُمَّتِي، وَكُلُّ مَنْ قَبْلَهُ لَا يَقُولُ إلَّا نَفْسِي نَفْسِي اذْهَبُوا إلَى غَيْرِي فَيَشْفَعُ فَيُشَفَّعُ، وَهَذِهِ مُخْتَصَّةٌ بِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - وَتُسَمَّى الشَّفَاعَةُ الْعُظْمَى وَهِيَ أَوَّلُ الْمَقَامِ الْمَحْمُودِ، خَاصَّةً بِهِ وَعَامَّةً فِي جَمِيعِ الْخَلْقِ يَوْمَ الْوُقُوفِ لِلْحِسَابِ، وَهَذِهِ مُجْمَعٌ عَلَيْهَا وَهِيَ لِلْإِرَاحَةِ مِنْ طُولِ الْوُقُوفِ حَيْثُ يَتَمَنَّوْا الِانْصِرَافَ مِنْ مَوْقِفِهِمْ وَلَوْ إلَى النَّارِ، وَمِنْ شَفَاعَاتِهِ أَنَّهُ يَشْفَعُ فِي إدْخَالِ جَمَاعَةٍ الْجَنَّةَ مِنْ غَيْرِ حِسَابٍ، وَيَشْفَعُ فِي قَوْمٍ اسْتَوْجِبُوا النَّارَ فَلَا يَدْخُلُونَهَا، وَفِي جَمَاعَةٍ دَخَلُوهَا فَيَخْرُجُونَ مِنْهَا وَهِيَ الْمُرَادَةُ هُنَا فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ، وَيَشْفَعُ لِجَمَاعَاتٍ فِي رَفْعِ دَرَجَاتٍ، وَيَشْفَعُ لِعَمِّهِ أَبِي طَالِبٍ فِي تَخْفِيفِ الْعَذَابِ عَنْهُ بِأَنْ نُقِلَ مِنْ غَمَرَاتٍ إلَى ضَحْضَاحٍ كَمَا فِي الْحَدِيثِ.
تَنْبِيهَاتٌ: الْأَوَّلُ: عُلِمَ مِمَّا ذَكَرْنَا أَنَّ مُحَمَّدًا - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَهُ شَفَاعَاتٌ كَثِيرَةٌ، وَأَنَّهُ أَوَّلُ شَافِعٍ وَأَنَّهُ مَقْبُولُ الشَّفَاعَةِ قَطْعًا، كَمَا أَنَّهُ أَوَّلُ وَارِدٍ الْجَنَّةَ، وَأَوَّلُ وَارِدٍ الْمَحْشَرَ، وَأَوَّلُ مَنْ تَنْشَقُّ عَنْهُ الْأَرْضُ، وَإِنَّمَا أَنْكَرَ الشَّفَاعَةَ بَعْضُ الْمُعْتَزِلَةِ مُتَمَسِّكِينَ بِظَوَاهِرِ آيَاتٍ مِنْهَا: {وَلا يَشْفَعُونَ إِلا لِمَنِ ارْتَضَى} [الأنبياء: 28] ، وَمِنْهَا: {مَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ حَمِيمٍ وَلا شَفِيعٍ يُطَاعُ} [غافر: 18] ، وَمِنْهَا: «لَا يَنَالُ شَفَاعَتِي أَهْلُ الْكَبَائِرِ مِنْ أُمَّتِي» . وَأَجَابَ أَهْلُ الْحَقِّ بِأَنَّ مَعْنَى {وَلا يَشْفَعُونَ إِلا لِمَنِ ارْتَضَى} [الأنبياء: 28] . أَيْ ارْتَضَاهُ لِلشَّفَاعَةِ لَهُ وَهُمْ الْمُوَحِّدُونَ، وَالْمُرَادُ بِالظَّالِمِ الْكَافِرُ، وَالْحَدِيثُ مَوْضُوعٌ بِاتِّفَاقِ النَّقَلَةِ وَعَلَى تَسْلِيمِهِ عَلَى الْمُرْتَدِّينَ.
قَالَ بَعْضُ أَئِمَّتِنَا: وَحَقِيقٌ عَلَى مَنْ أَنْكَرَهَا أَنْ لَا يَنَالَهَا.
الثَّانِي: يَجُوزُ لِلْعَبْدِ أَنْ يَطْلُبَ مِنْ اللَّهِ أَنْ يَكُونَ مِمَّنْ تَنَالُهُ شَفَاعَةُ الْمُصْطَفَى وَلَوْ لَمْ يَكُنْ مُذْنِبًا، لِمَا مَرَّ مِنْ أَنَّهَا تَكُونُ لِرَفْعِ الدَّرَجَاتِ وَلِدُخُولِ الْجَنَّةِ مِنْ غَيْرِ سَبْقِ عَذَابٍ، وَلَا يُلْتَفَتُ إلَى قَوْلِ مَنْ يَقُولُ: إنَّهَا لَا تَكُونُ إلَّا لِلْمُذْنِبِينَ.
قَالَ الْعَلَّامَةُ ابْنُ رُشْدٍ: وَلَا يَأْنَفُ أَحَدٌ أَنْ يَقُولَ: اللَّهُمَّ اجْعَلْنِي مِمَّنْ تَنَالُهُ شَفَاعَةُ مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِسُؤَالِ السَّلَفِ الصَّالِحِ لَهَا؛ وَلِأَنَّ كُلَّ عَاقِلٍ مُعْتَرِفٌ بِالتَّقْصِيرِ وَمُسْتَحِقٌّ لِلْعَفْوِ لِعَدَمِ اعْتِدَادِهِ بِعَمَلِهِ، وَأَيْضًا الْخَاتِمَةُ مُغَيَّبَةٌ عَنَّا لَا يَعْلَمُهَا إلَّا هُوَ، فَكُلٌّ مِنَّا لَا يَدْرِي أَيْنَ يَصِيرُ وَمِنْ أَيْ فَرِيقٍ، وَلِذَلِكَ قَالَ بَعْضُ الصُّوفِيَّةِ: يَنْبَغِي لَك يَا أَخِي أَنْ لَا تُخَيِّرَ نَفْسَك عَلَى أَحَدٍ فَإِنَّك لَا تَدْرِي مَا الْخَاتِمَةُ.
الثَّالِثُ: قَالَ الْعَلَّامَةُ الْفَاكِهَانِيُّ: لَا تَنَافِي بَيْنَ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ أَوَّلًا أَخْرَجَهُ مِنْهَا بِإِيمَانِهِ، وَقَوْلِهِ ثَانِيًا يَخْرُجُ مِنْهَا بِشَفَاعَةِ نَبِيِّهِ؛ لِأَنَّ الْإِيمَانَ سَبَبٌ لِلشَّفَاعَةِ لِتَوَقُّفِهَا عَلَيْهِ وَسَبَبُ السَّبَبِ سَبَبٌ، وَيَصِحُّ إسْنَادُ الْإِخْرَاجِ إلَى كُلٍّ مِنْ السَّبَبَيْنِ، وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ الْإِيمَانُ سَبَبًا لِأَصْلِ الْخُرُوجِ، وَالشَّفَاعَةُ لِتَعْجِيلِ الْخُرُوجِ مِنْ النَّارِ.

وَلَمَّا جَرَى خِلَافٌ فِي وُجُودِ الْجَنَّةِ وَالنَّارِ الْآنَ وَعَدَمِ وُجُودِهِمَا بَيَّنَ الْحَقَّ فَقَالَ: (وَ) يَجِبُ عَلَى كُلِّ مُكَلَّفٍ أَنْ يَعْتَقِدَ (أَنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ) وَتَعَالَى (قَدْ خَلَقَ) أَيْ أَوْجَدَ (الْجَنَّةَ) فَهِيَ مَوْجُودَةٌ الْآنَ فَقَدْ فِي كَلَامِهِ لِلتَّحْقِيقِ. (فَأَعَدَّهَا) أَيْ هَيَّأَهَا وَصَيَّرَهَا (دَارَ خُلُودٍ) أَيْ مَنْزِلَ إقَامَةٍ عَلَى التَّأْبِيدِ. (لِأَوْلِيَائِهِ) جَمْعُ وَلِيٍّ وَالْمُرَادُ بِهِمْ هُنَا الْمُؤْمِنُونَ مِنْ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ بِنَاءً عَلَى دُخُولِهِمْ الْجَنَّةَ وَعَلَيْهِ الْأَكْثَرُ، وَالْمَأْثُورُ عَنْ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ عَدَمُ دُخُولِهِمْ وَإِنَّمَا يَكُونُونَ فِي رَبَضِهَا، وَلَيْسَ الْمُرَادُ الْأَوْلِيَاءَ الْمُتَعَارَفَيْنِ وَهُمْ الْعَارِفُونَ بِرَبِّهِمْ حَسَبَ الْإِمْكَانِ الْمُوَاظِبُونَ عَلَى الطَّاعَاتِ الْمُجْتَنِبُونَ لِلْمَعَاصِي الْمُعْرِضُونَ عَنْ الِانْهِمَاكِ فِي الشَّهَوَاتِ وَاللَّذَّاتِ؛ لِأَنَّ الْوِلَايَةَ عَامَّةٌ وَهِيَ وِلَايَةُ الْإِيمَانِ وَخَاصَّةً وَهِيَ وِلَايَةُ هَؤُلَاءِ الْجَمَاعَةِ، وَالْجَنَّةُ لُغَةً الْبُسْتَانُ وَالْمُرَادُ بِهَا دَارُ الثَّوَابِ، وَهَلْ هِيَ سَبْعُ جَنَّاتٍ مُتَجَاوِرَاتٍ أَوْسَطُهَا وَأَفْضَلُهَا الْفِرْدَوْسُ وَهِيَ أَعْلَاهَا وَفَوْقَهَا عَرْشُ الرَّحْمَنِ وَمِنْهَا تَتَفَجَّرُ أَنْهَارُ الْجَنَّةِ، وَجَنَّةُ الْمَأْوَى، وَجَنَّةُ الْخُلْدِ، وَجَنَّةُ النَّعِيمِ، وَجَنَّةُ عَدْنٍ، وَدَارُ السَّلَامِ، وَدَارُ الْخُلْدِ، أَوْ أَرْبَعَةٌ وَرَجَّحَهُ جَمَاعَةٌ أَخْذًا بِظَاهِرِ قَوْله تَعَالَى: {وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ} [الرحمن: 46] . ثُمَّ قَالَ: وَمِنْ دُونِهِمَا جَنَّتَانِ وَقِيلَ وَاحِدَةٌ، وَالْأَسْمَاءُ وَالصِّفَاتُ جَارِيَةٌ عَلَيْهَا لِتَحَقُّقِ مَعَانِيهَا كُلِّهَا

اسم الکتاب : الفواكه الدواني على رسالة ابن أبي زيد القيرواني المؤلف : النفراوي، شهاب الدين    الجزء : 1  صفحة : 82
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست