responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : الفواكه الدواني على رسالة ابن أبي زيد القيرواني المؤلف : النفراوي، شهاب الدين    الجزء : 1  صفحة : 84
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــQمَا فِيهِ، وَأَمَّا الْحَيَوَانَاتُ الَّتِي لَا عَقْلَ لَهَا فَلَا تَرَاهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى لَا فِي الْجَنَّةِ وَلَا فِي الْمَوْقِفِ، وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ وَلَوْ الَّتِي تَدْخُلُ الْجَنَّةَ؛ لِأَنَّ الْوَارِدَ فِي النُّصُوصِ فِي رُؤْيَةِ الْعُقَلَاءِ وَحَرَّرَ الْمَسْأَلَةَ.
الثَّانِي: يَدْخُلُ فِيمَنْ يَرَاهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى كُلُّ مَنْ يُحْكَمُ لَهُ بِالْإِيمَانِ وَلَوْ غَيْرَ مُكَلَّفٍ، حَتَّى يَتَنَاوَلَ الصِّبْيَانَ وَالْمَلَائِكَةَ وَمُؤْمِنَ الْجِنِّ وَالْأُمَمَ السَّابِقَةِ وَالْبُلْهَ وَالْمَجَانِينَ الَّذِينَ أَدْرَكَهُمْ الْبُلُوغُ عَلَى الْجُنُونِ وَمَاتُوا عَلَيْهِ، وَمَنْ اتَّصَفَ بِالتَّوْحِيدِ مِنْ أَهْلِ الْفَتْرَةِ؛ لِأَنَّ إيمَانَهُمْ صَحِيحٌ، إذْ هُوَ فِي حُكْمِ مَا جَاءَ بِهِ الرُّسُلُ فِي الْجُمْلَةِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ غَيْرَ هَذِهِ الْأُمَّةِ يَرَوْنَهُ فِي الْجَنَّةِ وَهِيَ مَحَلُّ الرُّؤْيَةِ مِنْ غَيْرِ خِلَافٍ، وَخَالَفَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ فَقَالَ: رُؤْيَتُهُ تَعَالَى فِي الْجَنَّةِ مُخْتَصَّةٌ بِمُؤْمِنِ الْإِنْسِ.
وَأَمَّا الْمَلَائِكَةُ وَمُؤْمِنُوا الْجِنِّ فَلَا يَرَوْنَهُ إلَّا جِبْرِيلَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فَإِنَّهُ يَرَاهُ، وَأَمَّا رُؤْيَتُهُ تَعَالَى فِي عَرَصَاتِ الْقِيَامَةِ فَتَقَدَّمَ أَنَّهَا حَاصِلَةٌ لِكُلِّ أَحَدٍ وَقَالَ قَاصِرَةٌ عَلَى الْمُؤْمِنِ، وَقِيلَ: يَرَاهُ الْكَافِرُ أَوَّلًا ثُمَّ يُحْجَبُ عَنْهُ لِتَكُونَ الْحَجْبَةُ حَسْرَةً لَهُ الثَّالِثُ: الرُّؤْيَةُ فِي الْجَنَّةِ تَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الرَّائِي، فَمِنْهُمْ مَنْ يَرَاهُ فِي الْجَنَّةِ بُكْرَةً وَعَشِيًّا كَالْأَنْبِيَاءِ وَالرُّسُلِ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَرَاهُ فِي الْعِيدِ أَوْ يَوْمَ الْجُمُعَةِ، الرَّابِعُ: الْكَلَامُ السَّابِقُ فِي رُؤْيَتِهِ تَعَالَى فِي غَيْرِ الدُّنْيَا لَكِنْ فِي الْمَوْقِفِ الصَّحِيحِ اخْتِصَاصُهَا بِالْمُؤْمِنِ كَمَا مَرَّ، وَمُقَابِلُهُ يَرَاهُ حَتَّى الْكَافِرُ مُطْلَقًا، وَقِيلَ: خُصُوصُ الْمُنَافِقِ ثُمَّ يُحْجَبُ، وَأَمَّا فِي الْجَنَّةِ فَالِاخْتِصَاصُ بِالْمُؤْمِنِ ظَاهِرٌ لِحُرْمَةِ الْجَنَّةِ عَلَى الْكَافِرِينَ، وَأَمَّا رُؤْيَتُهُ تَعَالَى فِي الدُّنْيَا فَهِيَ مِنْ الْجَائِزَاتِ الْعَقْلِيَّةِ بِدَلِيلِ طَلَبِ سَيِّدِنَا مُوسَى - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لَهَا مِنْ رَبِّهِ، وَلَكِنْ لَمْ تَقَعْ لَهُ عَلَى الْأَصَحِّ وَلَا لِغَيْرِهِ فِي الدُّنْيَا يَقِظَةً إلَّا لِمُحَمَّدٍ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لَيْلَةَ الْإِسْرَاءِ.
قَالَ النَّوَوِيُّ: " وَاَلَّذِي عَلَيْهِ أَكْثَرُ الْعُلَمَاءِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رَأَى رَبَّهُ بِعَيْنَيْ رَأْسِهِ لَيْلَةَ الْإِسْرَاءِ ".
وَأَمَّا مُوسَى فَفِي رُؤْيَتِهِ خِلَافٌ الْأَصَحُّ أَنَّهُ لَمْ يَرَهُ، فَمَنْ ادَّعَاهَا مِنْ آحَادِ النَّاسِ غَيْرُهُمَا فِي الدُّنْيَا يَقِظَةً فَهُوَ ضَالٌّ بِإِطْبَاقِ الْمَشَايِخِ.
وَفِي كُفْرِهِ قَوْلَانِ: فَفِي الْحَدِيثِ: «وَاعْلَمُوا أَنَّ أَحَدَكُمْ لَا يَرَى رَبَّهُ حَتَّى يَمُوتَ وَهُوَ قَاطِعٌ لِلنِّزَاعِ» . وَمَا يَقَعُ لِبَعْضِ الْمَشْهُورِينَ بِالْوِلَايَةِ مِنْ دَعْوَى رُؤْيَتِهِ تَعَالَى يَقِظَةً فَيَجِبُ حَمْلُهُ عَلَى الْمَعْرِفَةِ لَا الرُّؤْيَةِ الْبَصَرِيَّةِ، وَأَمَّا رُؤْيَتُهُ تَعَالَى فِي الْمَنَامِ فَلَا خِلَافَ فِي صِحَّتِهَا؛ لِأَنَّ الشَّيْطَانَ لَا يَتَمَثَّلُ بِهِ تَعَالَى.
الْخَامِسُ: وَقَعَ خِلَافٌ فِي كُفْرِ مَنْ أَنْكَرَ الرُّؤْيَةَ، فَنَقَلَ شُرَّاحُ هَذَا الْكِتَابِ كَالْجَزُولِيِّ وَالْأَقْفَهْسِيِّ وَالشَّاذِلِيِّ التَّكْفِيرَ، وَقَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ: وَأَمَّا مَسَائِلُ الْوَعْدِ وَالْوَعِيدِ وَالرُّؤْيَةِ وَخَلْقِ الْأَفْعَالِ وَبَقَاءِ الْأَعْرَاضِ وَالتَّوَلُّدِ وَشِبْهِهَا مِنْ الدَّقَائِقِ فَالْمَنْعُ مِنْ إكْفَارِ الْمُتَأَوِّلِينَ فِيهَا أَوْضَحُ، إذْ لَيْسَ فِي الْجَهْلِ شَيْءٌ مِنْهَا جَهْلٌ بِاَللَّهِ، وَلَا أَجْمَعَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى تَكْفِيرِ مَنْ جَهِلَ شَيْئًا مِنْهَا، نَعَمْ يُؤَدَّبُ وَيُفَسَّقُ إنْ لَمْ يَتُبْ، وَأَمَّا مَنْ لَا تَأْوِيلَ عِنْدَهُ أَصْلًا وَهُوَ الْعَابِدُ، وَالْجَاهِلُ الَّذِي لَمْ يَسْتَنِدْ إلَى شُبْهَةٍ فَيَكْفُرُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
وَلَمَّا جَرَى خِلَافٌ فِي الْجَنَّةِ الَّتِي يَحْصُلُ فِيهَا النَّظَرُ هَلْ هِيَ فِي الدُّنْيَا أَوْ هِيَ دَارُ الثَّوَابِ؟ بَيَّنَ الصَّحِيحَ مِنْ الْخِلَافِ بِقَوْلِهِ: (وَهِيَ) أَيْ الْجَنَّةُ بِمَعْنَى دَارٍ حَدِيثًا وَأَيَّدَهَا دَارَ خُلُودٍ وَأَكْرَمَ اللَّهُ فِيهَا أَوْلِيَاءَهُ (الَّتِي أُهْبِطَ) بِضَمِّ الْهَمْزَةِ لِبِنَائِهِ لِلْمَفْعُولِ بِمَعْنَى أُنْزِلَ (مِنْهَا آدَم) بِالرَّفْعِ عَلَى النِّيَابَةِ عَنْ الْفَاعِلِ وَمَنَعَ الصَّرْفَ الْعَلَمِيَّةُ وَالْعُجْمَةُ، وَلَوْ قَرَأَ أَهْبَطَ بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ وَالْفَاعِلُ ضَمِيرٌ مُسْتَتِرٌ عَلَى اللَّهِ لَصَحَّ نَصْبُ آدَمَ عَلَى الْمَفْعُولِيَّةِ، وَآدَمُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - هُوَ أَبُو الْبَشَرِ، سُمِّيَ بِذَلِكَ لِأُدْمَةِ لَوْنِهِ وَهِيَ حُمْرَةٌ تَمِيلُ إلَى سَوَادٍ، وَكُنْيَتُهُ إلَى الْجَنَّةِ أَبُو مُحَمَّدٍ، كَانَ هُبُوطُهُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ، كَمَا كَانَ خَلْقُهُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ فِي جَنَّةِ عَدْنٍ عِنْدَ الْجُمْهُورِ، وَمِنْهَا أُخْرِجَ وَأُنْزِلَ إلَى الْأَرْضِ بِأَرْضِ الْهِنْدِ، وَقِيلَ بِمَا خُلِقَ فِي الْأَرْضِ وَرُدَّ إلَيْهَا، وَعَاشَ أَلْفَ سَنَةٍ، وَكَانَتْ وَفَاتُهُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَدَفَنَهُ وَلَدُهُ شِيثٌ، بِغَارِ أَبِي قَيْسٍ: وَكَانَ طُولُهُ يَوْمَ خَلَقَهُ اللَّهُ مِنْ الطِّينِ خَمْسَمِائَةِ ذِرَاعٍ، وَمَاتَ وَطُولُهُ سِتُّونَ ذِرَاعًا، وَعَرْضُهُ سَبْعَةُ أَذْرُعٍ، وَكَانَ بَيْنَ خَلْقِهِ وَنَفْخِ الرُّوحِ فِيهِ أَرْبَعُ جُمَعٍ مِنْ جُمَعِ الْآخِرَةِ، وَكَانَ بَيْنَ دُخُولِهِ الْجَنَّةَ وَخُرُوجِهِ سِتَّةُ أَيَّامٍ، وَسَبَبُ هُبُوطِهِ أَنَّهُ نُهِيَ عَنْ أَكْلِ الشَّجَرَةِ فَأَكَلَ مِنْهَا، قِيلَ نَاسِيًا، وَقِيلَ مُتَأَوِّلًا ظَنًّا مِنْهُ أَنَّهَا غَيْرُ الَّتِي نُهِيَ عَنْهَا، وَاخْتُلِفَ فِي تِلْكَ الشَّجَرَةِ فَقِيلَ شَجَرَةُ التِّينِ، وَقِيلَ الْحِنْطَةُ، وَقِيلَ غَيْرُ ذَلِكَ، وَقَصَدَ الْمُصَنِّفُ بِقَوْلِهِ: وَهِيَ الَّتِي أُهْبِطَ مِنْهَا. . . إلَخْ، الرَّدَّ عَلَى مَنْ يَقُولُ: إنَّ الَّتِي أُهْبِطَ مِنْهَا آدَم جَنَّةٌ فِي الدُّنْيَا بِأَرْضِ عَدَنَ مُحْتَجًّا عَلَى ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى وَصَفَ جَنَّةَ أَوْلِيَائِهِ بِدَارِ الْخُلْدِ وَالْقَرَارِ وَالْمُقَامَةِ وَالسَّلَامِ وَالْجَزَاءِ، وَلَا خَوْفَ فِيهَا وَلَا نَصَبَ وَلَا لَغْوَ وَلَا تَأْثِيمَ وَلَا كَدَرَ وَلَا حَسَدَ، وَمَنْ دَخَلَهَا لَا يَخْرُجُ مِنْهَا، وَهَذِهِ الصِّفَاتُ مَنْفِيَّةٌ عَنْ جَنَّةِ آدَمَ لِأَنَّهُ أُخْرِجَ مِنْهَا وَكَذَبَ فِيهَا إبْلِيسُ وَأَثِمَ وَتَكَبَّرَ وَحَسَدَ، وَيَسْتَحِيلُ وَصْفُ اللَّهِ لَهَا بِصِفَةٍ هِيَ عَلَامَةٌ عَلَى خِلَافِهَا، وَأُجِيبَ عَمَّا اُسْتُدِلَّ بِهِ بِأَنَّ صِفَاتِ الْجَنَّةِ لَيْسَتْ ذَاتِيَّةً لَهَا، بَلْ يَجُوزُ وَصْفُهَا بِذَلِكَ فِي وَقْتٍ دُونَ وَقْتٍ، أَوْ يَكُونُ وَصْفُهَا بِتِلْكَ الْأَوْصَافِ مَوْقُوفًا عَلَى شَرْطٍ فَلَا تُوصَفُ بِهِ قَبْلَ ذَلِكَ الشَّرْطَ، وَلَمَّا كَانَ الْمُرَادُ بِالْجَنَّةِ فِي كَلَامِهِ دَارَ الثَّوَابِ عَلَى الصَّحِيحِ، وَكَانَ الْمُرَادُ بِآدَمَ فِي كَلَامِهِ أَيْضًا أَبَا الْبَشَرِ وَصَفَهُ بِقَوْلِهِ: (نَبِيُّهُ وَخَلِيفَتُهُ) أَيْ اللَّهِ تَعَالَى فِي حُكْمِهِ بِأَمْرِهِ

اسم الکتاب : الفواكه الدواني على رسالة ابن أبي زيد القيرواني المؤلف : النفراوي، شهاب الدين    الجزء : 1  صفحة : 84
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست