responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : الفواكه الدواني على رسالة ابن أبي زيد القيرواني المؤلف : النفراوي، شهاب الدين    الجزء : 1  صفحة : 76
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــQمَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ ذَلِكَ هَلْ يَكُونُ نَدَمًا عَلَيْهَا لِقُبْحِهَا مَعَ غَرَضٍ آخَرَ، وَالْحَقُّ أَنَّ جِهَةَ الْقُبْحِ إنْ كَانَتْ بِحَيْثُ لَوْ انْفَرَدَتْ لَتَحَقَّقَ النَّدَمِ فَتَوْبَةٌ وَإِلَّا فَلَا تَكُونُ تَوْبَةً، كَمَا إذَا كَانَ الْغَرَضُ مَجْمُوعَ الْأَمْرَيْنِ، وَجَرَى الْخِلَافُ فِي قَبُولِ التَّوْبَةِ عِنْدَ الْمَرَضِ، وَالظَّاهِرُ مِنْ كَلَامِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَبُولُهَا مَا لَمْ تَظْهَرْ عَلَامَاتُ الْمَوْتِ. وَحَقِيقَةُ النَّدَمِ تَحَزُّنٌ وَتَوَجُّعٌ عَلَى الْفِعْلِ وَتَمَّنِي كَوْنَهُ لَمْ يَقَعْ، وَقَالَ النَّوَوِيُّ: التَّوْبَةُ مَا اسْتَجْمَعَ ثَلَاثَةَ شُرُوطٍ: أَنْ يُقْلِعَ عَنْ الْمَعْصِيَةِ وَأَنْ يَنْدَمَ عَلَى فِعْلِهَا وَأَنْ يَعْزِمَ عَزْمًا جَازِمًا أَنْ لَا يَعُودَ إلَى مِثْلِهَا أَبَدًا
، فَإِنْ كَانَتْ الْمَعْصِيَةُ تَتَعَلَّقُ بِآدَمِيٍّ فَلَهَا شَرْطٌ رَابِعٌ وَهُوَ رَدُّ الْمَظَالِمِ إلَى أَهْلِهَا أَوْ تَحْصِيلُ الْبَرَاءَةِ مِنْهُ وَأَصْلُهَا النَّدَمُ وَهُوَ رُكْنُهَا الْأَعْظَمُ، وَإِذَا لَمْ يَرُدَّ الْمَظَالِمَ مَعَ الْإِمْكَانِ فَصَحَّحَ الْإِمَامُ تَوْبَتَهُ مَعَ الْجُمْهُورِ، وَقِيلَ إنَّهَا لَا تَصِحُّ إلَّا بِرَدِّ الْمَظَالِمِ إلَى أَهْلِهَا، فَإِنْ عَجَزَ لِفَقْدِهِ أَوْ لِغَيْبَةِ صَاحِبِهَا أَوْ مَوْتِهِ يَبْرَأُ بِتَصَدُّقِهِ بِهِ عَنْهُ إنْ أَمْكَنَهُ وَإِلَّا فَعَلَيْهِ بِتَكْثِيرِ حَسَنَاتِهِ وَالتَّضَرُّعِ إلَيْهِ أَنْ يُرْضِيَ عَنْهُ خَصْمَهُ، وَمِنْ الْقَتْلِ بِتَمْكِينِهِ نَفْسَهُ مِنْ الْقِصَاصِ.
وَفِي الْغِيبَةِ وَالشَّتْمِ وَالتَّكْفِيرِ وَالتَّبْدِيعِ بِتَكْذِيبِ نَفْسِهِ عِنْدَهُ إنْ لَمْ يَخْشَ فِتْنَةً، وَقَالَ مَالِكٌ: لَا يُشْتَرَطُ، وَعَنْ الْإِسْنَوِيِّ فِي بَعْضِ كُتُبِهِ وَكَذَلِكَ السَّنُوسِيُّ فِي بَعْضِ مُؤَلَّفَاتِهِ: التَّوْبَةُ مِنْ الْغَصْبِ وَالسَّرِقَةِ وَالْحِرَابَةِ وَنَحْوِ ذَلِكَ يُشْتَرَطُ فِي صِحَّتِهَا رَدُّ الْمَغْصُوبِ الْمَوْجُودِ الَّذِي لَمْ يَتَعَلَّقْ بِالذِّمَّةِ، وَأَمَّا مَا يَتَعَلَّقُ بِهَا لِاسْتِهْلَاكِهِ فَرَدُّ عِوَضِهِ لَيْسَ بِشَرْطٍ فِي صِحَّةِ التَّوْبَةِ مِنْ الْغَصْبِ عِنْدَ الْجُمْهُورِ، وَإِنَّمَا هُوَ وَاجِبٌ آخَرُ مُسْتَقِلٌّ بِنَفْسِهِ يَحْتَاجُ لِتَوْبَةٍ، وَيُمْكِنُ حَمْلُ كَلَامِ الْإِمَامِ الْمُتَقَدِّمِ الَّذِي نَسَبَهُ لِلْجُمْهُورِ عَلَى مَا إذَا كَانَتْ الْأَعْيَانُ قَدْ ذَهَبَتْ وَتَعَلَّقَتْ بِالذِّمَّةِ، وَأَمَّا مَعَ بَقَائِهَا فَلَا تَصِحُّ التَّوْبَةُ إلَّا بِرَدِّهَا، وَيُرَجِّحُ هَذَا مَا قَالَهُ الْأُجْهُورِيُّ مِنْ تَقْرِيرِهِ إلَّا فِي شَرْحِهِ.
وَلَا يُشْتَرَطُ فِي صِحَّتِهَا رَدُّ الْمَظَالِمِ إلَّا أَنْ تَكُونَ الْمَعْصِيَةُ الَّتِي تَابَ مِنْهَا مِنْ الْمَظَالِمِ فَلَا بُدَّ مِنْ رَدِّهَا مَعَ الْقُدْرَةِ، وَيُؤَيِّدُ هَذَا مَا يَأْتِي عَنْ إمَامِ الْحَرَمَيْنِ بَلْ هُوَ عَيْنُهُ وَهُوَ مَا إذَا تَابَ الْغَاصِبُ مِنْ الْغَصْبِ فَلَا بُدَّ مِنْ رَدِّ الذَّاتِ الْمَغْصُوبَةِ، وَأَيْضًا لَوْ لَمْ يَرُدَّ الْأَعْيَانَ مَعَ قِيَامِهَا لَمْ يَصْدُقُ عَلَيْهِ الْإِقْلَاعُ فِي الْحَالِ الَّذِي هُوَ مِنْ جُمْلَةِ أَرْكَانِهَا.
قَالَ فِي شَرْحِ الْمَقَاصِدِ: ثُمَّ الْمَعْصِيَةُ الَّذِي يَتُوبُ مِنْهَا إنْ كَانَتْ فِي خَالِصِ حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى فَقَدْ يَكْفِي النَّدَمُ كَمَا فِي ارْتِكَابِ الْفِرَارِ عِنْدَ الزَّحْفِ وَتَرْكِ الْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ، وَقَدْ يَفْتَقِرُ إلَى أَمْرٍ زَائِدٍ كَتَسْلِيمِ النَّفْسِ فِي الشُّرْبِ وَتَسْلِيمِ مَا وَجَبَ فِي تَرْكِ الزَّكَاةِ، وَإِنْ تَعَلَّقَتْ بِحُقُوقِ الْعِبَادِ لَزِمَ مَعَ النَّدَمِ رِضَا الْعَبْدُ أَوْ بَذْلُهُ إلَيْهِ إنْ كَانَ الذَّنْبُ ظُلْمًا كَمَا فِي الْغَصْبِ وَقَتْلِ الْعَمْدِ، وَلَزِمَ إرْشَادُهُ إنْ كَانَ الذَّنْبُ إضْلَالًا لَهُ وَاعْتِذَارُهُ إلَيْهِ إنْ كَانَ إيذَاءً كَمَا فِي الْغِيبَةِ، وَلَا يَلْزَمُ تَفْصِيلُ مَا اغْتَابَهُ بِهِ إلَّا إذَا بَلَغَهُ عَلَى وَجْهٍ أَفْحَشَ، وَلَكِنَّ التَّحْقِيقَ أَنَّ هَذَا الزَّائِدَ وَاجِبٌ آخَرُ عَنْ التَّوْبَةِ لِقَوْلِ إمَامِ الْحَرَمَيْنِ: إنَّ الْقَاتِلَ إذَا نَدِمَ مِنْ غَيْرِ تَسْلِيمِ نَفْسِهِ لِلْقِصَاصِ صَحَّتْ تَوْبَتُهُ فِي حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى، وَكَانَ مَنْعُ نَفْسِهِ مِنْ مُسْتَحِقِّ الْقِصَاصِ مَعْصِيَةً مُتَجَدِّدَةً تَسْتَدْعِي تَوْبَةً وَلَا تَقْدَحُ فِي التَّوْبَةِ مِنْ الْقَتْلِ، وَهَذَا بِخِلَافِ تَوْبَةِ الْغَاصِبِ مِنْ غَصْبِهِ فَإِنَّهَا لَا تَصِحُّ إلَّا بِرَدِّ الْمَغْصُوبِ الْمَوْجُودِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَصِحُّ النَّدَمُ عَلَيْهِ مَعَ إدَامَةِ الْيَدِ عَلَى الْمَغْصُوبِ فَفَرَّقَ بَيْنَ الْقَتْلِ وَالْغَصْبِ، قَالَهُ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ.
تَنْبِيهَاتٌ: الْأَوَّلُ: التَّوْبَةُ وَاجِبَةٌ شَرْعًا عَلَى الْفَوْرِ عَلَى كُلِّ مُكَلَّفٍ مُؤْمِنًا كَانَ أَوْ كَافِرًا، وَلَا يَجُوزُ تَأْخِيرُهَا وَلَوْ كَانَ الذَّنْبُ صَغِيرَةً، فَمَنْ أَخَّرَهَا عَصَى فَيَجِبُ عَلَيْهِ تَوْبَتَانِ دَلَّ عَلَى وُجُوبِهِمَا الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ وَإِجْمَاعُ الْأُمَّةِ، وَتَوْبَةُ الْكَافِرِ إسْلَامُهُ وَتُقْبَلُ تَوْبَةُ الْكَافِرِ قَطْعًا لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ} [الأنفال: 38] .
وَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «الْإِسْلَامُ يَجُبُّ مَا قَبْلَهُ» أَيْ يَقْطَعُهُ، وَهَلْ يُشْتَرَطُ مَعَ الْإِيمَانِ النَّدَمُ عَلَى الْكُفْرِ، وَبِهِ قَالَ الْإِمَامُ أَوَّلًا وَبِهِ قَالَ غَيْرُهُ؛ لِأَنَّ كُفْرَهُ مَمْحُوٌّ بِإِيمَانِهِ وَإِقْلَاعِهِ.
قَالَ تَعَالَى: {قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ} [الأنفال: 38] وَأَمَّا تَوْبَةُ الْمُؤْمِنِ الْعَاصِي فَقِيلَ تُقْبَلُ قَطْعًا وَقِيلَ ظَنًّا، مَعَ الِاتِّفَاقِ عَلَى قَبُولِهَا شَرْعًا لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ} [الشورى: 25] .
الثَّانِي: إذَا أَذْنَبَ التَّائِبُ هَلْ تَعُودُ عَلَيْهِ ذُنُوبُهُ أَمْ لَا؟ الصَّحِيحُ لَا تَعُودُ وَظَاهِرُهُ وَلَوْ عَادَ بِمَجْلِسِ التَّوْبَةِ وَلَكِنْ يُجَدِّدُ تَوْبَةً لِمَا اقْتَرَفَ، وَإِذَا تَابَ مِنْ بَعْضِ الذُّنُوبِ دُونَ بَعْضِهَا فَصَحَّحَ بَعْضُ الشُّيُوخِ قَبُولَ تَوْبَتِهِ مَعَ الْإِصْرَارِ عَلَى الْبَعْضِ الْآخَرِ بِدَلِيلِ صِحَّةِ إيمَانِ الْكَافِرِ مَعَ إدَامَتِهِ شُرْبَ الْخَمْرِ أَوْ الزِّنَا.
الثَّالِثُ: لَا يُشْتَرَطُ فِي صِحَّةِ التَّوْبَةِ تَعْيِينُ الذَّنْبِ إذَا تَابَ مِنْ الْبَعْضِ، وَتَصِحُّ التَّوْبَةُ مِنْ الذُّنُوبِ إجْمَالًا وَلَوْ لَمْ يَشُقَّ عَلَيْهِ التَّعْيِينُ خِلَافًا لِبَعْضِ شُرَّاحِ هَذَا الْكِتَابِ، وَمَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ وُجُوبِ تَعْيِينِ مَا اغْتَابَهُ بِهِ إذَا بَلَغَهُ عَلَى وَجْهٍ أَفْحَشَ مِنْهُ، وَإِنْ ذَكَرَهُ بَعْضُ الشُّرَّاحِ لَيْسَ مَذْهَبًا لِلْمَالِكِيَّةِ بَلْ عِنْدَهُمْ لَا يَجِبُ التَّفْصِيلُ مَعَ الْإِبْرَاءِ مُطْلَقًا، كَمَا أَنَّ مَذْهَبَهُمْ أَنَّ التَّوْبَةَ لَا تُسْقِطُ الْحُدُودَ وَلَا التَّعَازِيرَ إلَّا حَدَّ الْحِرَابَةِ مِنْ حَيْثُ هُوَ حَدُّهَا، وَيُسْتَحَبُّ التَّفْصِيلُ لِلْمُغْتَابِ مِنْ غَيْرِ وُجُوبٍ عَلَيْهِ، وَلَيْسَ فِي ذَلِكَ تَحْلِيلُ حَرَامٍ بَلْ إسْقَاطٌ لِحَقِّ الْمُبْرِئِ.
الرَّابِعُ: إذَا اُقْتُصَّ مِنْ الْقَاتِلِ هَلْ يَكُونُ الْقِصَاصُ بِمُجَرَّدِهِ كَفَّارَةً أَوْ لَا بُدَّ

اسم الکتاب : الفواكه الدواني على رسالة ابن أبي زيد القيرواني المؤلف : النفراوي، شهاب الدين    الجزء : 1  صفحة : 76
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست