responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : الفواكه الدواني على رسالة ابن أبي زيد القيرواني المؤلف : النفراوي، شهاب الدين    الجزء : 1  صفحة : 75
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــQوَأُمَّتُك إنِّي قَدْ أَمْضَيْت فَرِيضَتِي وَخَفَّفْت عَنْ عِبَادِي وَأَجْزِي بِالْحَسَنَةِ عَشْرَ أَمْثَالِهَا لِكُلِّ صَلَاةٍ عَشْرُ صَلَوَاتٍ» وَأَخْرَجَ أَحْمَدُ: «إنَّ اللَّهَ يُضَاعِفُ الْحَسَنَةَ إلَى أَلْفِ أَلْفِ حَسَنَةٍ» وَالْحَاصِلُ أَنَّ كَثْرَةَ الْمُضَاعَفَةِ وَقِلَّتَهَا بِحَسَبِ مَرَاتِبِ الْإِخْلَاصِ.
تَنْبِيهَاتٌ: الْأَوَّلُ: التَّضْعِيفُ إنَّمَا هُوَ فِي الْحَسَنَاتِ الْمَفْعُولَةِ وَلَوْ بِوَاسِطَةٍ. فَلَوْ هَمَّ بِحَسَنَةٍ فَلَمْ يَعْمَلْهَا لِمَانِعٍ كُتِبَتْ لَهُ وَاحِدَةٌ وَجُوزِيَ عَلَيْهَا مِنْ غَيْرِ تَضْعِيفٍ كَمَا لَا يَكُونُ إلَّا الْإِجْزَاءِ عِبَادَةٍ تَمَّتْ، فَلَا تَضْعِيفَ لِتَسْبِيحٍ وَخُشُوعٍ وَتَكْبِيرٍ وَقِرَاءَةٍ مِنْ رَكْعَةٍ مِنْ صَلَاةٍ قَطَعَهَا الْمُصَلِّي كَمَا حَكَى عَلَيْهِ بَعْضُهُمْ الْإِجْمَاعَ وَظَاهِرُهُ وَلَوْ لَمْ يَتَسَبَّبْ فِي قَطْعِهَا، وَبِقَوْلِنَا: الْمَفْعُولَةُ خَرَجَتْ الْمَأْخُوذَةُ فِي نَظِيرِ الظُّلَامَةِ فَلَا تُضَاعَفُ بَلْ لَهُ ثَوَابُهَا مِنْ غَيْرِ مُضَاعَفَةٍ كَالْحَسَنَاتِ الْفَرْعِيَّةِ؛ لِأَنَّ الْمُضَاعَفَةَ لِلْأَصْلِيَّةِ الْمَقْبُولَةِ لِذَا قَالَ تَعَالَى: {مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ} [الأنعام: 160] وَلَمْ يَقُلْ مَنْ عَمِلَ لِلْإِشَارَةِ إلَى أَنَّ الْإِثَابَةَ مَعَ التَّضْعِيفِ إنَّمَا تَكُونُ مَعَ الْقَبُولِ.
الثَّانِي: أَقَلُّ مَرَاتِبِ الْمُضَاعَفَةِ عَشْرَةٌ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا} [الأنعام: 160] وَظَاهِرُ الْآيَةِ أَنَّ لَهُ إحْدَى عَشْرَةَ وَلَيْسَ كَذَلِكَ، وَلَكِنَّ حَدِيثَ الْإِسْرَاءِ صَرِيحٌ فِي أَنَّ لَهُ بِكُلِّ حَسَنَةٍ عَشْرَةً فَقَطْ لِأَنَّهُ جَعَلَ الْخَمْسَ صَلَوَاتٍ بِخَمْسِينَ صَلَاةً، وَقَدْ تَكُونُ الْمُضَاعَفَةُ بِخَمْسِينَ لِخَبَرٍ «مَنْ قَرَأَ الْقُرْآنَ بِإِعْرَابِهِ. وَفِي بَعْضِ الْعِبَارَاتِ فَاعْتَبَرَ بِهِ فَلَهُ بِكُلِّ حَرْفٍ خَمْسُونَ حَسَنَةً، لَا أَقُولُ أَلَمْ حَرْفٌ وَلَكِنْ أَلْفٌ حَرْفٌ وَلَامٌ حَرْفٌ وَمِيمٌ حَرْفٌ» قَالَهُ الْغَزَالِيُّ، وَالْمُرَادُ بِإِعْرَابِهِ مَعْرِفَةُ مَعَانِي أَلْفَاظِهِ وَلَيْسَ الْمُرَادُ بِهِ الْمُصْطَلَحُ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ الْقِرَاءَةَ مَعَ اللَّحْنِ لَا تُعَدُّ قِرَاءَةً وَلَا ثَوَابَ عَلَيْهَا.
وَرُوِيَ «مَنْ قَرَأَهُ بِوُضُوءٍ فَلَهُ بِكُلِّ حَرْفٍ خَمْسُونَ حَسَنَةً، وَإِنْ قَرَأَهُ فِي الصَّلَاةِ فَلَهُ بِكُلِّ حَرْفٍ مِائَةُ حَسَنَةٍ» ، وَلَا مَانِعَ مِنْ كَوْنِ الْقِرَاءَةِ مَعَ الِاعْتِبَارِ كَالْقِرَاءَةِ عَلَى وُضُوءٍ، فَلَا مُخَالَفَةَ بَيْنَ الرِّوَايَتَيْنِ مِمَّا لَهُ الثَّوَابُ مِنْ غَيْرِ نِهَايَةٍ فِي الْمُضَاعَفَةِ، الصَّائِمُ احْتِسَابًا وَالصَّابِرُ عَلَى مَا أَصَابَهُ وَعَلَى طَاعَتِهِ وَعَلَى تَرْكِ الْمَعْصِيَةِ.
الثَّالِثُ: الْحِكْمَةُ فِي تَضْعِيفِ الْحَسَنَاتِ لِئَلَّا يَصِيرَ الْعَبْدُ مُفْلِسًا إذَا اجْتَمَعَ مَعَ خُصَمَائِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، فَتُدْفَعُ لَهُ وَاحِدَةٌ مِنْ حَسَنَاتِهِ وَتَبْقَى لَهُ تِسْعَةٌ، فَمَظَالِمُ الْعِبَادِ تُوَفَّى مِنْ أُصُولِ حَسَنَاتِهِ وَلَا تُوَفَّى مِنْ التَّضْعِيفَاتِ؛ لِأَنَّهَا فَضْلُ اللَّهِ تَعَالَى فَلَا تَتَعَلَّقُ بِهَا الْعِبَادُ بَلْ يَدَّخِرُهَا إذَا أَدْخَلَهُ الْجَنَّةَ أَثَابَهُ بِهَا.
وَمِثْلَهُ حَدِيثُ: «كُلُّ عَمَلِ ابْنِ آدَمَ لَهُ إلَّا الصَّوْمَ فَإِنَّهُ لِي وَأَنَا أَجْزِي بِهِ» فَإِنَّ مَعْنَاهُ أَنَّهُ لَا يُؤْخَذُ فِي مَظَالِمِ الْعِبَادِ بِخِلَافِ غَيْرِهِ مِنْ الْأَعْمَالِ، بَلْ إذَا لَمْ يَبْقَ إلَّا الصَّوْمُ يَتَحَمَّلُ اللَّهُ عَنْهُ مَا بَقِيَ مِنْ الْمَظَالِمِ وَيُدْخِلُهُ الْجَنَّةَ، وَمِمَّا يَبْقَى لِصَاحِبِهِ كَثَوَابِ الصَّوْمِ مَا فِي عِدَّةِ الْحِصْنِ الْحَصِينِ: «كَلِمَتَانِ خَفِيفَتَانِ عَلَى اللِّسَانِ ثَقِيلَتَانِ فِي الْمِيزَانِ حَبِيبَتَانِ لِلرَّحْمَنِ: سُبْحَانَ اللَّهِ وَبِحَمْدِهِ سُبْحَانَ اللَّهِ الْعَظِيمِ مَنْ قَالَهَا مَعَ أَسْتَغْفِرُ اللَّهَ الْعَظِيمَ وَأَتُوبُ إلَيْهِ كُتِبَتْ لَهُ كَمَا قَالَهَا ثُمَّ عُلِّقَتْ بِالْعَرْشِ لَا يَمْحُوهَا ذَنْبٌ عَمِلَهُ صَاحِبُهَا حَتَّى يَلْقَى اللَّهَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مَخْتُومَةً كَمَا قَالَهَا» ، الرَّابِعُ: الثَّوَابُ الْمُجَازَى بِهِ عَلَى الْحَسَنَةِ يَجُوزُ أَنْ تُضَاعَفَ أَفْرَادُهُ.
قَالَ الْقُرْطُبِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ فِي حَدِيثِ: «مَنْ قَالَ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ كَانَتْ لَهُ عَدْلَ عَشْرِ رِقَابٍ وَكُتِبَ لَهُ مِائَةُ حَسَنَةٍ وَمُحِيَ عَنْهُ مِائَةُ سَيِّئَةٍ وَكَانَتْ لَهُ حِرْزًا مِنْ الشَّيْطَانِ بَقِيَّةَ يَوْمِهِ ثُمَّ تُضَاعَفُ كُلُّ حَسَنَةٍ مِنْ الْمِائَةِ بِعَشْرٍ» وَهُوَ صَرِيحٌ فِيمَا ذَكَرْنَا، وَمِنْ هَذَا الْمَعْنَى مَا قَالَهُ الْحَطَّابُ: إنَّ الصَّلَاةَ فِي جَمَاعَةٍ بِمِائَتَيْنِ وَخَمْسِينَ حَسَنَةً، فَإِنْ كَانَتْ فِي مَسْجِدِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَبِمِائَتِي أَلْفٍ وَخَمْسِينَ أَلْفًا، وَاَللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَنْ يَشَاءُ. الْخَامِسُ: قَدْ قَدَّمْنَا أَنَّ التَّضْعِيفَ مِنْ خُصُوصِيَّاتِ هَذِهِ الْأُمَّةِ وَلَيْسَتْ لَهُ غَايَةٌ وَإِنْ كَانَ لَهُ أَقَلُّ.

(وَ) مِمَّا مَنَّ اللَّهُ بِهِ وَيَجِبُ عَلَى كُلِّ مُكَلَّفٍ اعْتِقَادُهُ أَنَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى (صَفَحَ) أَيْ عَفَا عَلَى جِهَةِ التَّفَضُّلِ وَالْكَرَمِ (لَهُمْ) أَيْ عَنْهُمْ أَيْ جَمِيعِ عِبَادِهِ وَلَوْ كُفَّارًا، خِلَافًا لِمَا يُوهِمُهُ ظَاهِرُ كَلَامِهِ مِنْ قَصْرِهِ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ (بِالتَّوْبَةِ) وَهِيَ لُغَةً الرُّجُوعُ مِنْ تَابَ يَتُوبُ إذَا رَجَعَ يُسْتَعْمَلُ فِعْلَهَا بِالتَّاءِ الْمُثَنَّاةِ فَوْقَ وَبِالْمُثَلَّثَةِ وَبِالنُّونِ وَبِالْهَمْزِ مِنْ أَوَّلِهِ فَيُقَالُ: تَابَ وَثَابَ وَنَابَ وَأَنَابَ وَآبَ إذَا رَجَعَ وَيُسْنَدُ إلَى اللَّهِ وَإِلَى الْعَبْدِ.
قَالَ تَعَالَى: {ثُمَّ اجْتَبَاهُ رَبُّهُ فَتَابَ عَلَيْهِ وَهَدَى} [طه: 122] ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُوا. فَإِذَا أُسْنِدَ إلَى الْعَبْدِ أُرِيدَ بِهِ رُجُوعُهُ عَنْ الزَّلَّةِ إلَى النَّدَمِ، وَإِذَا أُسْنِدَ إلَى اللَّهِ أُرِيدَ بِهِ رُجُوعُ لُطْفِهِ وَنِعْمَتِهِ إلَى عَبْدِهِ، وَحَقِيقَتُهَا اصْطِلَاحًا وَشَرْعًا النَّدَمُ عَلَى الْمَعْصِيَةِ مِنْ حَيْثُ هِيَ مَعْصِيَةٌ مَعَ عَزْمِ أَنْ لَا يَعُودَ إلَيْهَا إذَا قَدَرَ، فَمَنْ نَدِمَ عَلَى شُرْبِ الْخَمْرِ لِمَا فِيهِ مِنْ الصُّدَاعِ أَوْ لِإِضَاعَةِ الْمَالِ لَمْ يَكُنْ تَائِبًا، وَقَوْلُنَا مَعَ عَزْمِ أَنْ لَا يَعُودَ زِيَادَةُ تَقْرِيرٍ؛ لِأَنَّ النَّادِمَ عَلَى الْأَمْرِ لَا يَكُونُ إلَّا كَذَلِكَ، وَلِذَلِكَ وَرَدَ فِي الْحَدِيثِ: «النَّدَمُ تَوْبَةٌ» وَقَوْلُنَا إذَا قَدَرَ لِأَنَّ مَنْ سُلِبَ الْقُدْرَةَ عَلَى الزِّنَا مَثَلًا وَانْقَطَعَ طَمَعُهُ مِنْ عَوْدِ الْقُدْرَةِ إلَيْهِ فَيَكْفِي فِي تَوْبَتِهِ النَّدَمُ عَلَى مَا فَعَلَ وَتَصِحُّ تَوْبَتُهُ بِإِجْمَاعِ الْمُسْلِمِينَ كَمَا يُفْهَمُ مِنْ كَلَامِ الْآمِدِيِّ، وَأَمَّا النَّدَمُ لِخَوْفِ النَّارِ أَوْ لِلطَّمَعِ فِي الْجَنَّةِ فَهَلْ يَكُونُ تَوْبَةً فِيهِ تَرَدُّدٌ

اسم الکتاب : الفواكه الدواني على رسالة ابن أبي زيد القيرواني المؤلف : النفراوي، شهاب الدين    الجزء : 1  صفحة : 75
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست