responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : الفواكه الدواني على رسالة ابن أبي زيد القيرواني المؤلف : النفراوي، شهاب الدين    الجزء : 1  صفحة : 60
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــQيَكُونُ كُفْرًا إذَا رَضِيَ بِهِ مِنْ حَيْثُ ذَاتِهِ لَا مِنْ حَيْثُ إنَّ اللَّهَ قَضَاهُ.
قَالَهُ الْغَزَالِيُّ وَوَضَّحَهُ السَّيِّدُ بِقَوْلِهِ: إنَّ لِلْكُفْرِ نِسْبَةً إلَى اللَّهِ بِاعْتِبَارِ إيجَادِهِ لَهُ، وَنِسْبَةً إلَى الْمَخْلُوقِ بِاعْتِبَارِ تَحْلِيَتِهِ بِهِ، وَإِنْكَارُهُ إنَّمَا يَجِبُ بِاعْتِبَارِ النِّسْبَةِ الثَّانِيَةِ دُونَ الْأُولَى، وَالرِّضَا بِهِ إنَّمَا يَجِبُ بِاعْتِبَارِ النِّسْبَةِ الْأُولَى دُونَ الثَّانِيَةِ، فَإِذَا ابْتَلَى اللَّهُ الْإِنْسَانَ بِالْمَرَضِ فَتَأَلَّمَ مِنْهُ بِمُقْتَضَى طَبْعِهِ مَعَ كَوْنِهِ لَمْ يَنْسِبْ لِلْبَارِئِ جَوْرًا فَهَذَا عَدَمُ رِضًا بِالْمَقْضِيِّ لَا بِالْقَضَاءِ، وَإِنْ قَالَ: لَمْ أَفْعَلْ شَيْئًا حَتَّى أَسْتَوْجِبَ هَذَا فَهَذَا عَدَمُ رِضًا بِالْقَضَاءِ، فَنَحْنُ مَأْمُورُونَ بِالرِّضَا بِالْقَضَاءِ وَلَا نَتَعَرَّضُ لِجِهَةِ رَبِّنَا إلَّا بِالْإِجْلَالِ وَالتَّعْظِيمِ، وَلَا نَتَعَرَّضُ لِمَا هُوَ مِنْ سَلْطَنَتِهِ وَقَهْرِهِ؛ لِأَنَّهُ خَالِقُنَا وَمَالِكُنَا، فَفِعْلُهُ الْمُخَالِفُ لِطَبَائِعِنَا وَمُشْتَهَانَا لَا يُعَدُّ ظُلْمًا؛ لِأَنَّ الظُّلْمَ تَصَرُّفُ الْفَاعِلِ فِي غَيْرِ مَمْلُوكِهِ، وَأَمَّا خِطَابُنَا وَأَمْرُنَا بِأَنْ تَطِيبَ لَنَا الْبَلَايَا وَالرَّزَايَا وَمُؤْلِمَاتُ الْحَوَادِثِ فَلَمْ تَرِدْ الشَّرِيعَةُ بِذَلِكَ، إذْ الْوَارِدُ تَكْلِيفُ الْإِنْسَانِ بِمَا فِي وُسْعِهِ مِنْ الطَّاعَاتِ، فَلَا يَجِبُ عَلَى نَحْوِ: الْأَرْمَدِ وَالْمُجْزَمِ أَنْ يَسْتَطِيبَ مَرَضَهُ، بَلْ ذَمَّ اللَّهُ قَوْمًا لَا يَتَأَلَّمُونَ بِذَلِكَ، بَلْ الْمَطْلُوبُ التَّأَلُّمُ لِيَطْلُبَ مِنْ اللَّهِ رَفْعَ ذَلِكَ وَيَلْجَأَ إلَيْهِ، تَقَدَّمَ ذَمُّ اللَّهِ مَنْ لَمْ يُبَالِ بِالشَّدَائِدِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلَقَدْ أَخَذْنَاهُمْ بِالْعَذَابِ فَمَا اسْتَكَانُوا لِرَبِّهِمْ وَمَا يَتَضَرَّعُونَ} [المؤمنون: 76] فَمَنْ لَمْ يَسْتَكِنْ وَيُظْهِرْ الْجَزَعَ وَيَسْأَلُ رَبَّهُ الْإِقَالَةَ مِنْ الشِّدَّةِ فَهُوَ جَبَّارٌ عَنِيدٌ، هَذَا مُحَصَّلُ كَلَامِ السَّيِّدِ، وَلَا يَضُرُّ فِي هَذَا مَا وَقَعَ مِنْ بَعْضِ الْأَكَابِرِ فِي حَالِ اشْتِدَادِ مَرَضِهِ مِنْ طَلَبِ الزِّيَادَةِ حَيْثُ قَالَ: اللَّهُمَّ يَا رَبُّ إنْ كَانَ فِي هَذَا رِضَاك فَزِدْنَا مِنْهُ، لِإِمْكَانِ حَمْلِهِ عَلَى نَحْوِ الْأَنْبِيَاءِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
الثَّانِي: الْمَقْضِيُّ أَثَرُ الْقَضَاءِ، وَالْمَقْدُورُ أَثَرُ الْقُدْرَةِ، وَإِنَّمَا أَطَلْنَا فِي ذَلِكَ لِدَاعِي الْحَاجَةِ إلَى بَيَانِهِ.
ثُمَّ اسْتَدَلَّ عَلَى عُمُومِ تَعَلُّقِ عِلْمِهِ بِسَائِرِ الْكَائِنَاتِ بِقَوْلِهِ: {أَلا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ} [الملك: 14] مَعْنَى هَذَا التَّرْكِيبِ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَعْلَمُ سَائِرَ الْمَخْلُوقَاتِ وَمَا يَصْدُرُ مِنْهَا مِنْ قَوْلٍ أَوْ فِعْلٍ؛ لِأَنَّ الصَّانِعَ لِشَيْءٍ يَعْلَمُ مَا أَوْقَعَ صَنْعَتُهُ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ أَلَا هَذِهِ مُرَكَّبَةٌ مِنْ هَمْزَةِ الِاسْتِفْهَامِ الْإِنْكَارِيِّ وَلَا النَّافِيَةِ وَمَعْنَاهَا تَحْقِيقُ مَا بَعْدَهَا؛ لِأَنَّ الِاسْتِفْهَامَ إذَا دَخَلَ عَلَى نَفْيٍ أَبْطَلَهُ وَأَفَادَ الْإِثْبَاتَ وَالتَّقْدِيرُ هُوَ الْمَقْصُودُ، وَيَسْتَحِيلُ أَنْ يَكُونَ الِاسْتِفْهَامُ عَلَى بَابِهِ لِاسْتِحَالَتِهِ عَلَى اللَّهِ، وَمَنْ فِي مَحَلِّ رَفْعٍ عَلَى الْفَاعِلِيَّةِ لِيَعْلَمَ وَالْمَفْعُولُ مَحْذُوفٌ وَالتَّقْدِيرُ: {أَلا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ} [الملك: 14] أَيْ الَّذِي خَلَقَ مَخْلُوقَهُ، فَيَكُونُ الْمَفْعُولُ مَحْذُوفًا لِلْعُمُومِ الْمُتَنَاوِلِ لِلْعَاقِلِ وَغَيْرِهِ فَيَشْمَلُ أَعْمَالَ الْعِبَادِ، هَذَا قَوْلُ أَهْلِ السُّنَّةِ، وَقَالَتْ الْمُعْتَزِلَةُ: مَنْ فِي مَحَلِّ نَصْبٍ عَلَى الْمَفْعُولِيَّةِ لِيَعْلَمَ، وَفَاعِلُهُ ضَمِيرٌ مُسْتَتِرٌ فِيهِ عَائِدٌ عَلَى اللَّهِ، وَالتَّقْدِيرُ: أَلَا يَعْلَمُ اللَّهُ مَنْ خَلَقَ وَمَنْ لِلْعَاقِلِ، فَاَللَّهُ يَعْلَمُ عِبَادَهُ دُونَ أَفْعَالِهِمْ، وَهَذَا مَذْهَبٌ بَاطِلٌ بِشَهَادَةِ قَوْله تَعَالَى: {عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ} [الأنعام: 73] وقَوْله تَعَالَى: {وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ - لا يَعْزُبُ عَنْهُ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلا فِي الأَرْضِ} [سبأ: 282 - 3] وَغَيْرُ ذَلِكَ مِنْ الْآيَاتِ الدَّالَّةِ عَلَى إحَاطَةِ عِلْمِهِ بِجَمِيعِ الْأَشْيَاءِ حَتَّى حَقِيقَةِ ذَاتِهِ وَصِفَاتِهِ، وَلَا يُعَارِضُ هَذَا الْإِتْيَانُ بِمَنْ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ الْمُرَادُ مِنْ كَوْنِهَا لِمَنْ يَعْقِلُ أَنَّهَا لَا تُسْتَعْمَلُ فِي غَيْرِهِ مُطْلَقًا، لِئَلَّا يُخَالِفَ مَا نَصُّوا عَلَيْهِ مِنْ اسْتِعْمَالِهَا فِي غَيْرِهِ، إمَّا لِلتَّغْلِيبِ نَحْوُ: {وَلِلَّهِ يَسْجُدُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ} [النحل: 49] أَوْ لِاقْتِرَانِهِ بِغَيْرِ الْعَاقِلِ فِي عُمُومِ فَصْلٍ بِمَنْ نَحْوُ: {وَاللَّهُ خَلَقَ كُلَّ دَابَّةٍ مِنْ مَاءٍ فَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلَى بَطْنِهِ وَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلَى رِجْلَيْنِ وَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلَى أَرْبَعٍ} [النور: 45] أَوْ لِأَجْلِ التَّشْبِيهِ نَحْوُ:
أَسِرْبُ الْقَطَا هَلْ مَنْ يُعِيرُ جَنَاحَهُ ... لَعَلِّي إلَى مَنْ قَدْ هَوَيْت أَطِيرُ
وَغَيْرُ ذَلِكَ مِمَّا هُوَ مَبْسُوطٌ فِي كُتِبَ عِلْمِ الْعَرَبِيَّةِ.
وَحَاصِلُ مَذْهَبِ أَهْلِ السُّنَّةِ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى عَالِمٌ بِجَمِيعِ الْمَخْلُوقَاتِ وَبِأَفْعَالِهَا بَعْدَ خَلْقِهَا وَقَبْلَ خَلْقِهَا، خِلَافًا لِلْقَدَرِيَّةِ الْأُولَى مِنْ الْمُعْتَزِلَةِ فِي قَوْلِهِمْ: إنَّ اللَّهَ لَمْ يَسْبِقْ عِلْمُهُ بِالْأَشْيَاءِ قَبْلَ وُجُودِهَا، وَيَزْعُمُونَ أَنَّ اللَّهَ لَمْ يُقَدِّرْ الْأُمُورَ أَزَلًا وَلَمْ يَتَقَدَّمْ عِلْمُهُ بِهَا وَإِنَّمَا يَأْتَنِفُهَا حَالَ وُقُوعِهَا، وَلَا شَكَّ فِي كُفْرِ هَؤُلَاءِ وَلِذَلِكَ قَرَضَهُمْ اللَّهُ تَعَالَى وَلَمْ يَبْقَ الْآنَ مِنْهُمْ أَحَدٌ. (وَهُوَ) أَيْ اللَّهُ تَعَالَى مَعَ كَوْنِهِ خَالِقًا لِسَائِرِ الْعِبَادِ وَعَالِمًا بِمَا أَكَنَّتْهُ صُدُورُهُمْ مِنْ خَيْرٍ أَوْ شَرٍّ (اللَّطِيفُ) بِهِمْ فِي سَائِرِ تَقَلُّبَاتِهِمْ، فَلَطِيفٌ بِمَعْنَى مُلْطِفٍ أَيْ مُحْسِنٍ وَمُوصِلٍ لِعِبَادِهِ النِّعَمَ بِرِفْقٍ، وَمِنْ لُطْفِهِ أَنْ أَعْطَاهُمْ فَوْقَ الْكِفَايَةِ وَكَلَّفَهُمْ دُونَ الطَّاقَةِ، وَقِيلَ بِمَعْنَى الْبَاطِنِ وَهُوَ الَّذِي لَا يُتَصَوَّرُ فِي الْأَوْهَامِ وَلَا يُتَخَيَّلُ فِي الضَّمَائِرِ فَهُوَ اسْمُ تَنْزِيهٍ، وَقِيلَ مَعْنَى اللَّطِيفِ الْعَالِمُ بِخَفِيَّاتِ الْأُمُورِ وَغَوَامِضِهَا وَالْمُرَادُ الْخَفَاءُ بِالنِّسْبَةِ إلَيْنَا، وَأَمَّا اللَّهُ تَعَالَى فَنِسْبَةُ جَمِيعِ الْكَائِنَاتِ إلَيْهِ سَوَاءٌ وَهُوَ أَيْضًا (الْخَبِيرُ) أَيْ الْعَلِيمُ بِهِمْ وَالْمُطَّلِعُ عَلَى أَفْعَالِهِمْ الْمُشَاهِدُ لَهَا، ثُمَّ اسْتَدَلَّ عَلَى مَنْ سَبَقَ مِنْ قَوْلِهِ: لَا يَكُونُ مِنْ عِبَادِهِ قَوْلٌ وَلَا عَمَلٌ إلَّا قَدْ قَضَاهُ إلَخْ بِقَوْلِهِ: (يُضِلُّ) سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى (مَنْ يَشَاءُ) إضْلَالَهُ (فَيَخْذُلُهُ) أَيْ يُصَيِّرُهُ مَخْذُولًا ضَالًّا.

اسم الکتاب : الفواكه الدواني على رسالة ابن أبي زيد القيرواني المؤلف : النفراوي، شهاب الدين    الجزء : 1  صفحة : 60
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست