responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : الفواكه الدواني على رسالة ابن أبي زيد القيرواني المؤلف : النفراوي، شهاب الدين    الجزء : 1  صفحة : 61
بِعَدْلِهِ، وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ فَيُوَفِّقُهُ بِفَضْلِهِ، فَكُلٌّ مُيَسَّرٌ بِتَيْسِيرِهِ: إلَى مَا سَبَقَ مِنْ عِلْمِهِ وَإِرَادَتِهِ مِنْ شَقِيٍّ، أَوْ سَعِيدٍ، تَعَالَى أَنْ يَكُونَ فِي مُلْكِهِ مَا لَا يُرِيدُ، أَوْ يَكُونَ لِأَحَدٍ عَنْهُ غِنًى، أَوْ يَكُونَ خَالِقٌ لِشَيْءٍ إلَّا هُوَ: رَبُّ الْعِبَادِ وَرَبُّ
ـــــــــــــــــــــــــــــQ (بِعَدْلِهِ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ) هِدَايَتَهُ (فَيُوَفِّقُهُ) أَيْ يُصَيِّرُهُ مُوَفَّقًا مَهْدِيًّا (بِفَضْلِهِ) لِمَا تَقَدَّمَ مِنْ أَنَّ الضَّلَالَ وَالْخِذْلَانَ بِمَعْنًى وَاحِدٍ وَهُوَ خَلْقُ قُدْرَةِ الْمَعْصِيَةِ فِي الْعَبْدِ، وَالْهِدَايَةُ وَالتَّوْفِيقُ بِمَعْنًى أَيْضًا وَهُوَ خَلْقُ الْقُدْرَةِ عَلَى الطَّاعَةِ، وَالْمُرَادُ بِالْقُدْرَةِ الْعَرَضُ الْمُقَارِنُ لِلْفِعْلِ لَا مُجَرَّدُ سَلَامَةِ الْآلَاتِ، فَلَا يَرِدْ الْكَافِرُ وَإِنَّمَا لَمْ يَقُلْ فَيُضِلُّهُ فِي الْأَوَّلِ وَيَهْدِيه فِي الثَّانِي لِمُجَرَّدِ التَّفَنُّنِ، وَلِرَكَاكَةِ تَكْرَارِ اللَّفْظِ وَالْعَدْلُ تَصَرُّفُ الْمَالِكِ فِي مِلْكِهِ مِنْ غَيْرِ حَجْرٍ عَلَيْهِ، وَالْفَضْلُ إعْطَاءُ الشَّيْءِ مِنْ غَيْرِ انْتِظَارِ عِوَضٍ عَلَيْهِ فِي الْحَالِ وَلَا فِي الْمَآلِ، وَيَخْذُلُ عَلَى وَزْنِ يَنْصُرُ فَهُوَ بِضَمِّ الذَّالِ.
قَالَ تَعَالَى: {وَإِنْ يَخْذُلْكُمْ فَمَنْ ذَا الَّذِي يَنْصُرُكُمْ مِنْ بَعْدِهِ} [آل عمران: 160] .
ثُمَّ فَرَّعَ عَلَى قَوْلِهِ يُضِلُّ. . . إلَخْ قَوْلَهُ: (فَكُلٌّ مُيَسَّرٌ) بِالتَّنْوِينِ مُبْتَدَأٌ وَخَبَرٌ، وَالتَّنْوِينُ عِوَضٌ عَنْ الْمُضَافِ إلَيْهِ؛ لِأَنَّ التَّقْدِيرَ فَكُلُّ شَيْءٍ مِنْ الْهِدَايَةِ وَالْإِضْلَالِ وَالتَّوْفِيقِ وَالْخِذْلَانِ مُهَوَّنٌ وَمُسَهَّلٌ (بِتَيْسِيرِهِ) وَتَسْهِيلِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى وَيَصِحُّ إضَافَةُ كُلٌّ الْمُبْتَدَأُ إلَى مُيَسَّرٌ وَالْخَبَرُ بِتَيْسِيرِهِ (إلَى) نَيْلِ (مَا سَبَقَ مِنْ عِلْمِهِ) أَيْ فِي عِلْمِهِ (وَإِرَادَتِهِ) ثُمَّ بَيَّنَ عُمُومَ مَا يَقُولُهُ (مِنْ) شَقَاوَةِ (شَقِيٍّ أَوْ) سَعَادَةِ (سَعِيدٍ) وَحَقِيقَةُ الشَّقَاوَةِ الْمَضَرَّةُ اللَّاحِقَةُ فِي الْعُقْبَى، فَمَنْ أَرَادَ لَهُ فِي الْأَزَلِ الشَّقَاوَةَ سَهَّلَ عَلَيْهِ عَمَلَ أَهْلِهَا، وَحَقِيقَةُ السَّعَادَةِ الْمَنْفَعَةُ اللَّاحِقَةُ فِي الْعُقْبَى، فَمَنْ أَرَادَ لَهُ تَعَالَى فِي سَابِقِ عِلْمِهِ السَّعَادَةَ تَسَهَّلَ عَلَيْهِ عَمَلُ أَهْلِهَا، وَكُلُّ مَا سَبَقَ فِي عِلْمِهِ وَتَعَلَّقَتْ بِهِ إرَادَتُهُ لَا مَحَالَةَ فِي وُقُوعِهِ، إذْ لَا تَغْيِيرَ وَلَا تَبْدِيلَ فِيمَا تَعَلَّقَ عِلْمُهُ بِوُقُوعِهِ، بِخِلَافِ مَا فِي اللَّوْحِ الْمَحْفُوظِ فَإِنَّهُ قَدْ يَتَغَيَّرُ.
قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {يَمْحُوا اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتَابِ} [الرعد: 39] وَهُوَ أَصْلُهُ الَّذِي لَا تَغْيِيرَ فِيهِ وَلَا تَبْدِيلَ، وَالسَّعِيدُ شَرْعًا عِنْدَ الْأَشَاعِرَةِ مَنْ يَمُوتُ عَلَى الْإِيمَانِ وَإِنْ كَانَ كَافِرًا، وَالشَّقِيُّ مَنْ يَمُوتُ عَلَى الْكُفْرِ وَلَوْ كَانَ مُؤْمِنًا، فَهُمَا أَزَلِيَّتَانِ أَيْ مُقَدَّرَتَانِ فِي الْأَزَلِ.
قَالَ صَاحِبُ الْجَوْهَرَةِ:
فَوْزُ السَّعِيدِ عِنْدَهُ فِي الْأَزَلِ ... كَذَا الشَّقِيُّ ثُمَّ لَمْ يَنْتَقِلْ
فَالسَّعَادَةُ الْمَوْتُ عَلَى الْإِيمَانِ، وَالشَّقَاوَةُ الْمَوْتُ عَلَى الْكُفْرِ وَيَتَرَتَّبُ عَلَى السَّعَادَةِ الْخُلُودُ فِي الْجَنَّةِ وَتَوَابِعُهُ، وَعَلَى الشَّقَاوَةِ الْخُلُودُ فِي النَّارِ وَتَوَابِعُهُ، وَلِهَذَا يَصِحُّ أَنْ يَقُولَ الشَّخْصُ: أَنَا مُؤْمِنٌ إنْ شَاءَ اللَّهُ نَظَرًا إلَى الْمَآلِ، خِلَافًا لِلْمَاتُرِيدِيَّة فِي عَدَمِ الْجَوَازِ نَظَرًا إلَى الْحَالِ وَلِذَلِكَ يَقُولُونَ: السَّعِيدُ الْمُؤْمِنُ وَالشَّقِيُّ الْكَافِرُ، وَمَنْ تَأَمَّلَ وَجَدَ الْخِلَافَ بَيْنَ الْفَرِيقَيْنِ لَفْظِيًّا.
تَنْبِيهٌ: إنَّمَا أَتَى الْمُصَنِّفُ بِهَذَا التَّفْرِيعِ إشَارَةً إلَى حَدِيثِ الْبُخَارِيِّ وَلَفْظُهُ: «لَيْسَ مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ إلَّا وَقَدْ فُرِغَ مِنْ مَقْعَدِهِ مِنْ الْجَنَّةِ وَالنَّارِ، قَالُوا: أَفَلَا نَتَّكِلُ؟ قَالَ: لَا اعْمَلُوا فَكُلٌّ مُيَسَّرٌ {فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى} [الليل: 5] {وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى} [الليل: 6] {فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى} [الليل: 7] » وَفُرِغَ بِالْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ أَيْ حُكِمَ عَلَيْهِ بِأَنَّهُ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ أَوْ النَّارِ وَقُضِيَ عَلَيْهِ بِذَلِكَ فِي الْأَزَلِ، أَفَلَا نَتَّكِلُ عَلَيْهِ أَيْ نَعْتَمِدُ عَلَيْهِ وَنُهْمِلُ الْعِلْمَ، إذْ الْمُقَدَّرُ كَائِنٌ سَوَاءٌ عَمِلْنَا أَوْ لَا؟ فَقَالَ: لَا بَلْ عَلَيْكُمْ بِالْأَعْمَالِ فَإِنَّ الَّذِي قُدِّرَ عَلَيْهِ بِأَنَّهُ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ يُسَهِّلُ اللَّهُ عَلَيْهِ عَمَلَ الصَّالِحِينَ، وَمَنْ قُدِّرَ عَلَيْهِ بِأَنَّهُ مِنْ أَهْلِ النَّارِ يَسَّرَ عَلَيْهِ عَمَلَ الضَّالِّينَ.
ثُمَّ اسْتَدَلَّ عَلَى الْكُلِّيَّةِ السَّابِقَةِ الْمَفْهُومُ مِنْهَا أَنَّ جَمِيعَ الْكَائِنَاتِ بِتَيْسِيرِ اللَّهِ وَإِرَادَتِهِ سَوَاءٌ كَانَتْ خَيْرًا أَوْ شَرًّا بِقَوْلِهِ: (تَعَالَى) أَيْ تَنَزَّهَ وَتَقَدَّسَ سُبْحَانَهُ عَنْ (أَنْ يَكُونَ) أَيْ يُوجَدَ (فِي مُلْكِهِ مَا لَا يُرِيدُ) إيجَادَهُ مِنْ خَيْرٍ أَوْ شَرٍّ (أَوْ) أَيْ وَتَعَالَى أَيْضًا عَنْ أَنْ (يَكُونَ لِأَحَدٍ) مِنْ الْخَلْقِ وَلَوْ أَفْضَلَهُمْ (عَنْهُ غِنًى) قَالَ تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللَّهِ} [فاطر: 15] وَعَدَمُ اسْتِغْنَاءِ غَيْرِهِمْ غَيْرُ مُتَوَهَّمٍ.
(فَائِدَةٌ) : وَقَعَ الْكَلَامُ بَيْنَ الْعُلَمَاءِ فِي الْأَفْضَلِ مِنْ الْغِنَى وَالْفَقْرِ وَالْكَفَافِ، وَاَلَّذِي قَالَهُ ابْنُ رُشْدٍ: لَا خِلَافَ أَنَّ الْغِنَى أَفْضَلُ مِنْ الْفَقْرِ لِمَنْ يُصْلِحُهُ الْغِنَى، وَأَنَّ الْفَقْرَ أَفْضَلُ لِمَنْ يُصْلِحُهُ الْفَقْرُ، وَقَدْ وَقَعَ الْخِلَافُ فِيمَنْ يَصْلُحُ حَالُهُ مَعَ كُلٍّ مِنْهُمَا، وَالْأَصَحُّ قَوْلُ مَنْ فَضَّلَ الْغِنَى قَالَهُ ابْنُ رُشْدٍ فِي فَتَاوِيهِ، وَذَكَرَ ابْنُ رُشْدٍ أَيْضًا فِي الْبَيَانِ أَنَّ الْفَقْرَ أَفْضَلُ مِنْ الْكَفَافِ، وَوَجَّهَ ذَلِكَ بِأَنَّ مَنْ عِنْدَهُ الْكَفَافُ إنَّمَا يُؤْجَرُ مِنْ وَجْهٍ وَهُوَ شُكْرُ نِعْمَةِ اللَّهِ عَلَى مَا أَعْطَاهُ مِنْ الْمَالِ وَالْفَقِيرُ مِنْ وَجْهَيْنِ: الصَّبْرُ عَلَى الْفَقْرِ مَعَ الرِّضَا بِهِ وَالشُّكْرُ، وَقَالَ بَعْضُ الشُّيُوخِ: يُفَضَّلُ الْغَنِيُّ الشَّاكِرُ عَلَى الْفَقِيرِ الصَّابِرِ أَخْذًا مِنْ حَدِيثِ: «ذَهَبَ أَهْلُ الدُّثُورِ بِالْأُجُورِ» وَبَعْضٌ قَالَ بِالْعَكْسِ، وَاَلَّذِي عَلَيْهِ الْحَافِظُ ابْنُ حَجَرٍ الْأَوَّلُ، وَالْمُرَادُ بِالْغَنِيِّ الشَّاكِرِ الَّذِي يَكْتَسِبُ الْمَالَ مِنْ

اسم الکتاب : الفواكه الدواني على رسالة ابن أبي زيد القيرواني المؤلف : النفراوي، شهاب الدين    الجزء : 1  صفحة : 61
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست