responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : الفواكه الدواني على رسالة ابن أبي زيد القيرواني المؤلف : النفراوي، شهاب الدين    الجزء : 1  صفحة : 59
قَوْلٌ وَلَا عَمَلٌ؛ إلَّا وَقَدْ قَضَاهُ وَسَبَقَ عِلْمُهُ بِهِ: {أَلا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ} [الملك: 14] يُضِلُّ مَنْ يَشَاءُ فَيَخْذُلُهُ
ـــــــــــــــــــــــــــــQفِي شَرْحِ مُسْلِمٍ: قَالَ الْقَاضِي رَوَيْنَاهُ بِرَفْعِ الْعَجْزِ وَالْكَيْسِ عَطْفًا عَلَى كُلٍّ وَبِجَرِّهِمَا عَطْفًا عَلَى شَيْءٍ قَالَ، وَيَحْتَمِلُ أَنَّ الْعَجْزَ هَذَا عَلَى ظَاهِرِهِ وَهُوَ عَدَمُ الْقُدْرَةِ، وَقِيلَ هُوَ تَرْكُ مَا يَجِبُ فِعْلُهُ وَالتَّسْوِيفُ بِهِ وَتَأْخِيرُهُ عَنْ وَقْتِهِ.
قَالَ: وَيُحْتَمَلُ الْعَجْزُ عَنْ الطَّاعَاتِ وَيَحْتَمِلُ الْعُمُومَ فِي أُمُورِ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، وَالْكَيْسُ ضِدُّ الْعَجْزِ وَهُوَ النَّشَاطُ وَالْحِذْقُ فِي الْأُمُورِ وَمَعْنَاهُ: أَنَّ الْعَاجِزَ قُدِّرَ عَجْزُهُ وَالْكَيِّسُ قُدِّرَ كَيْسُهُ.
وَفِي حَاشِيَةِ شَيْخِ الْإِسْلَامِ عَلِيِّ بْنِ النَّاظِمِ: وَالْكَيْسُ ضِدُّ الْحُمْقِ، وَفَسَّرَهُ الْبُخَارِيُّ بِالْوَلَدِ وَطَلَبِ النَّسْلِ.
قَالَهُ الشَّنَوَانِيُّ فِي حَاشِيَتِهِ عَلَى نَظْمِ ابْنِ هِشَامٍ.
تَنْبِيهَاتٌ الْأَوَّلُ: يَجِبُ الْإِيمَانُ بِالْقَدَرِ وَلَا يُحْتَجُّ بِهِ، فَمَنْ وَقَعَ فِي جَرِيمَةٍ عَمْدًا قُضِيَ عَلَيْهِ بِمُوجَبِهَا شَرْعًا مِنْ حَدٍّ أَوْ تَعْزِيرٍ، وَلَا يَكُونُ قَوْلُهُ قَدَّرَ اللَّهُ عَلَيَّ حُجَّةً وَعُذْرًا لَهُ يَدْفَعُ عَنْهُ الْمُؤَاخَذَةَ بِمُقْتَضَاهَا بَلْ هُوَ نَازِلٌ مَنْزِلَةَ الْإِخْبَارِ بِمَا لَا يُفِيدُ، الثَّانِي: إنْ قِيلَ إذَا ثَبَتَ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ عَدَمُ جَوَازِ الِاحْتِجَاجِ بِالْقَدَرِ فَكَيْفَ نَفْعَلُ فِيمَا وَقَعَ مِنْ مُحَاجَّةِ آدَمَ مَعَ مُوسَى - عَلَيْهِمَا السَّلَامُ -؟ فَقَدْ احْتَجَّ آدَم بِالْقَدَرِ وَلَامَهُ مُوسَى - عَلَيْهِمَا السَّلَامُ -، وَقَدْ أَشَارَ الْعَارِفُ بِاَللَّهِ تَعَالَى الشَّعْرَانِيُّ فِي الْقَوَاعِدِ الْكَشْفِيَّةِ لِذَلِكَ وَجَوَابُهُ بِقَوْلِهِ: فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي حَدِيثِ مُسْلِمٍ: «حَاجَّ آدَم بِالرَّفْعِ مُوسَى حِينَ اجْتِمَاعِهِمَا فِي السَّمَاءِ فَقَالَ مُوسَى: يَا آدَم أَنْتَ أَبُو الْبَشَرِ الَّذِي خَلَقَكَ اللَّهُ بِيَدِهِ وَأَسْجَدَ مَلَائِكَتَهُ لَك كَيْفَ أَكَلْت مِنْ الشَّجَرَةِ الَّتِي نَهَاك اللَّهُ عَنْهَا وَأَخْرَجْتَنَا مِنْ الْجَنَّةِ؟ فَقَالَ آدَم: وَأَنْتَ يَا مُوسَى الَّذِي اصْطَفَاكَ اللَّهُ لِكَلَامِهِ وَكَتَبَ لَك التَّوْرَاةَ بِيَدِهِ أَتَلُومُنِي عَلَى أَمْرٍ قَدْ قَدَّرَهُ عَلَيَّ قَبْلَ أَنْ يَخْلُقَنِي بِأَرْبَعِينَ سَنَةً» وَسَاغَ لِآدَمَ أَنْ يُعَبِّرَ بِقَدَرِ اللَّهِ الْقَدِيمِ بِأَرْبَعِينَ سَنَةً، فَالْجَوَابُ أَنَّ مُرَادَ آدَمَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أَرْبَعُونَ فَأَكْثَرُ أَوْ أَنَّ مُرَادَهُ بِالْأَرْبَعِينَ سَنَةً الْمُدَّةُ الَّتِي ظَهَرَ فِيهَا التَّقْدِيرُ فِي اللَّوْحِ الْمَحْفُوظِ لَا فِي أُمِّ الْكِتَابِ الَّذِي هُوَ مَكْنُونُ عِلْمِ اللَّهِ، وَمَا وَقَعَ مِنْهُ فِي جَوَابِ مُوسَى لَمْ يَكُنْ فِي دَارِ التَّكْلِيفِ؛ لِأَنَّ مِنْ الْمَعْلُومِ أَنَّ الْمُحَاجَّةَ إنَّمَا كَانَتْ بَعْدَ مَوْتِ آدَمَ وَمُوسَى لِمَا تَقَدَّمَ مِنْ أَنْ مَحَلَّ اجْتِمَاعِهِمَا كَانَ بِالسَّمَاءِ، فَلَا يَجُوزُ ارْتِكَابُ مِثْلِهِ فِي دَارِ التَّكْلِيفِ، الثَّالِثُ: الرِّضَا وَالْمَحَبَّةُ لَفْظَانِ مُتَرَادِفَانِ، وَحَقِيقَتُهُمَا إرَادَةُ الشَّيْءِ مِنْ غَيْرِ اعْتِرَاضٍ عَلَى فَاعِلِهِ وَهُمَا مِنْ اللَّهِ غَيْرِ الْمَشِيئَةِ وَالْإِرَادَةِ الْمُتَرَادِفَيْنِ أَيْضًا، بِدَلِيلِ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى يُرِيدُ سَائِرَ أَنْوَاعِ الْمَعَاصِي مِنْ كُفْرٍ وَغَيْرِهِ وَلَا يَرْضَى بِهَا مَعَ تَوَعُّدِ فَاعِلِهَا بِالْعُقُوبَةِ، هَذَا هُوَ مَذْهَبُ أَهْلِ السُّنَّةِ وَلَا يَصِحُّ غَيْرُهُ.
الرَّابِعُ: الظَّاهِرُ أَنَّ ذِكْرَ الْمُصَنِّفِ لِقَوْلِهِ: وَكُلُّ ذَلِكَ قَدْ قَدَّرَهُ اللَّهُ رَبُّنَا إلَخْ بَعْدَ قَوْلِهِ: وَالْإِيمَانُ بِالْقَدَرِ إلَخْ زِيَادَةُ إيضَاحٍ لِفَهْمِهِ مِمَّا قَبْلَهُ.

وَلَمَّا كَانَ عِلْمُهُ تَعَالَى مُتَعَلِّقًا بِسَائِرِ أَقْسَامِ الْحُكْمِ الْعَقْلِيِّ تَعَلُّقًا تَنْجِيزِيًّا قَدِيمًا قَالَ (عَلِمَ) تَعَالَى بِمَعْنَى تَعَلُّقِ عِلْمِهِ تَعَلُّقًا تَنْجِيزِيًّا قَدِيمًا (كُلُّ شَيْءٍ قَبْلَ كَوْنِهِ) أَيْ وُجُودِهِ (فَجَرَى) أَيْ وَقَعَ وَحَصَلَ ذَلِكَ الْمَقْدُورُ (عَلَى قَدَرِهِ) بِفَتْحِ الدَّالِ أَيْ عَلَى حَسَبِ مَا قَدَّرَهُ فِي سَابِقِ عِلْمِهِ، وَقَدْ تَقَرَّرَ أَنَّ تَعَلُّقَ الْقُدْرَةِ التَّنْجِيزَيَّ تَابِعٌ لِتَعَلُّقِ الْإِرَادَةِ التَّنْجِيزِيِّ وَتَعَلُّقَ الْإِرَادَةِ عَلَى وَفْقِ عِلْمِهِ، فَلَا يَقَعُ مَقْدُورٌ إلَّا عَلَى وَفْقِ عِلْمِهِ؛ فَلِذَلِكَ أَتَى بِفَاءِ السَّبَبِيَّةِ، وَالدَّلِيلُ عَلَى عُمُومِ عِلْمِهِ قَوْله تَعَالَى: {وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} [البقرة: 282] فَمَنْ أَنْكَرَ عِلْمَهُ تَعَالَى بِتَفَاصِيلِ الْأَشْيَاءِ الْكُلِّيَّاتِ وَالْجُزْئِيَّاتِ الْمُرَكَّبَاتِ وَالْبَسَائِطِ فَهُوَ كَافِرٌ، فَالْوَاجِبُ عَلَى الْمُكَلَّفِ اعْتِقَادُ أَنَّهُ (لَا يَكُونُ) أَيْ لَا يُوجَدُ (مِنْ عِبَادِهِ قَوْلٌ وَلَا عَمَلٌ) وَقَعَ عَمْدًا أَوْ سَهْوًا (إلَّا) وَالْحَالُ أَنَّهُ (قَدْ قَضَاهُ) أَيْ قَدَّرَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَأَرَادَهُ.
(وَسَبَقَ عِلْمُهُ) تَعَالَى (بِهِ) أَيْ بِالْمَذْكُورِ مِنْ قَوْلٍ أَوْ عَمَلٍ لِمَا تَقَدَّمَ مِنْ أَنَّ عِلْمَهُ تَعَالَى مُحِيطٌ بِالْأَشْيَاءِ قَبْلَ وُجُودِهَا، وَإِنَّمَا أَتَى بِهَذِهِ الْجُمْلَةِ مَعَ عِلْمِ مَعْنَاهَا مِنْ قَوْلِهِ قَبْلَهَا: عِلْمُ كُلِّ شَيْءٍ إلَخْ زِيَادَةٌ فِي الرَّدِّ عَلَى مَنْ يُنْكِرُ عِلْمَهُ تَعَالَى بِتَفَاصِيلِ الْأَشْيَاءِ، تَعَالَى اللَّهُ عَنْ أَنْ يَخْفَى عَلَيْهِ شَيْءٌ فِي الْأَرْضِ أَوْ فِي السَّمَاءِ.
وَفِي قَوْلِهِ: سَبَقَ عِلْمُهُ بِهِ الرَّدُّ عَلَى الْقَدَرِيَّةِ الْأُولَى الَّذِينَ يُنْكِرُونَ عِلْمَ الْبَارِئِ بِأَعْمَالِ الْعِبَادِ قَبْلَ وُقُوعِهَا مِنْهُمْ، وَإِنَّمَا يَعْلَمُهَا بَعْدَ وُجُودِهَا مِنْهُمْ.
قَالَ الْقُرْطُبِيُّ: وَهَؤُلَاءِ قَدْ انْقَرَضُوا، وَالْفِرْقَةُ الْأُخْرَى الْمَوْجُودَةُ الْيَوْمَ مُطْبِقَةٌ عَلَى أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ بِأَفْعَالِ الْعِبَادِ قَبْلَ وُقُوعِهَا، وَإِنَّمَا خَالَفُوا السَّلَفَ فِي قَوْلِهِمْ: إنَّ أَفْعَالَ الْعِبَادِ مَخْلُوقَةٌ لَهُمْ وَوَاقِعَةٌ مِنْهُمْ عَلَى جِهَةِ الِاسْتِقْلَالِ، وَهُوَ مَذْهَبٌ بَاطِلٌ أَيْضًا إلَّا أَنَّهُ أَخَفُّ مِنْ الْأَوَّلِ لِكُفْرِ أَصْحَابِ الْأَوَّلِ.
تَنْبِيهَاتٌ الْأَوَّلُ: قَدْ عُلِمَ مِمَّا ذَكَرْنَا أَنَّ الرِّضَا بِالْقَضَاءِ وَاجِبٌ مُطْلَقًا، وَأَمَّا الْمَقْضِيُّ فَالرِّضَا بِهِ بِحَسَبِ حُكْمِهِ، فَالرِّضَا بِالْوَاجِبِ كَالْإِيمَانِ وَاجِبٌ، وَالرِّضَا بِالْمَنْدُوبِ مَنْدُوبٌ، وَبِالْحَرَامِ حَرَامٌ، وَبِالْمُبَاحِ مُبَاحٌ، وَالْحَاصِلُ أَنَّ الرِّضَا بِالْكُفْرِ إنَّمَا

اسم الکتاب : الفواكه الدواني على رسالة ابن أبي زيد القيرواني المؤلف : النفراوي، شهاب الدين    الجزء : 1  صفحة : 59
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست