responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : الفواكه الدواني على رسالة ابن أبي زيد القيرواني المؤلف : النفراوي، شهاب الدين    الجزء : 1  صفحة : 58
اللَّهُ رَبُّنَا، وَمَقَادِيرُ الْأُمُورِ بِيَدِهِ وَمَصْدَرُهَا عَنْ قَضَائِهِ.

، عَلِمَ كُلَّ شَيْءٍ قَبْلَ كَوْنِهِ، فَجَرَى عَلَى قَدَرِهِ لَا يَكُونُ مِنْ عِبَادِهِ
ـــــــــــــــــــــــــــــQالْوَاقِعُ فِيهَا قَدِيمٌ؛ لِأَنَّهَا خَبَرُ اللَّهِ عَنْ الْمَحْكِيِّ، وَأَمَّا الْمَحْكِيُّ فَهُوَ الْمُحْدَثُ أَيْ الْإِسْنَادُ الْوَاقِعُ فِيهِ مُحْدَثٌ فَإِنَّهُ إسْنَادٌ مُحْدَثٌ، وَإِسْنَادُ الْمُحْدَثِ مُحْدَثٌ بِخِلَافِ الْإِسْنَادِ الْأَوَّلِ فَإِنَّهُ وَقَعَ مِنْ اللَّهِ تَعَالَى فَهُوَ قَدِيمٌ، فَقَدْ ظَهَرَ أَنَّ أَلْفَاظَ الْقُرْآنِ مُحْدَثَةٌ وَمَدْلُولَاتِهَا فِيهَا التَّفْضِيلُ، وَإِنَّمَا أَطَلْنَا فِي ذَلِكَ لِدَاعِي الْحَاجَةِ إلَى مَا ذَكَرْنَا.

(وَ) مِمَّا يَجِبُ اعْتِقَادُهُ عَلَيْك أَيُّهَا الْمُكَلَّفُ (الْإِيمَانُ) أَيْ التَّصْدِيقُ (بِالْقَدَرِ) بِتَحْرِيكِ الدَّالِ وَحُكِيَ تَسْكِينُهَا وَهُوَ مَصْدَرُ قَدَرْت الشَّيْءَ بِفَتْحِ الدَّالِ مُخَفَّفَةً إذَا أَحَطْت بِمِقْدَارِهِ، وَأَلْ عِوَضٌ عَنْ الْمُضَافِ إلَيْهِ أَيْ بِتَقْدِيرِ اللَّهِ الْأُمُورَ وَإِحَاطَتِهِ بِهَا، وَوُجُوبُ الْإِيمَانِ بِهِ يَسْتَدْعِي الرِّضَا بِهِ، وَالْقَدَرُ عِنْدَ الْمَاتُرِيدِيَّةِ تَحْدِيدُهُ تَعَالَى أَزَلًا كُلَّ مَخْلُوقٍ بِحَدِّهِ الَّذِي يُوجَدُ بِهِ مِنْ حُسْنٍ وَقُبْحٍ وَنَفْعٍ وَضَرٍّ، وَمَا يَحْوِيه مِنْ زَمَانٍ وَمَكَانٍ، وَمَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ مِنْ طَاعَةٍ وَعِصْيَانٍ، وَثَوَابٍ وَعِقَابٍ وَغُفْرَانٍ، وَعِنْدَ الْأَشَاعِرَةِ إيجَادُ اللَّهِ الْأَشْيَاءَ عَلَى قَدْرٍ مَخْصُوصٍ، وَتَقْدِيرٍ مُعَيَّنٍ فِي ذَوَاتِهَا وَأَحْوَالِهَا طِبْقَ مَا سَبَقَ بِهِ الْعِلْمُ الْقَدِيمُ وَالْمَالُ وَاحِدٌ وَلِذَا قَالَ بَعْضُهُمْ: الْمُرَادُ مِنْ الْقَدَرِ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى عَلِمَ مَقَادِيرَ الْأَشْيَاءِ وَأَزْمَانَهَا قَبْلَ إيجَادِهَا، ثُمَّ أَوْجَدَ مَا سَبَقَ فِي عِلْمِهِ أَنَّهُ يُوجَدُ، فَكُلُّ مُحْدَثٍ صَادِرٌ عَنْ عِلْمِهِ وَقُدْرَتِهِ وَإِرَادَتِهِ، هَذَا هُوَ الْمَعْلُومُ مِنْ الدِّينِ بِقَوَاطِعِ الْبَرَاهِينِ، وَعَلَيْهِ كَانَ السَّلَفُ مِنْ الصَّحَابَةِ وَخِيَارُ التَّابِعِينَ قَبْلَ حُدُوثِ الْقَدَرِيَّةِ الْمُخَالِفِينَ أَوْ بَدَلٌ مِنْ الْقَدَرِ. (خَيْرِهِ) وَهُوَ مَا كَانَ مِنْ أَنْوَاعِ الطَّاعَاتِ. (وَشَرِّهِ) وَهُوَ مَا كَانَ مِنْ أَنْوَاعِ الْمَعَاصِي. (حُلْوِهِ) وَهُوَ لَذَّةُ الطَّاعَةِ وَثَوَابُهَا. (وَمُرِّهِ) وَهُوَ مَشَقَّةُ الْمَعْصِيَةِ وَعُقُوبَتُهَا.
تَنْبِيهٌ: عُلِمَ مِمَّا ذَكَرْنَا أَنَّ الضَّمَائِرَ عَائِدَةٌ عَلَى الْقَدَرِ لِتَأَوُّلِهِ بِالْمَقْدُورِ مِنْ الْخَيْرِ وَالشَّرِّ، وَكَذَا مَا كَانَ مِنْ غَيْرِ أَنْوَاعِ الْخَيْرِ وَالشَّرِّ كَالْمُبَاحَاتِ فَإِنَّ الْجَمِيعَ بِتَقْدِيرِ اللَّهِ تَعَالَى، وَلَعَلَّهُ إنَّمَا اقْتَصَرَ عَلَى الْخَيْرِ وَالشَّرِّ لِفَهْمِ غَيْرِهِمَا مِنْ النَّصِّ عَلَيْهِمَا، لِأَنَّ الْقَصْدَ مِنْ تِلْكَ الْعِبَارَةِ التَّعْمِيمُ كَمَا تَقُولُ لِغَيْرِك: أَعْلَمُ مَا أَنْتَ عَلَيْهِ مِنْ خَيْرٍ أَوْ شَرٍّ وَقَصْدُك جَمِيعَ مَا هُوَ عَلَيْهِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
(وَ) يَجِبُ عَلَيْك أَيُّهَا الْمُكَلَّفُ أَنْ تَعْتَقِدَ أَنَّ (كُلَّ ذَلِكَ) الَّذِي مَرَّ مِنْ الْخَيْرِ وَالشَّرِّ وَمَا يَسْتَتْبِعُهُمَا (قَدْ قَدَّرَهُ) أَيْ حَدَّهُ وَخَصَّهُ بِزَمَانٍ وَمَكَانٍ (اللَّهُ رَبُّنَا) إذْ لَا مُوجِدَ وَلَا مُعْدِمَ لِشَيْءٍ مِنْ الْكَائِنَاتِ سِوَاهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، خِلَافًا لِلْمُعْتَزِلَةِ فِي قَوْلِهِمْ: إنَّ الْعَبْدَ خَالِقٌ لِأَفْعَالِ نَفْسِهِ، وَالْقَدَرِيَّةِ فِي قَوْلِهِمْ: إنَّهُ خَالِقٌ لِلْقَبِيحِ، وَدَلِيلُنَا مَعَاشِرَ أَهْلِ السُّنَّةِ لَوْ كَانَ الْعَبْدُ خَالِقًا لِأَفْعَالِهِ لَكَانَ يَعْلَمُ تَفَاصِيلَهَا ضَرُورَةً، إذْ إيجَادُ الشَّيْءِ بِالْقُدْرَةِ وَالِاخْتِيَارِ لَا يَكُونُ إلَّا كَذَلِكَ، وَاللَّازِمُ بَاطِلٌ فَإِنَّ الْمَشْيَ مِنْ مَوْضِعٍ إلَى مَوْضِعٍ قَدْ يَشْتَمِلُ عَلَى سَكَنَاتٍ مُتَخَلِّلَةٍ، وَعَلَى حَرَكَاتٍ بَعْضُهَا أَسْرَعُ مِنْ بَعْضٍ وَبَعْضُهَا أَبْطَأُ وَلَا شُعُورَ لِلْمَاشِي بِذَلِكَ، وَلَيْسَ هَذَا ذُهُولًا عَنْ الْعِلْمِ بَلْ لَوْ سَأَلَ لَمْ يَعْلَمْ وَهَذَا فِي أَظْهَرْ أَفْعَالِهِ فَمَا بَالُك بِغَيْرِ الظَّاهِرِ. (وَ) بِالْجُمْلَةِ فَيَجِبُ عَلَيْك اعْتِقَادُ أَنَّ (مَقَادِيرَ) جَمْعُ مِقْدَارٍ بِمَعْنَى مَقْدُورَاتٍ (الْأُمُورِ بِيَدِهِ) تَعَالَى أَيْ قُدْرَتِهِ. (وَمَصْدَرُهَا) أَيْ صُدُورُهَا وَإِخْرَاجُهَا مِنْ الْعَدَمِ إلَى الْوُجُودِ، وَكَوْنُهَا عَلَى الشَّكْلِ الَّذِي وُجِدَتْ عَلَيْهِ، وَفِي هَذَا الزَّمَانِ وَالْمَكَانِ كَائِنٌ. (عَنْ قَضَائِهِ) أَيْ إرَادَتِهِ؛ لِأَنَّ الْقَضَاءَ وَالْإِرَادَةَ بِمَعْنًى وَاحِدٍ، وَقَالَ التَّفْتَازَانِيُّ: الْقَضَاءُ عِبَارَةٌ عَنْ الْفِعْلِ مَعَ زِيَادَةِ إحْكَامٍ بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ أَيْ إتْقَانٍ، هَذَا حَقِيقَتُهُ عِنْدَ الْمَاتُرِيدِيَّةِ، وَقَالَ بَعْضُ الْأَشَاعِرَةِ: الْقَضَاءُ إرَادَةُ اللَّهِ الْأَزَلِيَّةُ الْمُتَعَلِّقَةُ بِالْأَشْيَاءِ عَلَى مَا هِيَ عَلَيْهِ فِيمَا لَا يَزَالُ، وَقَصَدَ الْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - بِذِكْرِ الْإِيمَانِ بِالْقَدَرِ وَاَلَّذِي بَعْدَهُ بَيَانَ وُجُوبِ اعْتِقَادِ عُمُومِ إرَادَةِ اللَّهِ وَقُدْرَتِهِ لِسَائِرِ الْمُمْكِنَاتِ وَإِحَاطَةِ عِلْمِهِ تَعَالَى بِسَائِرِ أَقْسَامِ الْحُكْمِ الْعَقْلِيِّ، وَالرَّدَّ عَلَى الْمُعْتَزِلَةِ الْمَعْرُوفِينَ بِالْقَدَرِيَّةِ وَهُمْ فِرْقَتَانِ: أُولَى وَهِيَ تُنْكِرُ سَبْقَ عِلْمِهِ بِالْأَشْيَاءِ قَبْلَ وُجُودِهَا وَتَزْعُمُ أَنَّهُ لَمْ يُقَدِّرْ الْأُمُورَ وَلَمْ يَتَقَدَّمْ عِلْمُهُ بِهَا أَزَلًا، وَإِنَّمَا يَعْلَمُهَا حَالَ وُقُوعِهَا وَهَذِهِ الْفِرْقَةُ قَرَضَهَا اللَّه. وَالثَّانِيَةُ يَعْتَرِفُونَ بِعِلْمِ اللَّهِ وَإِنَّمَا خَالَفُوا السَّلَفَ فِي اعْتِقَادِهِمْ أَنَّ الْعَمَلَ بِقُدْرَةِ الْعَبْدِ بِوَاسِطَةِ أَقْدَارِ اللَّهِ لَهُ وَتَمْكِينِهِ، وَلَا شَكَّ فِي كُفْرِ الْفِرْقَةِ الْأُولَى بِخِلَافِ الثَّانِيَةِ وَإِنْ كَانَ اعْتِقَادُهَا بَاطِلًا، وَأَشَارَ صَاحِبُ الْجَوْهَرَةِ لِهَذِهِ الْمَسْأَلَةِ بِقَوْلِهِ:
وَوَاجِبٌ إيمَانُنَا بِالْقَدَرِ ... وَبِالْقَضَا كَمَا أَتَى فِي الْخَبَرِ
لَا يُقَالُ: لَوْ كَانَ الرِّضَا بِالْقَضَاءِ وَاجِبًا لَوَجَبَ الرِّضَا بِالْكُفْرِ وَاللَّازِمُ بَاطِلٌ؛ لِأَنَّ الرِّضَا بِالْكُفْرِ كُفْرٌ؛ لِأَنَّا نَقُولُ: الْكُفْرُ مَقْضِيٌّ لَا قَضَاءٌ، وَالرِّضَا إنَّمَا يَجِبُ بِالْقَضَاءِ دُونَ الْمَقْضِيِّ، فَمَنْ قَضَى اللَّهُ عَلَيْهِ بِالزِّنَا أَوْ الْكُفْرِ وَالْعِيَاذُ بِاَللَّهِ فَالْوَاجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يُلَاحِظَ جِهَةَ الْمَعْصِيَةِ فَيَكْرَهَهَا، وَأَمَّا قَدَرُ اللَّهِ الْمُتَعَلِّقُ بِهِمَا فَاللَّازِمُ لَهُ الرِّضَا بِهِ، فَإِنْ سَخِطَ أَيْ لَمْ يَرْضَ كَانَ ذَلِكَ مَعْصِيَةً، وَأَشَارَ بِقَوْلِهِ كَمَا أَتَى فِي الْخَبَرِ إلَى أَنَّ دَلِيلَ ذَلِكَ سَمْعِيٌّ مِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «كُلُّ شَيْءٍ بِقَضَاءٍ وَقَدَرٍ حَتَّى الْعَجْزُ وَالْكَيْسُ» .
قَالَ

اسم الکتاب : الفواكه الدواني على رسالة ابن أبي زيد القيرواني المؤلف : النفراوي، شهاب الدين    الجزء : 1  صفحة : 58
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست