responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : الفواكه الدواني على رسالة ابن أبي زيد القيرواني المؤلف : النفراوي، شهاب الدين    الجزء : 1  صفحة : 47
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــQعَمَلًا بِظَاهِرِ قَوْله تَعَالَى: {أَتَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ} [الأعراف: 28] أَوْ خَبَرُ الْوَاحِدِ لَا يُحَصِّلُ عِلْمًا، وَأَجَازَهُ الْجُمْهُورُ؛ لِأَنَّهُ مِنْ بَابِ الْعَمَلِ وَالْعَمَلُ يَكْفِي فِيهِ خَبَرُ الْوَاحِدِ. (الْقَدِيرُ) أَيْ أَنَّ مِنْ أَسْمَاءِ اللَّهِ تَعَالَى الْقَدِيرُ عَلَى وَزْنِ فَعِيلٍ مُبَالَغَةً فِي الْقُدْرَةِ وَهِيَ صِفَةٌ تُؤَثِّرُ فِي الْمُمْكِنِ عِنْدَ تَعَلُّقِهَا بِهِ عَلَى وَفْقِ الْإِرَادَةِ الْمُتَعَلِّقَةِ بِالْمُمْكِنِ حَسْبَمَا فِي عِلْمِهِ تَعَالَى، وَقَوْلُنَا مُبَالَغَةً فِي الْقُدْرَةِ الْمُرَادُ بِهَا هُنَا الْكَثْرَةُ لَا الْمُبَالَغَةُ الْمَعْرُوفَةُ عِنْدَ النُّحَاةِ مِنْ أَنَّهَا إثْبَاتُك لِلشَّيْءِ أَكْثَرَ مِمَّا يَسْتَحِقُّهُ؛ لِأَنَّ صِفَاتِ الْبَارِي الَّتِي عَلَى صِفَةِ الْمُبَالَغَةِ كُلِّهَا مَجَازَاتٌ لِأَنَّهَا فِي تِلْكَ الْحَالَةِ لَا مُبَالَغَةَ فِيهَا؛ لِأَنَّ الْمُبَالَغَةَ فِيمَا يَقْبَلُ الزِّيَادَةَ وَالنَّقْصَ وَصِفَاتُهُ تَعَالَى مُنَزَّهَةٌ عَنْ ذَلِكَ، فَالصِّيغَةُ مُسْتَعْمَلَةٌ فِي غَيْرِ مَا وُضِعَتْ لَهُ وَهُوَ حَقِيقَةُ الْمَجَازِ، وَمَنْ عَرَفَ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَادِرٌ عَلَى تَغْيِيرِ كُلِّ مُمْكِنٍ يَحْصُلُ لَهُ الْخَشْيَةُ مِنْ سَطْوَتِهِ وَمِنْ أَسْمَائِهِ تَعَالَى الَّتِي وَرَدَ بِهَا السَّمْعُ (السَّمِيعُ) مُشْتَقٌّ مِنْ السَّمْعِ وَهُوَ صِفَةٌ أَزَلِيَّةٌ تَتَعَلَّقُ بِسَائِرِ الْمَوْجُودَاتِ أَوْ الْمَسْمُوعَاتِ، وَ (الْبَصِيرُ) مُشْتَقٌّ مِنْ الْبَصَرِ وَهُوَ صِفَةٌ أَزَلِيَّةٌ قَائِمَةٌ بِذَاتِهِ تَعَالَى زَائِدَةٌ عَلَيْهَا تَتَعَلَّقُ بِكُلِّ مَوْجُودٍ، وَقِيلَ بِالْمُبْصَرَاتِ.
قَالَ تَعَالَى: {وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} [الشورى: 11] وَوَرَدَ بِهِمَا الْخَبَرُ وَانْعَقَدَ الْإِجْمَاعُ عَلَيْهِمَا، وَتَعَلُّقُهُمَا مُغَايِرٌ لِتَعَلُّقِ الْعِلْمِ، وَهُوَ الْمُرَادُ بِزِيَادَتِهِمَا عَلَى صِفَةِ الْعِلْمِ، وَلَيْسَ الْمُرَادُ الزِّيَادَةُ فِي الِانْكِشَافِ لِاسْتِحَالَةِ ذَلِكَ إذْ عِلْمُهُ مُحِيطٌ بِكُلِّ شَيْءٍ، وَلَا فَرْقَ فِي الْمَوْجُودِ الَّذِي يَتَعَلَّقَانِ بِهِ بَيْنَ كَوْنِهِ وَاجِبًا أَوْ مُمْكِنًا مَعْنًى أَوْ ذَاتًا كُلِّيًّا أَوْ جُزْئِيًّا، وَلَا يَحْجُبُهُمَا شَيْءٌ عَنْ شَيْءٍ، فَيَسْمَعُ تَعَالَى السِّرَّ. وَالنَّجْوَى، وَيُبْصِرُ مَا تَحْت الثَّرَى مِنْ جَلِيلٍ أَوْ حَقِيرٍ، فَيَسْمَعُ فِي الْأَزَلِ وَفِيمَا لَا يَزَالُ ذَاتُهُ الْعَلِيَّةُ وَجَمِيعُ صِفَاتِهِ الْوُجُودِيَّةِ الَّتِي قَامَتْ بِهَا، وَكَذَا يَسْمَعُ ذَوَاتِنَا بَعْدَ وُجُودِهَا، وَيَسْمَعُ مَا قَامَ بِهَا مِنْ الصِّفَاتِ الْوُجُودِيَّةِ مِنْ عُلُومِنَا وَأَلْوَانِنَا وَقُدْرَتِنَا، وَكَذَا يُبْصِرُ عَلَى هَذَا النَّحْوِ، وَلَا يَلْزَمُ مِنْ اتِّحَادِ الْمُتَعَلِّقِ لِلسَّلْبِيَّةِ اتِّحَادُ الصِّفَةِ، أَلَا تَرَى أَنَّ الْعِلْمَ وَالْكَلَامَ مُتَعَلِّقُهُمَا وَاحِدٌ وَهُوَ سَائِرُ أَقْسَامِ الْحُكْمِ الْعَقْلِيِّ، وَجِهَةُ التَّعَلُّقِ مُخْتَلِفَةٌ؟ إذْ تَعَلُّقُ الْعِلْمِ تَعَلُّقَ إحَاطَةٍ وَتَعَلُّقُ الْكَلَامِ تَعَلُّقَ دَلَالَةٍ، وَالدَّلِيلُ عَلَى تَعَلُّقِ السَّمْعِ بِالْمَوْجُودِ غَيْرِ الْمَسْمُوعِ أَنَّ مُوسَى - عَلَيْهِ السَّلَامُ - سَمِعَ كَلَامَ رَبِّهِ الْأَزَلِيَّ بِلَا صَوْتٍ وَلَا حَرْفٍ وَسَمْعُ مُوسَى حَادِثٌ فَكَيْفَ بِالسَّمِيعِ الْقَدِيمِ، وَأَيْضًا تَرَى ذَاتَهُ تَعَالَى بِلَا كَمٍّ وَلَا كَيْفٍ وَلَا يَتَعَلَّقَانِ بِمُسْتَحِيلٍ، فَمَنْ عَرَفَ أَنَّ رَبَّهُ سَمِيعٌ وَبَصِيرٌ دَاوَمَ الْمُرَاقَبَةَ وَمُطَالَبَةَ النَّفْسِ بِدَقِيقِ الْمُحَاسِبَةِ. وَمِنْ أَسْمَائِهِ تَعَالَى الَّتِي وَرَدَ بِهَا السَّمْعُ (الْعَلِيُّ) عَلَى عِبَادِهِ وَ (الْكَبِيرُ) قَالَ تَعَالَى: {فَالْحُكْمُ لِلَّهِ الْعَلِيِّ الْكَبِيرِ} [غافر: 12] وَانْعَقَدَ عَلَيْهِمَا إجْمَاعُ الْأُمَّةِ، لَيْسَ عُلُوُّهُ بِجِهَةٍ وَلَا اخْتِصَاصٍ بِبُقْعَةٍ وَلَا كَبِيرٌ بِعِظَمِ جُثَّةٍ، بَلْ الْعَلِيُّ وَصَفَهُ بِمَعْنَى أَنَّ ذَاتَهُ مَوْصُوفَةٌ بِأَوْصَافِ الْجَلَالِ وَالْعَظَمَةِ وَالْكِبْرِيَاءِ، نَعْتُهُ بِصِفَاتِ الْجَمَالِ، وَمِنْ حَقِّ مَنْ عَرَفَ لِرَبِّهِ الْعَظَمَةَ وَالْكِبْرِيَاءَ أَنْ يَذِلَّ وَيَتَوَاضَعَ بَيْنَ خَلْقِهِ، فَإِنَّ مَنْ تَذَلَّلَ لِلَّهِ فِي نَفْسِهِ يَرْفَعُ اللَّهُ قَدْرَهُ عَلَى أَبْنَاءِ جِنْسِهِ، وَعَلَامَةُ التَّوَاضُعِ قَبُولُ الْحَقِّ مِمَّنْ قَالَ، وَالتَّكَبُّرِ جَحْدُ الْحَقِّ.
قَالَ تَعَالَى: {وَإِذَا قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللَّهَ أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالإِثْمِ} [البقرة: 206] .

(وَ) كَمَا يَجِبُ الْإِيمَانُ بِأَنَّ اللَّهَ إلَهٌ وَاحِدٌ يَجِبُ اعْتِقَادُ (أَنَّهُ) سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى (فَوْقَ عَرْشِهِ) وَهُوَ جِسْمٌ نُورَانِيٌّ عُلْوِيٌّ مُحِيطٌ بِجَمِيعِ الْأَجْسَامِ لَا قَطْعَ لَنَا بِتَعْيِينِ حَقِيقَتِهِ وَهُوَ أَوَّلُ الْمَخْلُوقَاتِ عَلَى الْأَصَحِّ، وَفَوْقَ السَّمَوَاتِ وَالْكُرْسِيُّ مِنْ تَحْتِهِ بَيْنَ قَوَائِمِهِ، وَمَعْنَاهُ لُغَةً كُلُّ مَا عَلَا، وَالظَّرْفُ خَبَرُ إنَّ، وَ (الْمَجِيدُ) يَصِحُّ جَرُّهُ نَعْتًا لِلْعَرْشِ، وَرَفْعُهُ عَلَى أَنَّهُ خَبَرٌ لِمُبْتَدَأٍ مَحْذُوفٍ تَقْدِيرُهُ هُوَ الْعَائِدُ عَلَى الْعَرْشِ أَوْ عَلَى اللَّهِ. (بِذَاتِهِ) مُتَعَلِّقٌ بِالْمَجِيدِ، وَالْبَاءُ بِمَعْنَى فِي مِثْلُ أَقَمْت بِمَكَّةَ أَيْ فِيهَا، وَالضَّمِيرُ عَائِدٌ عَلَى الْعَرْشِ أَيْ الْعَظِيمِ فِي ذَاتِهِ، وَقِيلَ عَائِدٌ عَلَى اللَّهِ وَالْمَعْنَى: أَنَّ هَذِهِ الْفَوْقِيَّةَ الْمَعْنَوِيَّةَ لَهُ تَعَالَى مُسْتَحَقُّهَا بِالذَّاتِ لَا بِالْغَيْرِ مِنْ كَثْرَةِ أَمْوَالٍ أَوْ جُنُودٍ كَفَوْقِيَّةِ الْمَخْلُوقَاتِ، وَلَا يَصِحُّ تَعَلُّقٌ بِذَاتِهِ بِفَوْقٍ لِفَسَادِ الْمَعْنَى؛ لِأَنَّ الْمَعْنَى حِينَئِذٍ وَهُوَ فَوْقَ الْعَرْشِ بِذَاتِهِ وَهُوَ مُمْتَنِعٌ؛ لِأَنَّ فِيهِ اسْتِعْمَالُ الْمُوهِمِ، وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ يَجُوزُ إطْلَاقُ لَفْظِ الْفَوْقِيَّةِ الْغَيْرِ الْمُقَيَّدَةِ بِلَفْظِ الذَّاتِ عَلَى اللَّهِ، فَيَجُوزُ قَوْلُ الْقَائِلِ فَوْقَ سَمَائِهِ أَوْ فَوْقَ عَرْشِهِ، وَتُحْمَلُ عَلَى فَوْقِيَّةِ الشَّرَفِ وَالْجَلَالِ وَالسَّلْطَنَةِ وَالْقَهْرِ لَا فَوْقِيَّةِ حَيِّزٍ وَمَكَانٍ؛ لِاسْتِحَالَةِ الْفَوْقِيَّةِ الْحِسِّيَّةِ عَلَيْهِ تَعَالَى لِاسْتِلْزَامِهَا الْجُرُمِيَّةَ وَالْحُدُوثَ الْمُوجِبَيْنِ لِلِافْتِقَارِ الْمُنَزَّهِ عَنْهُ الْخَالِقُ جَلَّ وَعَلَا، وَإِنَّمَا اسْتَعْمَلَهَا الْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -؛ لِمَا مَرَّ عِنْدَ قَوْلِهِ: {وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ} [البقرة: 255] مِنْ أَنَّ النُّفُوسَ تَجِدُ مِنْ التَّعْظِيمِ وَالْهَيْبَةِ عِنْدَ سَمَاعِ الْأَشْيَاءِ الْمَحْسُوسَةِ الدَّالَّةِ عَلَى الْكِبْرِيَاءِ مَا لَمْ تَجِدْهُ عِنْدَ عَدَمِ ذَلِكَ؛ وَلِقِيَامِ الدَّلِيلِ الْقَاطِعِ عَلَى نَفْيِ مُشَابَهَتِهِ لِلْحَوَادِثِ فِي قَوْلِهِ: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} [الشورى: 11] فَلَا يَنْبَغِي الِاعْتِرَاضُ عَلَى الْمُصَنِّفِ بِمِثْلِ ذَلِكَ مَعَ وُرُودِهِ فِي الْقُرْآنِ.
قَالَ تَعَالَى: {ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ} [الأعراف: 54]

اسم الکتاب : الفواكه الدواني على رسالة ابن أبي زيد القيرواني المؤلف : النفراوي، شهاب الدين    الجزء : 1  صفحة : 47
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست