responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : الفواكه الدواني على رسالة ابن أبي زيد القيرواني المؤلف : النفراوي، شهاب الدين    الجزء : 1  صفحة : 48
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــQوَقَالَ: {وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ} [هود: 7] وَلِذَلِكَ لَمَّا بَلَغَ الْعَلَّامَةَ يُوسُفَ بْنَ عُمَرَ تَعَقُّبَ بَعْضِ الشُّيُوخِ لِكَلَامِ الْمُصَنِّفِ بِأَنَّهُ أَثْبَتَ لِلَّهِ مَكَانًا، رَدَّ هَذَا التَّعَقُّبَ بِوُرُودِ الْفَوْقِيَّةِ فِي الْقُرْآنِ قَالَ تَعَالَى: {يَخَافُونَ رَبَّهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ} [النحل: 50] مَعْنَاهُ يَخَافُونَ عَذَابَهُ مِنْ فَوْقِهِمْ إنْ عَصَوْهُ بِالْقَهْرِ وَالْغَلَبَةِ، وَقَالَ: {وَإِنَّا فَوْقَهُمْ قَاهِرُونَ} [الأعراف: 127] وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ، وَمَا قِيلَ مِنْ أَنَّ هَذِهِ اللَّفْظَةَ دُسَّتْ عَلَى الْمُؤَلِّفِ رَدَّهُ ابْنُ نَاجِي قَائِلًا: لَيْسَ هَذَا مِنْ إطْلَاقِ الْمُصَنِّفِ وَإِنَّمَا هُوَ مِنْ إطْلَاقِ السَّلَفِ الصَّالِحِ وَالصَّدْرِ الْأَوَّلِ، وَيُمْكِنُ رَدُّ ابْنِ نَاجِي بِأَنَّ الَّذِي أَطْلَقَهُ عَلَيْهِ السَّلَفُ هُوَ لَفْظُ الْفَوْقِيَّةِ الْغَيْرِ الْمُقَيَّدَةِ بِذَاتِهِ، وَالْإِيهَامُ إنَّمَا عَظُمَ مِنْ التَّقْيِيدِ بِذَاتِهِ.
قَالَ فِي التَّحْقِيقِ: أُخِذَ عَلَى الْمُصَنِّفِ فِي قَوْلِهِ بِذَاتِهِ، وَقِيلَ هِيَ دَسِيسَةٌ عَلَيْهِ، فَإِنْ صَحَّ هَذَا فَلَا إشْكَالَ فِي سُقُوطِ الِاعْتِرَاضِ عَنْهُ، وَلَا اعْتَرَضَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَرِدْ بِهَا سَمْعٌ، وَسُئِلَ الشَّيْخُ عِزُّ الدِّينِ عَنْ هَذَا هَلْ يُفْهَمُ مِنْهُ الْقَوْلُ بِالْجِهَةِ أَمْ لَا؟ وَهَلْ يَكْفُرُ مُعْتَقِدُهَا أَمْ لَا؟ فَأَجَابَ: بِأَنَّ ظَاهِرَهُ الْقَوْلُ بِالْجِهَةِ وَالْأَصَحُّ أَنَّ مُعْتَقِدَهَا لَا يَكْفُرُ، وَمَا قَالَهُ عِزُّ الدِّينِ مِنْ أَنَّ ظَاهِرَهُ الْقَوْلُ بِالْجِهَةِ يَرُدُّهُ قَوْلُ الْإِمَامِ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدِ بْنِ مُجَاهِدٍ فِي رِسَالَتِهِ مِمَّا أَجْمَعُوا عَلَى إطْلَاقِهِ أَنَّهُ تَعَالَى فَوْقَ سَمَوَاتِهِ عَلَى عَرْشِهِ دُونَ أَرْضِهِ إطْلَاقًا شَرْعِيًّا، وَلَمْ يَرِدْ فِي الشَّرْعِ أَنَّهُ فِي الْأَرْضِ فَلِذَلِكَ قَالَ دُونَ أَرْضِهِ، وَهَذَا مَعَ ثُبُوتِ عِلْمِهِمْ بِاسْتِحَالَةِ الْجِهَةِ عَلَيْهِ تَعَالَى، فَلَيْسَ هَذَا عِنْدَهُمْ مُشْكِلًا لِعِلْمِهِمْ بِفَصَاحَةِ الْعَرَبِ وَاتِّسَاعِهِمْ فِي الِاسْتِعَارَةِ، وَنَقَلَ هَذَا الْكَلَامَ بِعَيْنِهِ الْمُصَنِّفُ وَغَيَّرَ لَفْظَهُ هُنَا قَصْدًا لِلتَّقْرِيبِ عَلَى الْمُبْتَدِئِ، وَإِذَا تَقَرَّرَ هَذَا فَالنَّاسُ عَالَةٌ عَلَى الصَّدْرِ الْأَوَّلِ، فَإِذَا كَانَ إطْلَاقُهُمْ هَذَا فَيَتَعَيَّنُ عَلَيْنَا تَفَهُّمُهُ بِالتَّمْثِيلِ وَالْبَسْطِ إذْ قَدْ غَلَبَتْ الْعُجْمَةُ عَلَى الْقُلُوبِ حَتَّى ظَنَّتْ أَنَّ هَذَا الْإِطْلَاقَ يَلْزَمُ مِنْهُ إثْبَاتُ الْجِهَةِ فِي حَقِّ الْمُنَزَّهِ؛ عَنْهَا تَقَدَّسَ وَتَعَالَى، وَاعْلَمْ أَنَّ الْفَوْقِيَّةَ عِبَارَةٌ عَنْ كَوْنِ الشَّيْءِ أَعْلَى مِنْ غَيْرِهِ وَتَكُونُ حِسِّيَّةً وَمَعْنَوِيَّةً كَزَيْدٍ فَوْقَ الْفَرَسِ، وَالسُّلْطَانِ فَوْقَ الْوَزِيرِ، وَأَنَّ الَّذِي يَجُوزُ عَلَيْهِ الْمَكَانُ يَجُوزُ أَنْ تَكُونَ فَوْقِيَّتُهُ حِسِّيَّةً وَمَعْنَوِيَّةً، وَاَلَّذِي يَسْتَحِيلُ عَلَيْهِ الْمَكَانُ وَالْجِسْمِيَّةُ لَا تَكُونُ فَوْقِيَّتُهُ إلَّا مَعْنَوِيَّةً، فَفَوْقِيَّةُ اللَّهِ عَلَى عَرْشِهِ الْمُرَادُ بِهَا فَوْقِيَّةٌ مَعْنَوِيَّةٌ لِمَا قَدَّمْنَا، وَحَمْلُ الْفَوْقِيَّةِ فِي حَقِّهِ تَعَالَى عَلَى الْمَعْنَوِيَّةِ مَبْنِيٌّ عَلَى طَرِيقَةِ الْخَلَفِ وَهِيَ الْمُؤَوَّلَةُ، وَعَلَيْهَا إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَجَمَاعَةٌ كَتَأْوِيلِ الْيَدِ بِالْقُدْرَةِ، وَأَمَّا السَّلَفُ فَيَقِفُونَ عَنْ الْخَوْضِ فِي مَعْنَى ذَلِكَ وَيُفَوِّضُونَ عِلْمَ ذَلِكَ إلَى الْبَارِي سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، وَإِلَى هَاتَيْنِ الطَّرِيقَتَيْنِ أَشَارَ صَاحِبُ الْجَوْهَرَةِ بِقَوْلِهِ:
وَكُلُّ نَصٍّ أَوْهَمَ التَّشْبِيهَا ... أَوِّلْهُ أَوْ فَوِّضْ وَرُمْ تَنْزِيهًا
وَالْأُولَى أَعْلَمُ وَالثَّانِيَةُ أَسْلَمُ.
تَنْبِيهَاتٌ: الْأَوَّلُ: عُلِمَ مِمَّا ذَكَرْنَا أَنَّ الْبَارِيَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى يُوصَفُ بِالْعُلُوِّ حَقِيقَةً وَبِالْفَوْقِيَّةِ مَجَازًا وَإِنْ كَانَ مَعْنَاهُمَا الْعَظَمَةُ، وَلَا يُوصَفُ سُبْحَانَهُ بِالسُّفْلِ وَلَا بِالتَّحْتِيَّةِ لَا حَقِيقَةً وَلَا مَجَازًا.
الثَّانِي: مِنْ الصِّفَاتِ مَا يَصِحُّ أَنْ يُوصَفَ بِهِ الْخَالِقُ وَالْمَخْلُوقُ عَلَى وَجْهِ الْحَقِيقَةِ كَالْعِلْمِ بِوَحْدَانِيَّةِ اللَّهِ تَعَالَى، فَاَللَّهُ يَعْلَمُ أَنَّهُ وَاحِدٌ، وَالْعَبْدُ الْمُوَحِّدُ أَيْضًا يَعْلَمُ ذَلِكَ بِطَرِيقِ الْحَقِيقَةِ فِيهِمَا، وَكَالْعِلْمِ بِحَرَارَةِ النَّارِ، وَإِنْ كَانَ عِلْمُ اللَّهِ قَدِيمًا وَعِلْمُ الْعَبْدِ حَادِثًا، وَمِنْهَا مَا يُوصَفُ بِهِ تَعَالَى حَقِيقَةً وَالْعَبْدُ مَجَازًا كَالْمُعْطِي وَالرَّازِقُ، فَإِنَّ الْعَبْدَ إذَا أَعْطَى غَيْرَهُ شَيْئًا يُقَال لَهُ مُعْطٍ مَجَازًا لِحُصُولِ صُورَةِ الْعَطَاءِ مِنْهُ، كَمَا يُقَالُ لِصُورَةِ الْفَرَسِ فَرَسٌ، وَمِنْ ثَمَّ أَجَابَ بَعْضُ الْمُفَسِّرِينَ عَنْ خَيْرِ الرَّازِقِينَ وَأَحْسَنِ الْخَالِقِينَ مَعَ أَنَّهُ لَا رَازِقَ وَلَا خَالِقَ إلَّا هُوَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، بِأَنَّ الرَّازِقَ يُطْلَقُ عَلَى اللَّهِ حَقِيقَةً وَعَلَى الْمَخْلُوقِ مَجَازًا، أَوْ أَنَّ الْمُرَادَ خَيْرُ مَنْ تَزْعُمُونَهُمْ رَازِقِينَ، وَيَجْرِي نَحْوُ هَذَيْنِ الْجَوَابَيْنِ فِي أَحْسَنِ الْخَالِقِينَ، وَمِنْهَا مَا يُوصَفُ بِهِ الْبَارِي بِطَرِيقِ الْحَقِيقَةِ وَلَا يُوصَفُ بِهِ الْمَخْلُوقُ لَا حَقِيقَةً وَلَا مَجَازًا كَالْأَزَلِيِّ، وَمِنْهَا مَا يُوصَفُ بِهِ الْعَبْدُ حَقِيقَةً وَيُوصَفُ بِهِ الْبَارِي مَجَازًا كَالِاسْتِوَاءِ وَالنُّزُولِ وَالْمَعِيَّةِ وَالْفَوْقِيَّةِ.
الثَّالِثُ: قَدْ قَدَّمْنَا الْكَلَامَ عَلَى أَنَّ أَسْمَاءَهُ تَعَالَى وَكَذَا صِفَاتِهِ تَوْقِيفِيَّةٌ أَيْ تَعْلِيمِيَّةٌ، وَأَنَّهُ لَا يُكْتَفَى بِمُجَرَّدِ الْوُرُودِ فِي السَّمْعِ فِي صِحَّةِ الْإِطْلَاقِ بَلْ يَجِبُ أَنْ لَا يَخْلُو عَنْ نَوْعِ تَعْظِيمٍ، فَلَا يَجُوزُ إطْلَاقُ نَحْوِ الْمَاكِرِ وَالْحَارِثِ وَالْمُسْتَهْزِئِ وَإِنْ وَرَدَ بِهَا السَّمْعُ، وَلِذَلِكَ يَمْتَنِعُ قَوْلُ الْعَامَّةِ الَّذِي يَخُونُ الْفَاتِحَةَ يَخُونُهُ اللَّهُ إلَّا أَنْ يَشْتَهِرَ فِي الْعُرْفِ اسْتِعْمَالُ هَذَا اللَّفْظِ فِي مَعْنَى يُجَازِيه اللَّهُ أَوْ يُعَاقِبُهُ فَلَا إثْمَ عَلَى قَائِلِ، هَذَا مُلَخَّصُ مَا قَالَهُ الْأُجْهُورِيُّ.

وَلَمَّا كَانَ عِلْمُهُ تَعَالَى صِفَةً ذَاتِيَّةً قَدِيمَةً عَامَّةَ التَّعَلُّقِ قَالَ: (وَهُوَ) أَيْ الْبَارِي سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى (فِي كُلِّ مَكَان بِعِلْمِهِ) بِمَعْنَى أَنَّهُ يَجِبُ عَلَى كُلِّ مُكَلَّفٍ أَنْ يَعْتَقِدَ أَنَّ عِلْمَ اللَّهِ تَعَالَى مُحِيطٌ بِسَائِرِ أَقْسَامِ الْحُكْمِ الْعَقْلِيِّ.
قَالَ تَعَالَى: {أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْمًا} [الطلاق: 12]

اسم الکتاب : الفواكه الدواني على رسالة ابن أبي زيد القيرواني المؤلف : النفراوي، شهاب الدين    الجزء : 1  صفحة : 48
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست