responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : الفواكه الدواني على رسالة ابن أبي زيد القيرواني المؤلف : النفراوي، شهاب الدين    الجزء : 1  صفحة : 17
مُخْلِصِينَ، وَبِمَا أَتَتْهُمْ بِهِ رُسُلُهُ وَكُتُبُهُ عَامِلِينَ، وَتَعَلَّمُوا مَا عَلَّمَهُمْ، وَوَقَفُوا عِنْدَ مَا حَدَّ لَهُمْ، وَاسْتَغْنَوْا بِمَا أَحَلَّ لَهُمْ عَمَّا حَرَّمَ عَلَيْهِمْ.
ـــــــــــــــــــــــــــــQ (وَبِقُلُوبِهِمْ) مُتَعَلِّقٌ بِقَوْلِهِ: (مُخْلِصِينَ) الْوَاقِعِ حَالًا ثَانِيَةً مِنْ فَاعِلِ آمَنُوا، وَمَعْنَى الْمُخْلِصِينَ مُصَدِّقِينَ بِمَا عُلِمَ مَجِيءُ الرَّسُولِ بِهِ ضَرُورَةً، هَذَا هُوَ الْمُرَادُ بِالْإِخْلَاصِ هُنَا، لِأَنَّ هَذَا الْمَعْنَى هُوَ الْمُعْتَبَرُ فِي مَعْنَى الْإِيمَانِ، وَلَيْسَ الْمُرَادُ بِهِ إخْلَاصُ الْعَمَلِ لِأَنَّهُ غَيْرُ شَرْطٍ فِي الْإِيمَانِ، عَلَى أَنَّ إخْلَاصَ الْعَمَلِ دَاخِلٌ فِي قَوْلِهِ: وَبِمَا أَتَتْهُمْ بِهِ رُسُلُهُ وَكُتُبُهُ عَامِلِينَ، لَا يُقَالُ: الْإِيمَانُ بِاَللَّهِ هُوَ نَفْسُ التَّصْدِيقِ، فَمَا فَائِدَةُ النَّصِّ عَلَى ذَلِكَ ثَانِيًا بِقَوْلِهِ وَبِقُلُوبِهِمْ مُخْلِصِينَ؟ لِأَنَّا نَقُولُ قَصَدَ بِذَلِكَ مَعْنَى التَّصْدِيقِ الْكَافِي فِي الْإِيمَانِ وَهُوَ التَّصْدِيقُ بِالْبَاطِنِ وَالظَّاهِرِ مَعَ الْإِذْعَانِ وَالِانْقِيَادِ لَا مُجَرَّدُ نِسْبَةِ الصِّدْقِ إلَيْهِ، فَلَا يَكْفِي لِوُجُودِ ذَلِكَ فِي نَحْوِ أَبِي طَالِبٍ وَمَنْ يُشْبِهُهُ مِمَّنْ يُصَدِّقُ بِلِسَانِهِ وَهُوَ جَاحِدٌ بِقَلْبِهِ اسْتِكْبَارًا أَوْ عِنَادًا فَلَا يَنْفَعُهُ ذَلِكَ التَّصْدِيقُ وَالْقُلُوبُ جَمْعُ قَلْبٍ يُطْلَقُ عَلَى اللَّحْمَةِ الصَّنَوْبَرِيَّةِ وَعَلَى الْمَعْنَى الْقَائِمِ بِهَا وَهُوَ الْعَقْلُ بِنَاءً عَلَى أَنَّ مَحَلُّهُ الْقَلْبَ وَهُوَ الْمَشْهُورُ.
قَالَ الْغَزَالِيُّ: الْقَلْبُ الَّذِي يَقَعُ مِنْهُ التَّصْدِيقُ وَيُثَابُ وَيُعَاقَبُ لَطِيفَةٌ رَبَّانِيَّةٌ مُتَعَلِّقَةٌ بِالْقَلْبِ بِمَعْنَى اللَّحْمَةِ الصَّنَوْبَرِيَّةِ تَعَلُّقَ الْأَعْرَاضِ بِالْجَوَاهِرِ، وَيُسَمَّى رُوحًا وَنَفْسًا وَهُوَ أَشَدُّ تَقَلُّبًا مِنْ الْقِدْرِ فِي غَلَيَانِهِ.
(وَبِمَا أَتَتْهُمْ) أَيْ جَاءَتْهُمْ (بِهِ رُسُلُهُ وَكُتُبُهُ) الْجَارُّ وَالْمَجْرُورُ مُتَعَلِّقٌ بِقَوْلِهِ (عَامِلِينَ) الْوَاقِعِ حَالًا ثَالِثَةً لَكِنْ مُقَدَّرَةً لِأَنَّ الْأَعْمَالَ مُتَأَخِّرَةٌ عَنْ الْإِيمَانِ، وَمَعْنَى الْعَمَلِ بِمَا أَتَتْ بِهِ الرُّسُلُ وَالْإِيمَانِ بِاَللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الْآخَرِ الْمُشَارِ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا} [الحشر: 7]
وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْمُصَنِّفَ جَرَى هُنَا وَفِي آخِرِ بَابٍ مَا تَنْطِقُ بِهِ الْأَلْسِنَةُ عَلَى مَذْهَبِ السَّلَفِ مِنْ أَنَّ الْإِيمَانَ مُرَكَّبٌ مِنْ ثَلَاثَةِ أُمُورٍ: النُّطْقُ بِاللِّسَانِ وَالتَّصْدِيقُ بِالْقَلْبِ وَالْعَمَلُ بِالْجَوَارِحِ، لَكِنَّ الْأَعْمَالَ عِنْدَهُمْ شَرْطٌ لِكَمَالِهِ، وَذَكَرَ فِي أَوَّلِ الْبَابِ الْمَذْكُورِ أَنَّهُ مُرَكَّبٌ مِنْ أَمْرَيْنِ فَقَطْ وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ كَمَا سَيُصَرِّحُ بِهِ فِيمَا يَأْتِي بِقَوْلِهِ: وَلَا يَكْمُلُ قَوْلُ الْإِيمَانِ إلَّا بِالْعَمَلِ، وَلَكِنْ بِحَمْلِ اشْتِرَاطِ الْعَمَلِ عَلَى الْكَمَالِ صَارَ كَلَامُهُ أَوَّلًا وَثَانِيًا وَثَالِثًا عَلَى قَوْلٍ وَاحِدٍ وَهُوَ أَنَّ الْإِيمَانَ مُرَكَّبٌ مِنْ النُّطْقِ وَالتَّصْدِيقِ فَقَطْ، وَأَمَّا الْعَمَلُ فَهُوَ خَارِجٌ عَنْ حَقِيقَةِ الْإِيمَانِ شَرْطٌ لِكَمَالِهِ، وَالْخِلَافُ فِي حَقِيقَةِ الْإِيمَانِ شَهِيرٌ عَلَى أَقْوَالٍ أَشْهُرِهَا مَا عَلَيْهِ جُمْهُورُ الْمُتَكَلِّمِينَ مِنْ الْأَشَاعِرَةِ وَالْمَاتُرِيدِيَّة وَغَيْرُهُمْ مِنْ أَنَّهُ التَّصْدِيقُ بِمَا عُلِمَ مَجِيءُ الرُّسُلِ بِهِ ضَرُورَةً، وَأَمَّا النُّطْقُ بِالشَّهَادَتَيْنِ فَهُوَ شَرْطٌ لِإِجْرَاءِ أَحْكَامِ الدُّنْيَا الْأَعْمَالُ شَرْطٌ لِكَمَالِ الْإِيمَانِ، وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ صَاحِبُ الْجَوْهَرَةِ حَيْثُ قَالَ:
وَفُسِّرَ الْإِيمَانُ بِالتَّصْدِيقِ ... وَالنُّطْقُ فِيهِ الْخُلْفُ بِالتَّحْقِيقِ
فَقِيلَ شَرْطٌ كَالْعَمَلِ وَقِيلَ بَلْ ... شَطْرٌ وَالْإِسْلَامُ اشْرَحْنَ بِالْعَمَلِ
وَمَا عَدَا مَذْهَبِ السَّلَفِ وَمَذْهَبِ الْجُمْهُورِ مِنْ الْمَذَاهِبِ خِلَافُ الْمَشْهُورِ، وَإِنَّمَا قَدَّمَ الْمَجْرُورَاتِ عَلَى عَوَامِلِهَا لِاسْتِقَامَةِ الْفَوَاصِلِ، وَهُوَ يُورِثُ الْكَلَامَ حَلَاوَةً وَعَطَفَ عَلَى آمَنُوا قَوْلَهُ: (وَتَعَلَّمُوا) أَيْ الَّذِينَ آمَنُوا بِمَعْنَى فَهِمُوا مَعْنَى (مَا عَلَّمَهُمْ) اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَيْ وَصَلَهُ إلَيْهِمْ عَلَى لِسَانِ نَبِيِّهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ} [الحشر: 7] الْآيَةَ، فَإِنَّهُمْ عَرَفُوا مِنْهُ جَمِيعَ مَا كَانُوا يَجْهَلُونَهُ مِمَّا يَجِبُ عَلَيْهِمْ مَعْرِفَتُهُ مِمَّا يُحِبُّ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَجَمِيعِ أَحْكَامِ الشَّرِيعَةِ، وَفَعَلُوا مَا وَجَبَ عَلَيْهِمْ وَتَرَكُوا مَا نُهُوا عَنْهُ كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ: (وَوَقَفُوا عِنْدَمَا) أَيْ الْحَدِّ الَّذِي (حَدَّ) أَيْ بَيَّنَ (لَهُمْ) وَالْمُرَادُ بِالْوُقُوفِ هُنَا الْمُوَاظَبَةُ عَلَى الشَّيْءِ لَا الْوُقُوفُ الْحِسِّيِّ، وَالْمُرَادُ بِالْحَدِّ الَّذِي حَدَّ اللَّهُ لِعِبَادِهِ الْوَاجِبَاتُ وَالْمَنْهِيَّاتُ، فَوُقُوفُهُمْ عَلَى الْمَأْمُورَاتِ بِالِامْتِثَالِ إلَى فِعْلِهَا وَعَلَى الْمُنْهَيَاتِ بِمُجَرَّدِ اجْتِنَابِهَا، لِأَنَّ الْمُكَلَّفَ يَخْرُجُ مِنْ عُهْدَتِهَا وَلَوْ بِتَرْكِهَا مُكْرَهًا، إذْ الْمُتَوَقِّفُ عَلَى نِيَّةِ الِامْتِثَالِ بِالنِّسْبَةِ إلَيْهَا إنَّمَا هُوَ الثَّوَابُ الْمُتَرَتِّبُ عَلَى نِيَّتِهِ، بِخِلَافِ الْمَأْمُورَاتِ لَا يَخْرُجُ مِنْ عِدَّتِهَا إلَّا أَنْ يَأْتِيَ امْتِثَالًا لِأَمْرِ الشَّارِعِ بِهَا لَا إنْ فَعَلَهَا لِقَصْدِ غَيْرِ اللَّهِ.
قَالَ الْأُجْهُورِيُّ فِي شَرْحِ خَلِيلٍ: وَالْحَاصِلُ أَنَّ مَا تَتَوَقَّفُ صِحَّتُهُ عَلَى نِيَّةٍ يَتَوَقَّفُ حُصُولُ الثَّوَابِ فِيهِ عَلَى النِّيَّةِ مَعَ قَصْدِ الِامْتِثَالِ أَوَّلًا مَعَ قَصْدِ امْتِثَالٍ وَلَا عَدَمِهِ، وَأَمَّا مَعَ قَصْدِ عَدَمِ الِامْتِثَالِ فَلَا ثَوَابَ فِيهِ، وَأَمَّا مَا تَتَوَقَّفُ صِحَّتُهُ عَلَى نِيَّةٍ فَيَتَوَقَّفُ الثَّوَابُ فِيهِ عَلَى قَصْدِ الِامْتِثَالِ وَإِلَّا لَا فَلَا ثَوَابَ فِيهِ.
قَالَهُ فِي فَضْلِ الْجَمَاعَةِ، وَعَدَمُ الثَّوَابِ فِي فِعْلِهِ لَا يُنَافِي الْخُرُوجَ مِنْ عُهْدَتِهِ بِفِعْلِهِ كَقَضَاءِ الدَّيْنِ وَنَحْوِهِ، كَمَا يَخْرُجُ مِنْ عُهْدَةِ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ بِمُجَرَّدِ تَرْكِهِ لِمَا قَدَّمْنَا مِنْ أَنَّ التَّوَقُّفَ عِنْدَ تَرْكِهِ إنَّمَا هُوَ ثَوَابُ الِامْتِثَالِ، وَلَا يُشْكِلُ عَلَى مَا ذَكَرْنَا فِي الْمَأْمُورَاتِ مَنْ أُكْرِهَ عَلَى فِعْلِ الصَّلَاةِ وَإِخْرَاجِ الزَّكَاةِ لِأَنَّ نِيَّةَ الْمُكْرِهِ لِتَارِكِ الصَّلَاةِ عِنَادًا أَوْ الزَّكَاةِ الْإِمَامُ أَوْ نَائِبُهُ وَنِيَّتُهُ تَقُومُ مَقَامَ نِيَّةِ الْمُكْرَهِ بِالْفَتْحِ.

اسم الکتاب : الفواكه الدواني على رسالة ابن أبي زيد القيرواني المؤلف : النفراوي، شهاب الدين    الجزء : 1  صفحة : 17
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست