responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : الفواكه الدواني على رسالة ابن أبي زيد القيرواني المؤلف : النفراوي، شهاب الدين    الجزء : 1  صفحة : 16
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــQوَتَوْفِيقِهِ، لِأَنَّ الْخِذْلَانَ ضِدُّ التَّوْفِيقِ فَهُوَ خَلَقَ الْقُدْرَةَ عَلَى الْمَعْصِيَةِ فِي الْعَبْدِ وَالدَّاعِيَةِ إلَيْهَا، أَوْ خَلَقَ قُدْرَةَ الْمَعْصِيَةِ فِي الْعَبْدِ عَلَى الرَّأْيَيْنِ فِي التَّوْفِيقِ، وَيُرَادِفُهُ اللُّطْفُ وَهُوَ مَا يَقَعُ عِنْدَهُ صَلَاحُ الْعَبْدِ آخِرَةً بِأَنْ تَقَعَ مِنْهُ الطَّاعَةُ دُونَ الْمَعْصِيَةِ، وَالْمُرَادُ بِآخِرَةٍ آخِرَ الْأَمْرَيْنِ بِأَنْ يُرِيدَ فِعْلَ الْمَعْصِيَةِ ثُمَّ يَعْدِلَ عَنْهَا إلَى فِعْلِ الطَّاعَةِ لِآخِرِ عُمْرِهِ.
قَالَ اللَّقَانِيُّ بَعْدَ كَلَامٍ طَوِيلٍ: فَبِهَذَا ظَهَرَ تَرَادُفُ التَّوْفِيقِ وَالْعِصْمَةِ وَاللُّطْفِ وَالضَّلَالِ وَالْخِذْلَانِ وَالْكُفْرِ عُرْفًا أَوْ تُسَاوِيهَا وَصِلَةُ خَذَلَهُ (بِعَدْلِهِ) أَيْ بِوَضْعِهِ الشَّيْءَ فِي مَحَلِّهِ لِأَنَّهُ تَعَالَى يَسْتَحِيلُ عَلَيْهِ الظُّلْمُ وَالْجَوْرُ.
قَالَ تَعَالَى: {إِنَّ اللَّهَ لا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ} [النساء: 40] وَقَالَ: {إِنَّ اللَّهَ لا يَظْلِمُ النَّاسَ شَيْئًا} [يونس: 44] وَالْعَدْلُ مَا لِلْفَاعِلِ أَنْ يَفْعَلَهُ مَنْ حُجِرَ عَلَيْهِ، فَالْحَاصِلُ أَنَّ تَوْفِيقَهُ تَعَالَى لِبَعْضِ خَلْقِهِ مَحْضُ فَضْلٍ وَإِضْلَالَهُ لِبَعْضِهِمْ مَحْضُ عَدْلٍ، لِأَنَّهُ تَعَالَى لَا يَجِبُ عَلَيْهِ شَيْءٌ لِخَلْقِهِ خِلَافًا لِلْمُعْتَزِلَةِ فِي قَوْلِهِمْ بِوُجُوبِ الصَّلَاحِ وَالْأَصْلَحِ عَلَى اللَّهِ لِعِبَادِهِ لِبُطْلَانِ مَذْهَبِهِمْ.
قَالَ صَاحِبُ الْجَوْهَرَةِ:
وَقَوْلُهُمْ إنَّ الصَّلَاحَ وَاجِبٌ ... عَلَيْهِ زُورٌ مَا عَلَيْهِ وَاجِبُ
أَلَمْ يَرَوْا إيلَامَهُ الْأَطْفَالَا وَشَبَهَهَا فَحَاذِرْ الْمُحَالَا.
وَكَيْفَ يَجِبُ عَلَيْهِ فِعْلُ الصَّلَاحِ وَالْأَصْلَحِ وَقَدْ أَمَاتَ الْمُرْسَلِينَ وَالْعُلَمَاءَ الَّذِينَ يُرْشِدُونَ الْخَلْقَ إلَى مَعْرِفَةِ مَا يَجِبُ عَلَيْهِمْ وَمَا يَحْرُمُ، وَأَحْيَا إبْلِيسَ وَأَعْوَانَهُ السَّاعِينَ فِي الْفَسَادِ وَالْإِضْلَالِ إلَى يَوْمِ الدِّينِ، وَخَلَقَ الْكَافِرَ الْفَقِيرَ الْمُعَذَّبَ فِي الدُّنْيَا بِالْفَقْرِ وَالْأَسْقَامِ وَفِي الْآخِرَةِ بِالتَّخْلِيدِ فِي النَّارِ، وَمِمَّا يُبْطِلُ مَذْهَبَهُمْ مَا حُكِيَ مِنْ الْمُنَاظَرَةِ بَيْنَ الشَّيْخِ أَبِي الْحَسَنِ الْأَشْعَرِيِّ إمَامِ هَذَا الْفَنِّ وَبَيْنَ شَيْخِهِ أَبِي عَلِيٍّ الْجُبَّائِيِّ الْمُعْتَزِلِيِّ، لِأَنَّ الْأَشْعَرِيَّ كَانَ تِلْمِيذًا لَهُ فِي مُبْتَدَأِ أَمْرِهِ، ثُمَّ رَجَعَ عَنْ مَذْهَبِهِ إلَى كَلَامِ أَهْلِ السُّنَّةِ لَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ فَسَادُ مَذْهَبِهِ، وَاَلَّذِي نَاظَرَهُ فِيهِ قِصَّةُ الْإِخْوَةِ الْمَشْهُورَةِ قَائِلًا لَهُ: مَاذَا تَقُولُ فِي ثَلَاثَةِ إخْوَةٍ مَاتَ أَحَدُهُمْ صَغِيرًا وَكَبُرَ اثْنَانِ فَكَفَرَ أَحَدُهُمَا وَآمَنَ الْآخَرُ مَا حُكْمُهُمْ؟ فَقَالَ الْجُبَّائِيُّ فِي الْجَوَابِ: الْمُطِيعُ وَالصَّغِيرُ يَدْخُلَانِ الْجَنَّةَ وَالْكَافِرُ يَدْخُلُ النَّارَ، فَقَالَ لَهُ الْأَشْعَرِيُّ: هَلْ يَسْتَوِيَانِ فِي الْجَنَّةِ؟ فَقَالَ: لَا، لِأَنَّ الْكَبِيرَ عَمِلَ الطَّاعَاتِ.
قَالَ لَهُ الْأَشْعَرِيُّ: فَلَوْ قَالَ لَهُ الصَّغِيرُ يَا رَبِّ كَانَ الْأَصْلَحُ أَنْ تُحْيِيَنِي حَتَّى أَصِيرَ كَبِيرًا وَأَعْمَلَ الطَّاعَاتِ فَلِمَ فَوَّتَّ عَلَيَّ ذَلِكَ مَا يَكُونُ جَوَابُهُ؟ فَقَالَ لَهُ الْجُبَّائِيُّ: يَقُولُ لَهُ الرَّبُّ: عَلِمْت أَنَّك لَوْ كَبُرْت كُنْت تَكْفُرُ وَتَدْخُلُ النَّارَ فَفَعَلْتُ مَعَك الْأَصْلَحَ لَك، فَقَالَ لَهُ الْأَشْعَرِيُّ: حِينَئِذٍ يَقُومُ أَهْلُ النَّارِ جَمِيعًا يَقُولُونَ يَا رَبَّنَا كَانَ الْأَصْلَحُ فِي حَقِّنَا أَنْ تُمِيتَنَا صِغَارًا لِنَدْخُلَ الْجَنَّةَ فَلِمَ فَوَّتَّ عَلَيْنَا ذَلِكَ فَمَا يَكُونُ جَوَابُهُ لَهُمْ؟ فَقَالَ لَهُ الْجُبَّائِيُّ: أَبِكَ جُنُونٌ؟ فَقَالَ لَهُ: لَا بَلْ وَقَفَ حِمَارُ الشَّيْخِ فِي الْعَقَبَةِ، وَقَدْ رَوَيْت هَذِهِ الْقِصَّةَ بِوُجُوهٍ.
ثُمَّ عَطَفَ عَلَى قَوْلِهِ فَهَدَى قَوْلَهُ: (وَيَسَّرَ) اللَّهُ تَعَالَى بِمَعْنَى هَيَّأَ وَوَفَّقَ (الْمُؤْمِنِينَ) أَيْ الْمُصَدِّقِينَ بِجَمِيعِ مَا جَاءَ بِهِ الرَّسُولُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (لِ) فِعْلِ (الْيُسْرَى) أَيْ الطَّاعَةِ، وَيَحْتَمِلُ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْيُسْرَى الْجَنَّةُ وَالْأَوَّلُ أَنْسَبُ بِقَوْلِهِ: (وَشَرَحَ) أَيْ فَتَحَ وَوَسَّعَ (صُدُورَهُمْ) أَيْ قُلُوبَهُمْ (لِلذِّكْرَى) أَيْ لِقَبُولِ الْمَوْعِظَةِ وَثُبُوتِ الْإِيمَانِ، وَهَذَا كُلُّهُ عَلَى جِهَةِ الْمَجَازِ، وَإِلَّا فَالشَّرْحُ حَقِيقَةً مِنْ صِفَاتِ الْأَجْسَامِ، وَعَلَامَةُ انْشِرَاحِ الصَّدْرِ الْعَمَلُ لِدَارِ الْآخِرَةِ وَالتَّجَافِي عَنْ دَارِ الْغُرُورِ وَالِاسْتِعْدَادُ لِلْمَوْتِ قَبْلَ نُزُولِهِ، وَيُفْهَمُ بِطَرِيقِ الْمُقَابَلَةِ مِنْ قَوْلِهِ: وَيَسَّرَ الْمُؤْمِنِينَ لِلْيُسْرَى أَنَّ الْكَافِرِينَ مُيَسَّرُونَ إلَى ضِدِّهَا، لِأَنَّ كُلًّا مُيَسَّرٌ أَيْ مُهَيَّأٌ لِمَا خُلِقَ لَهُ مِنْ خَيْرٍ أَوْ شَرٍّ، وَإِنْ كَانَ الْجَمِيعُ صَادِرًا مِنْ الْخَلْقِ بِإِرَادَتِهِ تَعَالَى، إلَّا أَنَّ الْخَيْرَاتِ مُرَادَةٌ وَمَأْمُورٌ بِهَا وَالشُّرُورَ مُرَادَةٌ غَيْرُ مَأْمُورٍ بِهَا، لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَا يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ وَتَعَالَى أَنْ يَقَعَ فِي مُلْكِهِ مَا لَا يُرِيدُ خِلَافًا لِلْمُعْتَزِلَةِ، وَعَبَّرَ بِالْمُؤْمِنِينَ دُونَ الْمُسْلِمِينَ لِتَلَازُمِهِمَا شَرْعًا وَلِجَرَيَانِ الْعَادَةِ بِذِكْرِ الْإِيمَانِ فِي، مُقَابَلَةِ الْكُفْرِ، ثُمَّ عَطَفَ عَلَى قَوْلِهِ فَهَدَى مَنْ وَفَّقَهُ بِالْفَاءِ التَّفْرِيعِيَّةِ الدَّالَّةِ عَلَى تَسَبُّبِ مَا بَعْدَهَا عَمَّا قَبْلَهَا قَوْلُهُ: (فَآمَنُوا بِاَللَّهِ) أَيْ صَدَّقُوا بِوُجُوبِ وُجُودِهِ تَعَالَى.
وَفِي كَلَامِهِ حَذْفٌ تَقْدِيرُهُ وَبِرُسُلِهِ أَيْضًا.
وَإِنَّمَا حَذَفَ ذَلِكَ لِأَنَّ الْإِيمَانَ بِاَللَّهِ يَتَضَمَّنُ الْإِيمَانَ بِالرَّسُولِ إذْ لَا إيمَانَ لِمَنْ لَمْ يُؤْمِنْ بِهِمَا فَكَأَنَّهُ ذَكَرَهُمَا، وَالدَّلَالَةُ عَلَى ذَلِكَ أَيْضًا قَوْلُهُ بَعْدُ: وَبِمَا أَتَتْهُمْ بِهِ رُسُلُهُ وَكُتُبُهُ عَامِلِينَ، وَالضَّمِيرُ فِي آمَنُوا رَاجِعٌ إلَى مَنْ فِي قَوْلِهِ: فَهَدَى مَنْ وَفَّقَهُ وَجَمَعَهُ نَظَرًا إلَى مَعْنَاهَا عَلَى حَدِّ {وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُونَ} [يونس: 42] الْآيَةَ، وَيَحْتَمِلُ عَوْدُهُ إلَى الْمُؤْمِنِينَ فِي يُسْرِ الْمُؤْمِنِينَ لِتَأَوُّلِ الْمُؤْمِنِينَ بِمَنْ أَرَادَ اللَّهُ إيمَانَهُمْ لِتَصِيرَ الضَّمَائِرُ كُلُّهَا لِلْمُؤْمِنِينَ، وَبَيَّنَ الْإِيمَانَ بِقَوْلِهِ: (بِأَلْسِنَتِهِمْ) مُتَعَلِّقٌ بِقَوْلِهِ: (نَاطِقِينَ) الْوَاقِعُ حَالًا مِنْ فَاعِلِ آمَنُوا، وَالتَّقْدِيرُ: فَآمَنُوا أَيْ صَدَّقُوا بِاَللَّهِ وَبِمَا جَاءَ بِهِ رُسُلُهُ حَالَ كَوْنِهِمْ نَاطِقِينَ أَيْ قَائِلِينَ بِأَلْسِنَتِهِمْ نَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ، عَلَى مَا ارْتَضَاهُ ابْنُ عَرَفَةَ وَمَنْ تَبِعَهُ، وَمَا يُؤَدِّي مَعْنَى الشَّهَادَتَيْنِ عَلَى مَا ارْتَضَاهُ تِلْمِيذُهُ الْأَبِيُّ وَمَنْ تَبِعَهُ، هَذَا كُلُّهُ عِنْدَ الْقُدْرَةِ عَلَى النُّطْقِ وَإِلَّا اكْتَفَى بِالْإِشَارَةِ إلَى الشَّهَادَتَيْنِ وَذِكْرِ الْأَلْسِنَةِ لِبَيَانِ الْوَاقِعِ إذْ النُّطْقُ لَا يَكُونُ إلَّا بِهَا.

اسم الکتاب : الفواكه الدواني على رسالة ابن أبي زيد القيرواني المؤلف : النفراوي، شهاب الدين    الجزء : 1  صفحة : 16
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست