responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : الفواكه الدواني على رسالة ابن أبي زيد القيرواني المؤلف : النفراوي، شهاب الدين    الجزء : 1  صفحة : 18
أَمَّا بَعْدُ) .

أَعَانَنَا اللَّهُ وَإِيَّاكَ عَلَى رِعَايَةِ وَدَائِعِهِ، وَحِفْظِ مَا أَوْدَعَنَا مِنْ شَرَائِعِهِ: فَإِنَّك سَأَلْتنِي أَنْ أَكْتُبَ لَك جُمْلَةً
ـــــــــــــــــــــــــــــQ (وَاسْتَغْنَوْا) أَيْ الْمُؤْمِنُونَ الْكَامِلُونَ فِي الْإِيمَانِ بِمَعْنَى اكْتَفُوا.
(بِمَا أَحَلَّ) اللَّهُ (لَهُمْ) بِالنَّصِّ عَلَى حِلِّهِ مُقْتَصِرِينَ عَلَى تَنَاوُلِهِ وَرَغِبُوا (عَمَّا حُرِّمَ عَلَيْهِمْ) بِالنَّصِّ عَلَى تَحْرِيمِهِ فَلَا يَتَنَاوَلُونَ شَيْئًا مِنْهُ، وَالْمُرَادُ بِالنَّصِّ مُطْلَقُ الدَّلِيلِ لِيَشْمَلَ الْقِيَاسَ وَالِاسْتِحْسَانَ وَالْإِجْمَاعَ لَهُ، وَلَوْ قَيَّدْنَا بِالْكَامِلِينَ فِي الْإِيمَانِ، لِأَنَّ الَّذِي يَقْتَصِرُ عَلَى الْحَلَالِ لَا يَكُونُ إلَّا كَامِلَ الْإِيمَانِ، وَبَقِيَ عَلَى الْمُؤَلِّفِ الَّذِي لَمْ يَرِدْ فِيهِ نَصٌّ بِحِلٍّ وَلَا تَحْرِيمٍ هَلْ يَكُونُ حَلَالًا أَوْ يُوقَفُ عَنْهُ؟ وَهُمَا قَوْلَانِ فِي الْمَسْأَلَةِ لَكِنْ بَعْدَ وُرُودِ الشَّرْعِ، لِأَنَّهُ لَا حُكْمَ قَبْلَ الشَّرْعِ لَا أَصْلِيًّا وَلَا فَرْعِيًّا، خِلَافًا لِلْمُعْتَزِلَةِ فِي تَحْكِيمِهِمْ الْعَقْلَ قَبْلَ وُرُودِ الشَّرْعِ، وَمَا قِيلَ مِنْ أَنَّ الْأَشْيَاءَ قَبْلَ وُرُودِ الشَّرْعِ فِيهَا ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ: الْإِبَاحَةُ وَالتَّحْرِيمُ وَالْوَقْفُ فَفِيهِ نَظَرٌ لِمَا عَرَفْت مِنْ أَنَّهُ لَا حُكْمَ قَبْلَ الشَّرْعِ قَالَهُ الْأُجْهُورِيُّ وَغَيْرُهُ، وَبَيَانُ فَسَادِ مَذْهَبِهِمْ مَذْكُورٌ فِي الْمُطَوَّلَاتِ، وَهَذَا آخِرُ الْخُطْبَةِ.

وَشَرَعَ الْآنَ فِي بَيَانِ السَّبَبِ الْحَامِلِ عَلَى تَأْلِيفِ هَذِهِ الرِّسَالَةِ فَقَالَ: (أَمَّا بَعْدُ) أَمَّا بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ وَتَشْدِيدِ الْمِيمِ حَرْفٌ بَسِيطٌ، وَبَعْدُ ظَرْفٌ زَمَانِيٌّ بِاعْتِبَارِ النُّطْقِ وَمَكَانِيٌّ بِاعْتِبَارِ الرَّقْمِ، وَأَصْلُ أَمَّا بَعْدُ مَهْمَا يَكُنْ مِنْ شَيْءِ بَعْدَ الْبَسْمَلَةِ وَالْحَمْدَلَةِ وَمَا مَعَهُمَا فَأَقُولُ: إنَّك سَأَلْتنِي وَمَهْمَا مُبْتَدَأٌ وَالِاسْمِيَّةُ لَازِمَةٌ لِلْمُبْتَدَأِ وَيَكُنْ شَرْطٌ وَالْفَاءُ لَازِمَةٌ لَهُ غَالِبًا، فَحِينَ تَضَمَّنَتْ أَمَّا مَعْنَى الِابْتِدَاءِ وَالشَّرْطِ أَيْ حَلَّتْ مَحَلَّهُمَا فَحَذَفَهُمَا اخْتِصَارًا لِلُزُومِهَا الْفَاءَ غَالِبًا، وَلُصُوقِ الِاسْمِ الَّذِي هُوَ بَعْدَ إقَامَةِ اللَّازِمِ مَقَامَ الْمَلْزُومِ وَإِبْقَاءً لِأَثَرِهِ فِي الْجُمْلَةِ، فَأَمَّا قَائِمَةٌ مَقَامَ شَيْئَيْنِ، وَبَعْدُ قَائِمَةٌ مَقَامَ الثَّالِثِ الَّذِي هُوَ الْمُضَافُ إلَيْهِ وَلِذَا بُنِيَتْ لِتَضَمُّنِهَا مَعْنَاهُ.
وَتَقَدَّمَ أَنَّ سَبَبَ الْحَذْفِ الِاخْتِصَارُ، وَسَبَبُ تَقْدِيرِ مَا ذُكِرَ الْإِشَارَةُ إلَى تَحَقُّقِ الْجَوَابِ، لِأَنَّك إذَا أَرَدْت الْإِخْبَارَ عَنْ وُقُوعِ أَمْرٍ وَلَا مَحَالَةَ تَقُولُ أَمَّا بَعْدُ فَيَكُونُ كَذَا، لَا أَنَّ الْمَعْنَى مَهْمَا يُوجَدُ شَيْءٌ فِي الْكَوْنِ يَكُونُ كَذَا، وَالْكَوْنُ لَا يَخْلُو عَنْ وُجُودِ شَيْءٍ، وَالْمُعَلَّقُ عَلَى الْمُحَقَّقِ مُحَقِّقٌ، فَهِيَ حَرْفُ شَرْطٍ وَتَوْكِيدٍ دَائِمًا وَتَفْصِيلٍ غَالِبًا، وَيَجِبُ تَوَسُّطُ جُزْءٍ مِمَّا فِي حَيِّزِهَا بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْفَاءِ، إمَّا مُبْتَدَأٌ نَحْوُ: أَمَّا زَيْدٌ فَمُنْطَلِقٌ، أَوْ مَفْعُولٌ نَحْوُ: {فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلا تَقْهَرْ} [الضحى: 9] أَوْ غَيْرُهُمَا مِنْ ظَرْفٍ أَوْ حَالٍ، كَرَاهَةَ تُوَالِي لَفْظَتَيْ إرَادَةِ الشَّرْطِ وَالْجَزَاءِ الْمُوهِمِ أَنَّ تِلْكَ الْفَاءَ عَاطِفَةٌ عَلَى مُقَدَّرٍ وَالْوَاقِعُ لَيْسَ كَذَلِكَ، وَقَوْلُنَا غَالِبًا لِلِاحْتِرَازِ عَمَّا إذَا كَانَ جَوَابُهَا قَوْلًا وَأُقِيمَتْ حِكَايَتُهُ مَقَامَهُ، وَإِلَّا فَيَجُوزُ حَذْفُهُمَا بِكَثْرَةٍ نَحْوُ: {فَأَمَّا الَّذِينَ اسْوَدَّتْ وُجُوهُهُمْ أَكَفَرْتُمْ} [آل عمران: 106] أَيْ فَيُقَالُ لَهُمْ: أَكَفَرْتُمْ؟
وَأَمَّا إذَا لَمْ يَكُنْ الْجَوَابُ قَوْلًا فَلَا يُحْذَفُ إلَّا نُدُورًا نَحْوُ: أَمَّا بَعْدُ مَا بَالُ رِجَالِ الْحَدِيثِ؟ وَاعْلَمْ أَنَّ بَعْدَهُ فِيهِ أَرْبَعَةُ مَبَاحِثَ: الْأَوَّلُ: فِي إعْرَابِهَا أَوْ بِنَائِهَا وَمُحَصِّلُهُ أَنَّهَا تُبْنَى عِنْدَ حَذْفِ مَا تُضَافُ إلَيْهِ إنْ كَانَ مَعْرِفَةً وَنَوَى ثُبُوتَ مَعْنَاهُ لِشَبَهِهَا بِالْحَرْفِ فِي الِافْتِقَارِ، وَبُنِيَتْ عَلَى حَرَكَةٍ لِيَدُلَّ عَلَى أَصْلِهَا وَهُوَ الْإِعْرَابُ، وَكَانَتْ الْحَرَكَةُ ضَمَّةً جَبْرًا لِمَا فَإِنَّهَا مِنْ حَذْفِ الْمُضَافِ إلَيْهِ، وَأَمَّا لَوْ ذَكَرَ الْمُضَافَ إلَيْهِ أَوْ حَذَفَ وَنَوَى ثُبُوتَ لَفْظِهِ أَوْ حَذَفَ وَنَوَى ثُبُوتَ مَعْنَاهُ وَكَانَ نَكِرَةً أَوْ حَذَفَ وَلَمْ يَنْوِ لَفْظَهُ وَلَا مَعْنَاهُ فَإِنَّهَا تُعْرَبُ فِي تِلْكَ الْأَحْوَالِ الْأَرْبَعَةِ بِالنَّصْبِ عَلَى الظَّرْفِيَّةِ أَوْ مَعَ الْجَرِّ بِمِنْ خَاصَّةً.
الثَّانِي: فِي الْعَامِلِ فِيهَا، وَمُحَصِّلُ مَا قَالَهُ الدَّمَامِينِيُّ أَنَّهَا مَنْصُوبَةٌ لَفْظًا أَوْ مَحَلًّا، إمَّا بِفِعْلِ الشَّرْطِ الْمَحْذُوفِ الَّذِي هُوَ يَكُنْ أَوْ يُوجَدُ، وَإِمَّا بِلَفْظِ إمَّا لِنِيَابَتِهَا عَنْ فِعْلِ الشَّرْطِ، وَالصَّحِيحُ كَمَا قَالَهُ ابْنُ جَمَاعَةَ أَنَّهَا جُزْءٌ مِنْ الْجَوَابِ فَتَكُونُ مَعْمُولَةً لِمَا بَعْدَ الْفَاءِ.
الثَّالِثُ: حُكْمُ الْإِتْيَانِ بِبَعْدِ فِي الْخُطَبِ الِاسْتِحْبَابُ لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يَأْتِي بِهَا فِي الْخُطَبِ وَالْمُكَاتَبَاتِ وَتُسْتَعْمَلُ مَقْرُونَةً بِأَمَّا أَوْ بِالْوَاوِ، وَلَا يَجُوزُ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا إلَّا عَلَى جَعْلِ الْوَاوِ اسْتِئْنَافِيَّةً، وَعِنْدَ انْفِرَادِ الْوَاوِ تَكُونُ نَائِبَةً عَنْ أَمَّا فَتَكُونُ نَائِبَةَ النَّائِبِ.
الرَّابِعُ: اُخْتُلِفَ فِيمَا نَطَقَ بِهَا أَوَّلًا عَلَى أَقْوَالٍ سَبْعَةٍ: فَقِيلَ يَعْرُبُ بْنُ قَحْطَانَ، وَقِيلَ دَاوُد، وَقِيلَ يَعْقُوبُ، وَقِيلَ سَحْبَانُ، وَقِيلَ قَيْسٌ، وَقِيلَ كَعْبٌ، وَأَقْرَبُهَا أَنَّهُ دَاوُد وَهِيَ فَصْلُ الْخِطَابِ الَّذِي أُوتِيَهُ، وَقِيلَ غَيْرُهُ، وَجُمِعَ بَيْنَ الْأَقْوَالِ بِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ أَوَّلَ بِاعْتِبَارِ قَوْمِهِ.

: (أَعَانَنَا اللَّهُ) أَيْ اللَّهُمَّ أَعِنَّا، فَالْجُمْلَةُ خَبَرِيَّةُ اللَّفْظِ إنْشَائِيَّةُ الْمَعْنَى.
(وَإِيَّاكَ) يَا سَائِلُ، وَذَكَرَهُ بَعْدَ دُخُولِهِ فِي أَعَانَتَا بِنَاءً عَلَى أَنَّ الضَّمِيرَ لِجَمِيعِ الْمُسْلِمِينَ وَهُوَ الْأَوْلَى اهْتِمَامًا بِهِ لِيُحَقِّقَ دُخُولَهُ فِي الدُّعَاءِ، وَعَلَى أَنَّ الضَّمِيرَ لِلْمُصَنِّفِ يَكُونُ أَتَى بِنُونِ الْعَظَمَةِ فِي أَعَانَنَا إظْهَارًا لِلُزُومِهَا الَّذِي هُوَ نِعْمَةٌ مِنْ تَعْظِيمِ اللَّهِ لَهُ بِتَأْهِيلِهِ لِلْعِلْمِ امْتِثَالًا لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ} [الضحى: 11] وَفِيهِ إشَارَةٌ إلَى جَوَازِ التَّعَاظُمِ بِالْعِلْمِ، فَقَدْ جَاءَ فِي الْأَثَرِ: «لَيْسَ مِنَّا مَنْ لَمْ يَتَعَاظَمْ بِالْعِلْمِ» .
وَقَالَ عَلِيٌّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -

اسم الکتاب : الفواكه الدواني على رسالة ابن أبي زيد القيرواني المؤلف : النفراوي، شهاب الدين    الجزء : 1  صفحة : 18
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست