responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : الفواكه الدواني على رسالة ابن أبي زيد القيرواني المؤلف : النفراوي، شهاب الدين    الجزء : 1  صفحة : 100
مَلَكَ الْمَوْتِ يَقْبِضُ الْأَرْوَاحَ بِإِذْنِ رَبِّهِ.

، وَأَنَّ خَيْرَ الْقُرُونِ: الْقَرْنُ الَّذِينَ رَأَوْا رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَآمَنُوا بِهِ، ثُمَّ الَّذِينَ
ـــــــــــــــــــــــــــــQحَفَظَةَ عَلَيْهِ، وَلَعَلَّ وَجْهَ الْفَرْقِ أَنَّ حَالَ الْمَجْنُونِ لَيْسَ مُتَوَجِّهًا لِلتَّكْلِيفِ بِخِلَافِ الصَّبِيِّ، وَأَمَّا غَيْرُ الْحَسَنَاتِ فَلَا يُكْتَبُ عَلَى الصِّبْيَانِ وَرُبَّمَا يَتَنَاوَلُ الْمَلَائِكَةَ أَيْضًا، وَقَدْ تَرَدَّدَ الْجُزُولِيُّ فِيهِمْ وَفِي الْجِنِّ هَلْ عَلَيْهِمْ حَفَظَةٌ أَمْ لَا؟ ثُمَّ جَزَمَ بِأَنَّ عَلَى الْجِنِّ الْحَفَظَةَ دُونَ الْمَلَائِكَةِ فَإِنَّهُ اسْتَبْعَدَ كَوْنَ عَلَيْهِمْ حَفَظَةٌ لِمَا يَلْزَمُ عَلَيْهِ مِنْ التَّسَلْسُلِ الثَّانِي: مَحَلُّ الْحَفَظَةِ مِنْ الْإِنْسَانِ فِي حَالِ حَيَاتِهِ شَفَةُ الْإِنْسَانِ، وَقِيلَ مَحَلُّ كَاتِبِ الْحَسَنَاتِ عَلَى عَاتِقِهِ الْأَيْمَنِ، وَكَاتِبِ السَّيِّئَاتِ عَلَى عَاتِقِهِ الْأَيْسَرَ، وَقَلَمُهُمْ لِسَانُهُ وَمِدَادُهُمْ رِيقُهُ لَا يُفَارِقُونَهُ إلَّا عِنْدَ الْخَلَاءِ وَالْجِمَاعِ، وَلَا يَمْنَعُ مِنْ ذَلِكَ كَتْبُهُمَا عَلَيْهِ مَا يَصْدُرُ مِنْهُ فِي هَاتَيْنِ الْحَالَتَيْنِ، وَيَجْعَلُ اللَّهُ لَهُمَا عَلَامَةً وَعَلَى نَوْعِ مَا يَصْدُرُ مِنْهُ فِي الْخَلَاءِ وَعِنْدَ الْجِمَاعِ، وَكَاتِبُ الْحَسَنَاتِ أَمِينٌ عَلَى كَاتِبِ السَّيِّئَاتِ لَا يُمَكِّنُهُ مِنْ كَتْبِ السَّيِّئَةِ إلَّا بَعْدَ مُضِيِّ سِتِّ سَاعَاتٍ مِنْ غَيْرِ تَوْبَةٍ أَوْ غَيْرِهَا مِنْ الْمُكَفِّرَاتِ وَيُبَادِرُ لِكَتْبِ الْحَسَنَاتِ، وَإِنَّمَا لَمْ يُمَكِّنْهُ كَاتِبُ الْحَسَنَاتِ مِنْ كَتْبِ السَّيِّئَةِ لَعَلَّهُ يَسْتَغْفِرُ، فَإِنْ اسْتَغْفَرَ فِي دَاخِلِ السَّاعَاتِ كَتَبَهَا كَاتِبُ الْيَمِينِ حَسَنَةً، وَإِنْ لَمْ يَحْصُلْ اسْتِغْفَارٌ وَلَا تَوْبَةٌ كَتَبَهَا صَاحِبُ الشِّمَالِ سَيِّئَةً وَاحِدَةً، وَأَمَّا الْمُبَاحَاتُ فَيَكْتُبُهَا كَاتِبُ السَّيِّئَاتِ عَلَى الْقَوْلِ بِكَتْبِهَا، وَأَمَّا مَحَلُّهُمَا بَعْدَ الْمَوْتِ فَقَبْرُ الْمَيِّتِ يُسَبِّحَانِ وَيُهَلِّلَانِ وَيُكَبِّرَانِ وَيُكْتَبُ ثَوَابُهُ لِلْمَيِّتِ إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ إنْ كَانَ مُؤْمِنًا وَيَلْعَنَانِهِ إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ إنْ كَانَ كَافِرًا.
الثَّالِثُ: اُخْتُلِفَ هَلْ عَلَى الْعَبْدِ غَيْرُ الْمَلَكَيْنِ؟ فَقِيلَ عَلَيْهِ عَشْرَةٌ، وَعَنْ عُثْمَانَ أَنَّ عَلَيْهِ عِشْرِينَ، وَالدَّلِيلُ عَلَى وُجُوبِ اعْتِقَادِ حَقِيقَةِ الْحَفَظَةِ قَوْله تَعَالَى: {إِنْ كُلُّ نَفْسٍ لَمَّا عَلَيْهَا حَافِظٌ} [الطارق: 4] {وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ} [الانفطار: 10] {كِرَامًا كَاتِبِينَ} [الانفطار: 11] وَقَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «يَتَعَاقَبُونَ فِيكُمْ مَلَائِكَةٌ بِاللَّيْلِ وَمَلَائِكَةٌ بِالنَّهَارِ وَيَجْتَمِعُونَ فِي صَلَاةِ الْفَجْرِ وَفِي صَلَاةِ الْعَصْرِ» وَانْعَقَدَ الْإِجْمَاعُ عَلَى الْحَفَظَةِ فَمَنْ جَحَدَ أَوْ كَذَّبَ أَوْ شَكَّ فِيهِ فَهُوَ كَافِرٌ وَكَذَلِكَ مَنْ جَهِلَهُ، وَسُمُّوا حَفَظَةً لِحِفْظِهِمْ مَا يَصْدُرُ مِنْ الْعَبْدِ أَوْ لِحِفْظِهِمْ الْآدَمِيِّينَ مِنْ الْجِنِّ.
الرَّابِعُ: وَقَعَ تَرَدُّدُ الشُّيُوخِ فِيمَنْ يَصْعَدُ بِالْمَكْتُوبِ هَلْ هُوَ الْكَاتِبُ لَهُ أَوْ غَيْرُهُ كَمَا فِي قَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «يَتَعَاقَبُونَ فِيكُمْ مَلَائِكَةٌ بِاللَّيْلِ وَمَلَائِكَةٌ بِالنَّهَارِ فَيَجْتَمِعُونَ فِي صَلَاةِ الْعَصْرِ وَصَلَاةِ الصُّبْحِ» هَلْ هُمْ الْحَفَظَةُ فَيَكُونُونَ أَرْبَعَةً اثْنَانِ بِاللَّيْلِ وَاثْنَانِ بِالنَّهَارِ، كَمَا وَقَعَ خِلَافٌ هَلْ الْكَتَبَةُ هُمْ الْحَفَظَةُ أَوْ غَيْرُهُمْ؟ فَالْمُتَبَادَرُ مِنْ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ: حَفَظَةٌ يَكْتُبُونَ أَعْمَالَهُمْ أَنَّ الْكَتَبَةَ هُمْ الْحَفَظَةُ وَقِيلَ غَيْرُهُمْ.
وَلَمَّا كَانَ يُتَوَهَّمُ مِنْ وَضْعِ الْحَفَظَةِ عَلَى الْعِبَادِ خَفَاءُ شَيْءٍ مِنْ أَعْمَالِهِمْ عَلَى رَبِّهِمْ وَالْوَاقِعُ خِلَافُ ذَلِكَ.
قَالَ كَالْمُسْتَدْرِكِ عَلَى مَا سَبَقَ: (وَ) مِمَّا يَجِبُ اعْتِقَادُهُ أَنْ (لَا يَسْقُطَ) أَيْ يَغِيبَ (شَيْءٌ) مِمَّا ضَبَطُوهُ عَلَى الْعِبَادِ (عَنْ عِلْمِ رَبِّهِمْ) لِإِحَاطَةِ عِلْمِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى بِمَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ، فَالْحَاصِلُ أَنَّ وَضْعَ الْحَفَظَةِ لَا لِخَوْفِ نِسْيَانٍ أَوْ غَفْلَةٍ لِاسْتِحَالَةِ ذَلِكَ عَلَى الْبَارِي - تَعَالَى - وَإِنَّمَا فَائِدَةُ ذَلِكَ تَرْجِعُ لِلْعَبْدِ؛ لِأَنَّ الْإِنْسَانَ إذَا عَلِمَ أَنَّ عَلَيْهِ مَنْ يُحْصِي عَمَلَهُ وَيَضْبِطُهُ لِيَشْهَدَ بِهِ عَلَيْهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَى رُءُوسِ الْأَشْهَادِ يَحْصُلُ مِنْهُ انْزِجَارٌ عَنْ الْإِقْدَامِ عَلَى ارْتِكَابِ الْمَعَاصِي وَلِإِقَامَةِ الْحُجَّةِ عَلَيْهِمْ عَلَى قَدْرِ جَحْدِهِمْ.

(وَ) يَجِبُ عَلَى كُلِّ مُكَلَّفٍ أَنْ يَعْتَقِدَ (أَنَّ مَلَكَ الْمَوْتِ) وَهُوَ عِزْرَائِيلُ وَقِيلَ اسْمُهُ عَبْدُ الْجَبَّارِ (يَقْبِضُ) جَمِيعَ (الْأَرْوَاحِ) مِنْ مَقَرِّهَا أَوْ مِنْ يَدِ أَعْوَانِهِ الْمُعَالِجِينَ لِنَزْعِهَا مِنْهُ لَكِنْ (بِإِذْنِ رَبِّهِ) لِمَا فِي الْخَبَرِ: «وَاَللَّهِ لَوْ أَرَدْت قَبْضَ رُوحِ بَعُوضَةٍ مَا قَدَرْت عَلَى ذَلِكَ حَتَّى يَكُونَ اللَّهُ أَذِنَ بِقَبْضِهَا» ، وَأَشَارَ إلَى هَذَا صَاحِبُ الْجَوْهَرَةِ بِقَوْلِهِ:
وَوَاجِبٌ إيمَانُنَا بِالْمَوْتِ ... وَيَقْبِضُ الرُّوحَ رَسُولُ الْمَوْتِ
وَالْمَعْنَى: أَنَّ الْمَوْتَ حَقٌّ ابْتَلَى اللَّهُ بِهِ كُلَّ ذِي رُوحٍ وَلَوْ أَعَزُّ خَلْقِهِ كَمُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَهُوَ أَعْظَمُ مُصِيبَةً يُصَابِهَا الْآدَمِيُّ، وَلَيْسَ ثَمَّ مُصِيبَةٌ أَعْظَمُ مِنْهُ سِوَى الْغَفْلَةِ عَنْهُ.
قَالَ تَعَالَى: {خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلا} [الملك: 2] وَحَقِيقَتُهُ عَلَى مَذْهَبِ الْأَشَاعِرَةِ كَيْفِيَّةٌ وُجُودِيَّةٌ تُضَادُّ الْحَيَاةَ أَوْ عَدَمُ الْحَيَاةِ عَمَّا مَنْ شَأْنُهُ أَنْ يَكُون حَيًّا وَجَاحِدُهُ كَافِرٌ بِإِجْمَاعِ الْمُسْلِمِينَ.
تَنْبِيهَاتٌ: الْأَوَّلُ: مَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ أَنَّ مَلَكَ الْمَوْتِ يَقْبِضُ كُلَّ رُوحٍ يَشْمَلُ أَرْوَاحَ الشُّهَدَاءِ وَلَوْ شَهِيدَ بَحْرٍ، وَيَشْمَلُ أَرْوَاحَ الْبَهَائِمِ وَلَوْ بَرَاغِيثَ، بَلْ قِيلَ إنَّهُ يَقْبِضُ رُوحَ نَفْسِهِ، وَقِيلَ إنَّمَا يَقْبِضُهَا اللَّهُ تَعَالَى كَمَا قِيلَ إنَّهُ يَقْبِضُ رُوحَ شَهِيدِ الْبَحْرِ، فَإِنْ قِيلَ: إذَا كَانَ الْمُتَوَلِّي لِقَبْضِ الْأَرْوَاحِ جَمِيعًا مَلَكُ الْمَوْتِ فَكَيْفَ إذَا مَاتَ خَلْقٌ كَثِيرٌ فِي أَمَاكِنَ مُتَعَدِّدَةٍ مُتَبَاعِدَةٍ فِي زَمَنٍ مُتَّحِدٍ؟ فَالْجَوَابُ: أَنَّ مَلَكَ الْمَوْتِ الدُّنْيَا بَيْنَ يَدَيْهِ كَالْقَصْعَةِ بَيْنَ يَدَيْ الْآكِلِ وَرِجْلَاهُ فِي الْأَرْضِ السُّفْلَى وَوَجْهُهُ فِي اللَّوْحِ الْمَحْفُوظِ،

اسم الکتاب : الفواكه الدواني على رسالة ابن أبي زيد القيرواني المؤلف : النفراوي، شهاب الدين    الجزء : 1  صفحة : 100
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست