responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع المؤلف : الكاساني، علاء الدين    الجزء : 2  صفحة : 268
الطَّوْلِ، فَالتَّعْلِيقُ بِالشَّرْطِ عِنْدَنَا يَقْتَضِي الْوُجُودَ عِنْدَ وُجُودِ الشَّرْطِ إمَّا لَا يَقْتَضِي الْعَدَمَ عِنْدَ عَدَمِهِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {فَإِنْ خِفْتُمْ أَلا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً} [النساء: 3] ثُمَّ إذَا تَزَوَّجَ وَاحِدَةً جَازَ، وَإِنْ كَانَ لَا يَخَافُ الْجَوْرِ فِي نِكَاحِ الْمَثْنَى وَالثُّلَاثِ وَالرُّبَاعِ.
وَقَالَ تَعَالَى فِي الْإِمَاءِ: {فَإِذَا أُحْصِنَّ فَإِنْ أَتَيْنَ بِفَاحِشَةٍ فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى الْمُحْصَنَاتِ مِنَ الْعَذَابِ} [النساء: 25] وَهَذَا لَا يَدُلُّ عَلَى نَفْيِ الْحَدِّ عَنْهُنَّ عِنْدَ عَدَمِ الْإِحْصَانِ، وَهُوَ التَّزَوُّجُ، وَهُوَ الْجَوَابُ عَنْ قَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ: {ذَلِكَ لِمَنْ خَشِيَ الْعَنَتَ مِنْكُمْ} [النساء: 25] عَلَى أَنَّ الْعَنَتَ يُذْكَرُ وَيُرَادُ بِهِ الضِّيقُ كَقَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ: {وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لأَعْنَتَكُمْ} [البقرة: 220] أَيْ: لَضَيَّقَ عَلَيْكُمْ، أَيْ: مَنْ يُضَيَّقُ عَلَيْهِ النَّفَقَةُ وَالْإِسْكَانُ لِتَرْكِ الْحُرَّةِ بِالطَّلَاقِ وَتَزَوُّجِ الْأَمَةِ فَالطَّوْلُ الْمَذْكُورُ يُحْتَمَلُ أَنْ يُرَادَ بِهِ الْقُدْرَةُ عَلَى الْمَهْرِ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُرَادَ بِهِ الْقُدْرَةُ عَلَى الْوَطْءِ؛ لِأَنَّ النِّكَاحَ يُذْكَرُ وَيُرَادُ بِهِ الْوَطْءُ بَلْ حَقِيقَةُ الْوَطْءِ عَلَى مَا عُرِفَ فَكَانَ مَعْنَاهُ فَمَنْ لَمْ يَقْدِرْ مِنْكُمْ عَلَى وَطْءِ الْمُحْصَنَاتِ - وَهِيَ الْحَرَائِرُ - وَالْقُدْرَةُ عَلَى وَطْءِ الْحُرَّةِ إنَّمَا يَكُونُ فِي النِّكَاحِ، وَنَحْنُ نَقُولُ بِهِ: إنَّ مَنْ لَمْ يَقْدِرْ عَلَى وَطْءِ الْحُرَّةِ بِأَنْ لَمْ يَكُنْ فِي نِكَاحِهِ حُرَّةٌ يَجُوزُ لَهُ نِكَاحُ الْأَمَةِ.
وَمَنْ قَدَرَ عَلَى ذَلِكَ بِأَنْ كَانَ فِي نِكَاحِهِ حُرَّةٌ لَا يَجُوزُ لَهُ نِكَاحُ الْأَمَةِ، وَنُقِلَ هَذَا التَّأْوِيلُ عَنْ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فَلَا يَكُونُ حُجَّةً مَعَ الِاحْتِمَالِ عَلَى أَنَّ فِيهَا إبَاحَةَ نِكَاحِ الْأَمَةِ عِنْدَ عَدَمِ طَوْلِ الْحُرَّةِ، وَهَذَا تَقْدِيمٌ وَتَأْخِيرٌ فِي الْجَوَابِ عَنْ التَّعْلِيقِ بِالْآيَةِ.
وَأَمَّا قَوْلُهُ: نِكَاحُ الْأَمَةِ يَتَضَمَّنُ إرْقَاقَ الْحُرِّ؛ لِأَنَّ مَاءَ الْحُرِّ حُرٌّ فَنَقُولُ: إنْ عَنَى بِهِ إثْبَاتَ حَقِيقَةِ الرِّقِّ فَهَذَا لَا يُتَصَوَّرُ؛ لِأَنَّ الْمَاءَ جَمَادٌ لَا يُوصَفُ بِالرِّقِّ وَالْحُرِّيَّةِ وَإِنْ عَنَى بِهِ النَّسَبَ إلَى حُدُوثِ رِقِّ الْوَلَدِ، فَهَذَا مُسَلَّمٌ لَكِنَّ أَثَرَ هَذَا فِي الْكَرَاهَةِ لَا فِي الْحُرِّيَّةِ، فَإِنَّ نِكَاحَ الْأَمَةِ فِي حَالِ طَوْلِ الْحُرَّةِ فِي حَقِّ الْعَبْدِ جَائِزٌ بِالْإِجْمَاعِ، وَإِنْ كَانَ نِكَاحُهَا مُبَاشَرَةَ سَبَبِ حُدُوثِ الرِّقِّ عِنْدَنَا، فَكُرِهَ نِكَاحُ الْأَمَةِ مَعَ طَوْلِ الْحُرَّةِ.
وَلَوْ تَزَوَّجَ أَمَةً وَحُرَّةً فِي عُقْدَةٍ وَاحِدَةٍ جَازَ نِكَاحُ الْحُرَّةِ وَبَطَلَ نِكَاحُ الْأَمَةِ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا عَلَى صَاحِبَتِهَا مَدْخُولَةٌ عَلَيْهَا فَيُعْتَبَرُ حَالَةُ الِاجْتِمَاعِ بِحَالِ الِانْفِرَادِ فَيَجُوزُ نِكَاحُ الْحُرَّةِ؛ لِأَنَّ نِكَاحَهَا عَلَى الْأَمَةِ حَالَةَ الِانْفِرَادِ جَائِزٌ، فَكَذَا حَالَةُ الِاجْتِمَاعِ وَيَبْطُلُ نِكَاحُ الْأَمَةِ؛ لِأَنَّ نِكَاحَهَا عَلَى الْحُرَّةِ وَإِدْخَالَهَا عَلَيْهَا لَا يَجُوزُ حَالَةَ الِانْفِرَادِ، فَكَذَا عِنْدَ الِاجْتِمَاعِ بِخِلَافِ مَا إذَا تَزَوَّجَ أُخْتَيْنِ فِي عُقْدَةٍ وَاحِدَةٍ لِأَنَّ الْمُحَرَّمَ هُنَاكَ هُوَ الْجَمْعُ بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ، وَالْجَمْعُ حَصَلَ بِهِمَا فَبَطَلَ نِكَاحُهُمَا، وَهَاهُنَا الْمُحَرَّمُ هُوَ إدْخَالُ الْأَمَةِ عَلَى الْحُرَّةِ لَا الْجَمْعُ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ كَانَ نِكَاحُ الْأَمَةِ مُتَقَدِّمًا عَلَى نِكَاحِ الْحُرَّةِ جَازَ نِكَاحُ الْحُرَّةِ، وَإِنْ وُجِدَ الْجَمْعُ فَكَذَلِكَ إذَا اقْتَرَنَ الْأَمْرَانِ، وَاَللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ أَعْلَم.
وَكَذَلِكَ إذَا جَمَعَ بَيْنَ أَجْنَبِيَّةٍ وَذَاتِ مَحَارِمِهِ جَازَ نِكَاحُ الْأَجْنَبِيَّةِ، وَبَطَلَ نِكَاحُ الْمَحْرَمِ، وَيُعْتَبَرُ حَالَةُ الِاجْتِمَاعِ بِحَالَةِ الِانْفِرَادِ، وَهَلْ يَنْقَسِمُ الْمَهْرُ عَلَيْهِمَا؟ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ؟ لَا يَنْقَسِمُ وَيَكُونُ كُلُّهُ لِلْأَجْنَبِيَّةِ وَعِنْدَهُمَا يَنْقَسِمُ الْمُسَمَّى عَلَى قَدْرِ مَهْرِ مِثْلِهَا.

[فَصْلٌ أَنْ لَا تَكُونَ مَنْكُوحَةَ الْغَيْرِ]
(فَصْلٌ) :
وَمِنْهَا أَنْ لَا تَكُونَ مَنْكُوحَةَ الْغَيْرِ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاءِ} [النساء: 24] مَعْطُوفًا عَلَى قَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ} [النساء: 23] إلَى قَوْلِهِ: {وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاءِ} [النساء: 24] وَهُنَّ ذَوَاتُ الْأَزْوَاجِ، وَسَوَاءٌ كَانَ زَوْجُهَا مُسْلِمًا أَوْ كَافِرًا إلَّا الْمَسْبِيَّةَ الَّتِي هِيَ ذَاتُ زَوْجٍ سُبِيَتْ وَحْدَهَا؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ عَزَّ وَجَلَّ: {وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاءِ} [النساء: 24] عَامٌّ فِي جَمِيعِ ذَوَاتِ الْأَزْوَاجِ ثُمَّ اسْتَثْنَى تَعَالَى مِنْهَا الْمَمْلُوكَاتِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {إِلا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ} [النساء: 24] وَالْمُرَادُ مِنْهَا الْمَسْبِيَّاتُ اللَّاتِي سُبِينَ، وَهُنَّ ذَوَاتُ الْأَزْوَاجِ لِيَكُونَ الْمُسْتَثْنَى مِنْ جِنْسِ الْمُسْتَثْنَى مِنْهُ فَيَقْتَضِي حُرْمَةَ نِكَاحِ كُلِّ ذَاتِ زَوْجٍ إلَّا الَّتِي سُبِيَتْ كَذَا رُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - أَنَّهُ قَالَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ: كُلُّ ذَاتِ زَوْجٍ إتْيَانُهَا زِنًا إلَّا مَا سُبِيَتْ وَالْمُرَادُ مِنْهُ الَّتِي سُبِيَتْ وَحْدَهَا وَأُخْرِجَتْ إلَى دَارِ الْإِسْلَامِ؛ لِأَنَّ الْفُرْقَةَ ثَبَتَتْ بِتَبَايُنِ الدَّارَيْنِ عِنْدَنَا لَا بِنَفْسِ السَّبْيِ عَلَى مَا نَذْكُرُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَصَارَتْ هِيَ فِي حُكْمِ الذِّمِّيَّةِ؛ وَلِأَنَّ اجْتِمَاعَ رَجُلَيْنِ عَلَى امْرَأَةٍ وَاحِدَةٍ يُفْسِدُ الْفِرَاشَ؛ لِأَنَّهُ يُوجِبُ اشْتِبَاهَ النَّسَبِ وَتَضْيِيعَ الْوَلَدِ وَفَوَاتَ السَّكَنِ وَالْأُلْفَةِ وَالْمَوَدَّةِ فَيَفُوتُ مَا وُضِعَ النِّكَاحُ لَهُ.

[فَصْلٌ أَنْ لَا تَكُونَ مُعْتَدَّةَ الْغَيْرِ]
(فَصْلٌ) :
وَمِنْهَا أَنْ لَا تَكُونَ مُعْتَدَّةَ الْغَيْرِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلا تَعْزِمُوا عُقْدَةَ النِّكَاحِ حَتَّى يَبْلُغَ الْكِتَابُ أَجَلَهُ} [البقرة: 235] أَيْ: مَا كُتِبَ عَلَيْهَا مِنْ التَّرَبُّصِ، وَلِأَنَّ بَعْضَ أَحْكَامِ النِّكَاحِ حَالَةَ الْعَدَمِ قَائِمٌ فَكَانَ النِّكَاحُ قَائِمًا مِنْ وَجْهٍ.
وَالثَّابِتُ

اسم الکتاب : بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع المؤلف : الكاساني، علاء الدين    الجزء : 2  صفحة : 268
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست