responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع المؤلف : الكاساني، علاء الدين    الجزء : 2  صفحة : 267
تُنْبِئُ عَنْ الشَّرَفِ وَالْعِزَّةِ وَكَمَالِ الْحَالِ، فَنِكَاحُ الْأَمَةِ عَلَى الْحُرَّةِ إدْخَالٌ عَلَى الْحُرَّةِ مَنْ لَا يُسَاوِيهَا فِي الْقَسْمِ، وَذَلِكَ يُشْعِرُ بِالِاسْتِهَانَةِ وَإِلْحَاقِ الشَّيْنِ وَنُقْصَانِ الْحَالِ وَهَذَا لَا يَجُوزُ، وَسَوَاءٌ كَانَ الْمُتَزَوِّجُ حُرًّا أَوْ عَبْدًا عِنْدَنَا؛ لِأَنَّ مَا رَوَيْنَا مِنْ الْحَدِيثِ وَذَكَرْنَا مِنْ الْمَعْنَى لَا يُوجِبُ الْفَصْلَ.
وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ يَجُوزُ لِلْعَبْدِ أَنْ يَتَزَوَّجَ أَمَةً عَلَى حُرَّةٍ بِنَاءً عَلَى أَنَّ عَدَمَ الْجَوَازِ لِلْحُرِّ عِنْدَهُ؛ لِعَدَمِ شَرْطِ الْجَوَازِ وَهُوَ عَدَمُ طَوْلِ الْحُرَّةِ، وَهَذَا شَرْطُ جَوَازِ نِكَاحِ الْأَمَةِ عِنْدَهُ فِي حَقِّ الْحُرِّ لَا فِي حَقِّ الْعَبْدِ لِمَا نَذْكُرُ - إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى - وَكَذَا خُلُوُّ الْحُرَّةِ عَنْ الْعِدَّةِ شَرْطُ جَوَازِ نِكَاحِ الْأَمَةِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ.
وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ: يَجُوزُ أَنْ يَتَزَوَّجَ أَمَةً عَلَى حُرَّةٍ تَعْتَدُّ مِنْ طَلَاقٍ بَائِنٍ أَوْ ثَلَاثٍ (وَجْهُ) قَوْلِهِمَا: أَنَّ الْمُحَرَّمَ لَيْسَ هُوَ الْجَمْعُ بَيْنَ الْحُرَّةِ وَالْأَمَةِ بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَوْ تَزَوَّجَ أَمَةً ثُمَّ تَزَوَّجَ حُرَّةً جَازَ، وَقَدْ حَصَلَ الْجَمْعُ، وَإِنَّمَا الْمُحَرَّمُ هُوَ نِكَاحُ الْأَمَةِ عَلَى الْحُرَّةِ.
وَقَالَ: - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا تُنْكَحُ الْأَمَةُ عَلَى الْحُرَّةِ» وَلَا يَتَحَقَّقُ النِّكَاحُ عَلَيْهَا بَعْدَ الْبَيْنُونَةِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ حَلَفَ لَا يَتَزَوَّجُ عَلَى امْرَأَتِهِ فَتَزَوَّجَ بَعْدَمَا أَبَانَهَا فِي عِدَّتِهَا لَا يَحْنَثُ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ نِكَاحَ الْأَمَةِ فِي عِدَّةِ الْحُرَّةِ نِكَاحٌ عَلَيْهَا مِنْ وَجْهٍ؛ لِأَنَّ بَعْضَ آثَارِ النِّكَاحِ قَائِمٌ فَكَانَ النِّكَاحُ قَائِمًا مِنْ وَجْهٍ، فَكَانَ نِكَاحُهَا عَلَيْهَا مِنْ وَجْهٍ، وَالثَّابِتُ مِنْ وَجْهٍ مُلْحَقٌ بِالثَّابِتِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ فِي بَابِ الْحُرُمَاتِ احْتِيَاطًا فَيُحَرَّمُ كَنِكَاحِ الْأُخْتِ فِي عِدَّةِ الْأُخْتِ وَنَحْوِ ذَلِكَ مِمَّا بَيَّنَّا فِيمَا تَقَدَّمَ.
وَأَمَّا عَدَمُ طَوْلِ الْحُرَّةِ - وَهُوَ الْقُدْرَةُ عَلَى مَهْرِ الْحُرَّةِ - وَخَشْيَةُ الْعَنَتِ فَلَيْسَ مِنْ شَرْطِ جَوَازِ نِكَاحِ الْأَمَةِ عِنْدَ أَصْحَابِنَا، وَالْحَاصِلُ أَنَّ مِنْ شَرَائِطِ جَوَازِ نِكَاحِ الْأَمَةِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ أَنْ لَا يَكُونَ فِي نِكَاحِ الْمُتَزَوِّجِ حُرَّةٌ وَلَا فِي عِدَّةِ حُرَّةٍ.
وَعِنْدَهُمَا خُلُوُّ الْحُرَّةِ عَنْ عِدَّةِ الْبَيْنُونَةِ لَيْسَ بِشَرْطٍ؛ لِجَوَازِ نِكَاحِ الْأَمَةِ، وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ مِنْ شَرَائِطِ جَوَازِ نِكَاحِ الْأَمَةِ أَنْ لَا يَكُونَ فِي نِكَاحِهِ حُرَّةٌ وَأَنْ لَا يَكُونَ قَادِرًا عَلَى مَهْرِ الْحُرَّة وَأَنْ يَخْشَى الْعَنَتَ حَتَّى إذَا كَانَ فِي مِلْكِهِ أَمَةٌ يَطَؤُهَا بِمِلْكِ الْيَمِينِ جَازَ لَهُ أَنْ يَتَزَوَّجَ أَمَةً عِنْدَنَا، وَعِنْدَهُ لَا يَجُوزُ لِعَدَمِ خَشْيَةِ الْعَنَتِ، وَكَذَلِكَ الْحُرُّ يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَتَزَوَّجَ أَكْثَرَ مِنْ أَمَةٍ وَاحِدَةٍ عِنْدَنَا، وَعِنْدَهُ إذَا تَزَوَّجَ أَمَةً وَاحِدَةً لَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَتَزَوَّجَ أَمَةً أُخْرَى؛ لِزَوَالِ خَشْيَةِ الْعَنَتِ بِالْوَاحِدَةِ، وَلَا خِلَافَ فِي أَنَّ طَوْلَ الْحُرَّةِ لَا يَمْنَعُ الْعَبْدَ مِنْ نِكَاحِ الْأَمَةِ احْتَجَّ الشَّافِعِيُّ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلا أَنْ يَنْكِحَ الْمُحْصَنَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ فَمِنْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ مِنْ فَتَيَاتِكُمُ الْمُؤْمِنَاتِ} [النساء: 25] وَمَنْ " كَلِمَةُ شَرْطٍ فَقَدْ جَعَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ الْعَجْزَ عَنْ طَوْلِ الْحُرَّةِ شَرْطًا لِجَوَازِ نِكَاحِ الْأَمَةِ، فَيَتَعَلَّقُ الْجَوَازُ بِهِ كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى: {فَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَإِطْعَامُ سِتِّينَ مِسْكِينًا} [المجادلة: 4] وَنَحْوِ ذَلِكَ.
وَقَالَ تَعَالَى: {ذَلِكَ لِمَنْ خَشِيَ الْعَنَتَ مِنْكُمْ} [النساء: 25] وَهُوَ الزِّنَا شَرَطَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى خَشْيَةَ الْعَنَتِ؛ لِجَوَازِ نِكَاحِ الْأَمَةِ، فَيَتَقَيَّدُ الْجَوَازُ بِهَذَا الشَّرْطِ أَيْضًا، وَلِأَنَّ جَوَازَ نِكَاحِ الْإِمَاءِ فِي الْأَصْلِ ثَبَتَ بِطَرِيقِ الضَّرُورَةِ لِمَا يَتَضَمَّنُ نِكَاحَهُنَّ مِنْ إرْقَاقِ الْحُرِّ؛ لِأَنَّ مَاءَ الْحُرِّ حُرٌّ تَبَعًا لَهُ، وَكَانَ فِي نِكَاحِ الْحُرِّ الْأَمَةَ إرْقَاقُ حُرٍّ جُزْءًا وَإِلَى هَذَا أَشَارَ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِيمَا رُوِيَ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ " (أَيُّمَا حُرٍّ تَزَوَّجَ أَمَةً فَقَدْ أَرَّقَ نِصْفَهُ وَأَيُّمَا عَبْدٍ تَزَوَّجَ حُرَّةً فَقَدْ أَعْتَقَ نِصْفَهُ) وَلَا يَجُوزُ إرْقَاقُ الْجُزْءِ مِنْ غَيْرِ ضَرُورَةٍ، وَلِهَذَا إذَا كَانَ تَحْتَهُ حُرَّةٌ لَا يَجُوزُ نِكَاحُ الْأَمَةِ، وَهَذَا لِأَنَّ الْإِرْقَاقَ إهْلَاكٌ؛ لِأَنَّهُ يَخْرُجُ بِهِ مِنْ أَنْ يَكُونَ مُنْتَفِعًا بِهِ فِي حَقِّ نَفْسِهِ وَيَصِيرُ مُلْحَقًا بِالْبَهَائِمِ، وَهَلَاكُ الْجُزْءِ مِنْ غَيْرِ ضَرُورَةٍ لَا يَجُوزُ كَقَطْعِ الْيَدِ وَنَحْوِ ذَلِكَ وَلَا ضَرُورَةَ حَالَةَ الْقُدْرَةِ عَلَى طَوْلِ الْحُرَّةِ، فَبَقِيَ الْحُكْمُ فِيهَا عَلَى هَذَا الْأَصْلِ.
وَلِهَذَا لَمْ يَجُزْ إذَا كَانَتْ حُرَّةً لِارْتِفَاعِ الضَّرُورَةِ بِالْحُرَّةِ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ الْمُتَزَوِّجُ عَبْدًا؛ لِأَنَّ نِكَاحَهُ لَيْسَ إرْقَاقَ الْحُرِّ؛ لِأَنَّ مَاءَهُ رَقِيقٌ تَبَعًا لَهُ، وَإِرْقَاقُ الرَّقِيقِ لَا يُتَصَوَّرُ وَلَنَا عُمُومَاتُ النِّكَاحِ نَحْوُ قَوْله تَعَالَى: {وَأَنْكِحُوا الأَيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ} [النور: 32] وَقَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ: {فَانْكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أَهْلِهِنَّ} [النساء: 25] وَقَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ: {وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ} [النساء: 24] مِنْ غَيْرِ فَصْلٍ بَيْنَ حَالِ الْقُدْرَةِ عَلَى مَهْرِ الْحُرَّةِ وَعَدَمِهَا، وَلِأَنَّ النِّكَاحَ عَقْدُ مَصْلَحَةٍ فِي الْأَصْلِ؛ لِاشْتِمَالِهِ عَلَى الْمَصَالِحِ الدِّينِيَّةِ وَالدُّنْيَوِيَّةِ، فَكَانَ الْأَصْلُ فِيهِ هُوَ الْجَوَازَ إذَا صَدَرَ مِنْ الْأَهْلِ فِي الْمَحَلِّ وَقَدْ وَجَدُوا الْآيَةَ، فَفِيهَا إبَاحَةُ نِكَاحِ الْأَمَةِ عِنْدَ عَدَمِ طَوْلِ الْحُرَّةِ، وَهَذَا لَا يَنْفِي الْإِبَاحَةَ عِنْدَ وُجُودِ

اسم الکتاب : بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع المؤلف : الكاساني، علاء الدين    الجزء : 2  صفحة : 267
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست