responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع المؤلف : الكاساني، علاء الدين    الجزء : 2  صفحة : 269
مِنْ وَجْهٍ كَالثَّابِتِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ فِي بَابِ الْحُرُمَاتِ؛ وَلِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ التَّصْرِيحُ بِالْخِطْبَةِ فِي حَالِ قِيَامِ الْعِدَّةِ، وَمَعْلُومٌ أَنَّ خِطْبَتَهَا بِالنِّكَاحِ دُونَ حَقِيقَةِ النِّكَاحِ فَمَا لَمْ تَجُزْ الْخِطْبَةُ فَلَأَنْ لَا يَجُوزَ الْعَقْدُ أَوْلَى، وَسَوَاءٌ كَانَتْ الْعِدَّةُ عَنْ طَلَاقٍ أَوْ عَنْ وَفَاةٍ أَوْ دُخُولٍ فِي نِكَاحٍ فَاسِدٍ أَوْ شُبْهَةِ نِكَاحٍ لِمَا ذَكَرْنَا مِنْ الدَّلَائِلِ، وَيَجُوزُ لِصَاحِبِ الْعِدَّةِ أَنْ يَتَزَوَّجَهَا إذَا لَمْ يَكُنْ هُنَاكَ مَانِعٌ آخَرُ غَيْرُ الْعِدَّةِ؛ لِأَنَّ الْعِدَّةَ حَقُّهُ قَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {فَمَا لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَهَا} [الأحزاب: 49] أَضَافَ الْعِدَّةَ إلَى الْأَزْوَاجِ فَدَلَّ أَنَّهَا حَقُّ الزَّوْجِ، وَحَقُّ الْإِنْسَانِ لَا يَجُوزُ أَنْ يَمْنَعَهُ مِنْ التَّصَرُّفِ، وَإِنَّمَا يَظْهَرُ أَثَرُهُ فِي حَقِّ الْغَيْرِ، وَيَجُوزُ نِكَاحُ الْمَسْبِيَّةِ بِغَيْرِ السَّابِي إذَا سُبِيَتْ وَحْدَهَا دُونَ زَوْجِهَا وَأُخْرِجَتْ إلَى دَارِ الْإِسْلَامِ بِالْإِجْمَاعِ؛ لِأَنَّهُ وَقَعَتْ الْفُرْقَةُ بَيْنَهُمَا وَلَا عِدَّةَ عَلَيْهَا لِقَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ {وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاءِ إِلا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ} [النساء: 24] وَالْمُرَادُ مِنْهُ الْمَسْبِيَّاتُ اللَّاتِي هُنَّ ذَوَاتُ الْأَزْوَاجِ فَقَدْ أَحَلَّ اللَّهُ تَعَالَى الْمَسْبِيَّةَ لِلْمَوْلَى السَّابِي إذْ الِاسْتِثْنَاءُ مِنْ التَّحْرِيمِ إبَاحَةٌ مِنْ حَيْثُ الظَّاهِرِ، وَقَدْ أَحَلَّهَا عَزَّ وَجَلَّ مُطْلَقًا مِنْ غَيْرِ شَرْطِ انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ فَدَلَّ أَنَّهُ لَا عِدَّةَ عَلَيْهَا، وَكَذَلِكَ الْمُهَاجِرَةُ وَهِيَ الْمَرْأَةُ خَرَجَتْ إلَيْنَا مِنْ دَارِ الْحَرْبِ مُسْلِمَةً مُرَاغِمَةً لِزَوْجِهَا يَجُوزُ نِكَاحُهَا، وَلَا عِدَّةَ عَلَيْهَا فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ: عَلَيْهَا الْعِدَّةُ وَلَا يَجُوزُ نِكَاحُهَا (وَجْهُ) قَوْلِهِمَا: إنَّ الْفُرْقَةَ وَقَعَتْ بِتَبَايُنِ الدَّارِ فَتَقَعُ بَعْدَ دُخُولِهَا دَارَ الْإِسْلَامِ وَهِيَ بَعْدَ الدُّخُولِ مُسْلِمَةٌ وَفِي دَارِ الْإِسْلَامِ، فَتَجِبُ عَلَيْهَا الْعِدَّةُ كَسَائِرِ الْمُسْلِمَاتِ، وَلِأَبِي حَنِيفَةَ قَوْله تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا جَاءَكُمُ الْمُؤْمِنَاتُ مُهَاجِرَاتٍ} [الممتحنة: 10] إلَى قَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ: {وَلا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ أَنْ تَنْكِحُوهُنَّ إِذَا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ} [الممتحنة: 10] أَبَاحَ تَعَالَى نِكَاحَ الْمُهَاجِرَةِ مُطْلَقًا مِنْ غَيْرِ ذِكْرِ الْعِدَّةِ وقَوْله تَعَالَى: {وَلا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوَافِرِ} [الممتحنة: 10] نَهَى اللَّهُ تَعَالَى الْمُسْلِمِينَ عَنْ الْإِمْسَاكِ وَالِامْتِنَاعِ عَنْ نِكَاحِ الْمُهَاجِرَةِ لِأَجْلِ عِصْمَةِ الزَّوْجِ الْكَافِرِ وَحُرْمَتِهِ، فَالِامْتِنَاعُ عَنْ نِكَاحِهَا لِلْعِدَّةِ، وَالْعِدَّةُ فِي حَقِّ الزَّوْجِ يَكُونُ إمْسَاكًا وَتَمَسُّكًا بِعِصْمَةِ زَوْجِهَا الْكَافِرِ، وَهَذَا مَنْهِيٌّ عَنْهُ، وَلِأَنَّ الْعِدَّةَ حَقٌّ مِنْ حُقُوقِ الزَّوْجِ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَبْقَى لِلْحَرْبِيِّ عَلَى الْمُسْلِمَةِ الْخَارِجَةِ إلَى دَارِ الْإِسْلَامِ حَقٌّ، وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ أَنْ لَا عِدَّةَ عَلَى الْمَسْبِيَّةِ، وَإِنْ كَانَتْ كَافِرَةً عَلَى الْحَقِيقَةِ لَكِنَّهَا لَيْسَتْ فِي حُكْمِ الذِّمِّيَّةِ تَجْرِي عَلَيْهَا أَحْكَامُ الْإِسْلَامِ، وَمَعَ ذَلِكَ يَنْقَطِعُ عَنْهَا حَقُّ الزَّوْجِ الْكَافِرِ، فَالْمُهَاجِرَةُ الْمُسْلِمَةُ حَقِيقَةٌ لَأَنْ يَنْقَطِعَ عَنْهَا حَقُّ الزَّوْجِ الْكَافِرِ أَوْلَى هَذَا إذَا هَاجَرَتْ إلَيْنَا - وَهِيَ حَائِلٌ - فَأَمَّا إذَا كَانَتْ حَامِلًا فَفِيهِ اخْتِلَافُ الرِّوَايَةِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَسَنَذْكُرُهَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.

[فَصْلٌ أَنْ لَا يَكُونَ بِهَا حَمْلٌ ثَابِتُ النَّسَبِ مِنْ الْغَيْرِ]
(فَصْلٌ) :
وَمِنْهَا أَنْ لَا يَكُونَ بِهَا حَمْلٌ ثَابِتُ النَّسَبِ مِنْ الْغَيْرِ فَإِنْ كَانَ لَا يَجُوزُ نِكَاحُهَا، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ مُعْتَدَّةً كَمَنْ تَزَوَّجَ أُمَّ وَلَدِ إنْسَانٍ - وَهِيَ حَامِلٌ مِنْ مَوْلَاهَا - لَا يَجُوزُ، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ مُعْتَدَّةً لِوُجُودِ حَمْلٍ ثَابِتِ النَّسَبِ، وَهَذَا؛ لِأَنَّ الْحَمْلَ إذَا كَانَ ثَابِتَ النَّسَبِ مِنْ الْغَيْرِ - وَمَاؤُهُ مُحَرَّمٌ - لَزِمَ حِفْظُ حُرْمَةِ مَائِهِ بِالْمَنْعِ مِنْ النِّكَاحِ، وَعَلَى هَذَا يَخْرُجُ مَا إذَا تَزَوَّجَ امْرَأَةً حَامِلًا مِنْ الزِّنَا أَنَّهُ يَجُوزُ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ، وَلَكِنْ لَا يَطَؤُهَا حَتَّى تَضَعَ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: (لَا يَجُوزُ) وَهُوَ قَوْلُ زُفَرَ.
(وَجْهُ) قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ أَنَّ هَذَا الْحَمْلَ يَمْنَعُ الْوَطْءَ فَيَمْنَعُ الْعَقْدَ أَيْضًا كَالْحَمْلِ الثَّابِتِ النَّسَبِ، وَهَذَا؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ النِّكَاحِ هُوَ حِلُّ الْوَطْءِ فَإِذَا لَمْ يَحِلَّ لَهُ وَطْؤُهَا لَمْ يَكُنْ النِّكَاحُ مُفِيدًا فَلَا يَجُوزُ، وَلِهَذَا لَمْ يَجُزْ إذَا كَانَ الْحَمْلُ ثَابِتَ النَّسَبِ كَذَا هَذَا (وَلَهُمَا) أَنَّ الْمَنْعَ مِنْ نِكَاحِ الْحَامِلِ حَمْلًا ثَابِتَ النَّسَبِ؛ لِحُرْمَةِ مَاءِ الْوَطْءِ وَلَا حُرْمَةَ لِمَاءِ الزِّنَا بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَا يَثْبُتُ بِهِ النَّسَبُ قَالَ النَّبِيُّ: - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «الْوَلَدُ لِلْفِرَاشِ وَلِلْعَاهِرِ الْحَجَرُ» فَإِذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ حُرْمَةٌ لَا يُمْنَعُ جَوَازُ النِّكَاحِ إلَّا أَنَّهَا لَا تُوطَأُ حَتَّى تَضَعَ لِمَا رُوِيَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ: «مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاَللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَلَا يَسْقِيَنَّ مَاءَهُ زَرْعَ غَيْرِهِ» وَرُوِيَ عَنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ «لَا يَحِلُّ لِرَجُلَيْنِ يُؤْمِنَا بِاَللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ أَنْ يَجْتَمِعَا عَلَى امْرَأَةٍ فِي طُهْرٍ وَاحِدٍ» وَحُرْمَةُ الْوَطْءِ بِعَارِضٍ طَارِئٍ عَلَى الْمَحَلِّ لَا يُنَافِي النِّكَاحَ لَا بَقَاءً وَلَا ابْتِدَاءً كَالْحَيْضِ وَالنِّفَاسِ.
وَأَمَّا الْمُهَاجِرَةُ إذَا كَانَتْ حَامِلًا فَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ رِوَايَتَانِ رَوَى مُحَمَّدٌ عَنْهُ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ نِكَاحُهَا، وَهُوَ إحْدَى رِوَايَتَيْ أَبِي يُوسُفَ عَنْهُ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ

اسم الکتاب : بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع المؤلف : الكاساني، علاء الدين    الجزء : 2  صفحة : 269
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست